Atwasat

تحليل: المجموعات المسلحة تحدد مستقبل العملية السياسية في ليبيا

القاهرة - بوابة الوسط الثلاثاء 12 يوليو 2022, 11:50 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

سلط تحليل نشره المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية الضوء على دور الجماعات المسلحة الليبية خلال الفترة الأخيرة، باعتبارها باتت «تقوم بالدور الذي كانت تشغله النخب السياسية ورجال الأعمال الفاسدون»، مشيرًا إلى أن دورهم أصبح فعالًا في أي تطورات في البلاد.

وأشار التحليل، الذي كتبه المتخصص في الشأن الليبي، عماد الدين بادي، إلى أن أهواء قادة تلك المجموعات «هي المحدد الرئيسي في مسار التحول الديمقراطي»، لافتًا إلى أن النفوذ السياسي غير المتكافئ الذي اكتسبه قادة الجماعات المسلحة ستكون آثار بعيدة المدى على ليبيا، لا سيما أنهم باتوا حاليًا «على استعداد للاحتفاظ بهذا النفوذ الجديد على المدى الطويل».

والتحليل جزء من ملف خاص عن «أزمة ليبيا المستمرة»، شارك فيه عدد من المتخصصين في الشأن الليبي وهم: «فيديريكا سايني فاسانوتي، عماد الدين بادي، طارق مجريسي، كريم مزران، ملك الطيب، أنس القماطي».

ونوه الباحث بالتطورات السياسية الأخيرة التي شكلت مسار الأزمة، خاصة مع تكليف مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، اصطدمت بتمسك رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بمنصبه حتى تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة، مشيرًا إلى أن المرحلة الأخيرة تهدد بإعادة إشعال الصراع، لكنه يعتقد أن «الصراع السياسي ليس أكثر من عرض جانبي عند مقارنته بالتحول التكتوني الحقيقي الذي هز قطاع الأمن الليبي في العام الماضي».

سيطرة مباشرة على مؤسسات الدولة
ويذهب الباحث إلى أن ظهور قادة الجماعات المسلحة كأصحاب مصلحة لا يقتصر فقط على مناورات محلية وتطورات سياسية وعسكرية، بل أيضًا على «المنتج العرضي لمخططات وساطة معيبة التي ترعاها جهات أجنبية، ومحاولات فاترة لحل النزاعات، وإلغاء الأولوية لجهود إصلاح قطاع الأمن الشاملة والهادفة».

- تقرير أممي يحذر من تزايد تأثير المجموعات المسلحة على مؤسسات الدولة الليبية
- باحثون: كتلتان تستفيدان من استمرار «النخب الطفيلية» في ليبيا

ويشير إلى أن تفاقم هذه الأزمة يرجع إلى «وطأة القوى الإقليمية التي تتعدى على السيادة الليبية من خلال تعزيز الجماعات المسلحة المختلطة»، وهو ما أدى إلى «خلق نظام بيئي يتمتع فيه الأفراد القادرون على ممارسة العنف مع الإفلات من العقاب بدور، ووهبت الانتهازية شرعية سياسية».

وأوضح أن قادة هذه المجموعات حاولوا التسلل إلى بيروقراطية الدولة الليبية واستغلوا سيطرتهم على الأراضي لانتزاع ريع من خلال اقتصاد حرب، حتى وصل هذا الاتجاه ذروته، متابعًا: «يتخلص قادة الجماعات المسلحة في جميع أنحاء البلاد من عباءة مزودي خدمات الأمن المتحالفين بشكل زائف تحت سلطات الدولة المركزية، ويتناورون بدلاً من ذلك لتولي سيطرة مباشرة غير مقيدة على مؤسسات الدولة على أعلى المستويات».

«ورثة حفتر» و«الوافدون الغربيون الجدد»
يعتقد الباحث أن المشير خليفة حفتر «يعتبر رائد تحويل النفوذ العسكري إلى نفوذ سياسي بلا شك على مدار العقد الماضي»، باعتبار أن «قواته أكبر ممارس للأمن الهجين في البلاد»، مشيرًا إلى «البروز السياسي للجنرال تعزز على خلفية ميله الجامح إلى ممارسة السلطة المدنية، سواء كان ذلك بالولاء الاسمي للدولة أو في تحد لها».

وتابع: «لطالما كان احتمال زوال حفتر الحتمي يلوح في الأفق على مستقبل القوات المسلحة الليبية. إلا أنه، منذ فشل هجومه على طرابلس في العام 2020، كانت هناك مبادرة غير معلن عنها لتخطيط إرث القوات المسلحة الليبية، والتي شهدت التخلص من العديد من (الأطراف السائبة) التابعة للقوات المسلحة الليبية في ظل ظروف غامضة».

لذلك يشير إلى أن نجليه صدام وبلقاسم «قادا هذا الجهد لتمكين القوات المسلحة العربية الليبية من إبقاء والدهما على قيد الحياة، حيث برزا كواجهة رئيسية للمفاوضات مع كل من باشاغا والدبيبة، وكذلك الحكومات الأجنبية... حتى أعادت العائلة توطيد قبضتها على القوات المسلحة الليبية وحصلت على نفوذ في المجال السياسي، كما يشهد على مشاركتها في جميع المسارات الرسمية وغير الرسمية التي تعالج المأزق السياسي».

نفوذ الجماعات المسلحة في غرب ليبيا
أما «قادة الجماعات المسلحة في غرب ليبيا فوضعوا أنفسهم أيضًا كمحاورين رئيسيين لرؤساء الوزراء المتنافسين وشبكاتهم، معتبرين أن السيطرة على الأراضي في العاصمة طرابلس هي أحد المحددات الرئيسية للشرعية الدولية للسلطة التنفيذية».

ويرى أن «باشاغا استسلم- في محاولة لتأمين وجوده في طرابلس- لشبكة من الجماعات المسلحة التي تعهد ذات مرة بتفكيكها، وعيِّن العديد من أقارب قادة هذه الفصائل وزراء في حكومته». من ناحية أخرى، فإن «قدرة الدبيبة على ترسيخ نفسه في طرابلس هي، من نواح كثيرة، نتيجة عرضية لظروف موقتة وليست تعبيرًا عن دعم اجتماعي أو عسكري ذي مغزى وراء شخصيته»، وفق التحليل.

وبناء على ذلك، يشير الباحث إلى أن هذا المأزق السياسي، دفع المنظمات الدولية والعواصم الأجنبية لإشراك قادة الجماعات المسلحة في المفاوضات السياسية، لافتًا إلى أن معظم الحلول المقترحة ستدفع بقادة الجماعات المسلحة إلى مواقع ذات أهمية سياسية أكبر، مع صدام وبلقاسم باعتبارهما نظيريهما في المفاوضات.

«مافيا الدولة الليبية»
ويصل الباحث إلى نتيجة مفادها أن «تمكين قادة الجماعات المسلحة وظهورهم كأصحاب مصلحة سياسيين وصانعي ملوك في السياق الحالي سيعرقل أي جهد لتوحيد وإصلاح قطاعي الدفاع والأمن الليبيين بشكل هادف على أسس ديمقراطية».

ومع ذلك، فإن الآثار ستتجاوز إلى حد بعيد الساحة العسكرية، حيث ستكون للاتجاه الحالي تأثيرات مباشرة على الحكم طويل الأجل في ليبيا، والذي من شأنه أن يضعف أي احتمالية لتعيينات كفاءات و«يمهد الطريق لعضوية المافيا في الدولة الليبية»، خاصة مع احتمالية أن تستجيب أجيال من الشباب الليبي المحبطين للدعوة للانضمام إلى الميليشيات.

ويوصي التحليل، لتجنب كل هذه العواقب الوخيمة، بتركيز عملية حل الأزمة الليبية على تطلعات الليبيين، بدلاً من أهواء الفصائل السياسية أو العسكرية التي تتنكر لهم.