Atwasat

الزواوي.. الفنان الأسطورة

طرابلس - بوابة الوسط: عبد السلام الفقهي السبت 25 أبريل 2020, 11:57 صباحا
WTV_Frequency

عانقت مخيلة الفنان محمد الزواوي عالم الكاريكاتير منذ الطفولة، عندما كانت بواكير بصمة الفرشاة هي خربشات أنامله الصغيرة على الرمال وعجائن الطين في دوائر وخطوط تحاكي أفكاره البكر.

هذه الإبراقة جزء من حواري معه حول تجربته الفنية، المنشور في جريدة «الشمس» سنة 2003، يتحدث بصوت هادئ في مرسمه البسيط تجاوره منضدة تعلوها بعض الأوراق، وأدوات التلوين بجانب مسندة الرسم، وجهاز تسجيل كاسيت، ورف يحوي بعض الكتب، يدون شيئا ما هنا، تخطيطات لشخوص لم ينضج شكلها الفني، ولوحات أخرى تنتظر النشر.

أنجز الزواوي في مساحته الصغيرة ما يمكن اعتباره متحفا ضخما لذاكرة الليبيين ومسار سلوكهم في الحياة اليومية خلال نصف قرن، مزيحا الستار عن مزاجهم ورود أفعالهم في مواقفهم اللحظية وهم يخوضون معاركهم مع الحياة والزمن.

علق الزواوي في حديثه بالقول: «الليبيون لا يضحكون أو لا يجيدون لغة التعبير بالجسد.. سمعت أحد زوار معرض أقمته منذ فترة متسائلا بصوت حاد أين صاحب الرسوم؟ راودتني شكوك في امتعاض السائل من لوحاتي، وباقترابه مني مد يده مصافحا دون أن يبتسم، قائلا: لوحاتك رائعة، سررت لتعبيره، واندهشت للمفارقة بين الإعجاب والتجهم، وتساءلت في نفسي لمَ لا يبدو هذا الانطباع منعكسا على سيكولوجيته؟».

هذا «الفلاش» البصري تدوينة للفنان وهو يلاحق لغة الجسد ليمضي بها إلى حيث يسبر كنه تفاعلاتها النفسية، متوقفا عند كل مراحلها العمرية، إن مسحه الكاريكاتيري المستمر للرؤية الداخلية لنماذجه هو تقوية لمنصته الفنية وتعزيز توجهها في اقتفاء شكل وذوق وثقافة وبنية الشخصية الليبية بأبعادها المختلفة، لا تتقمص المثل العليا ولا تنحوا إلى فرض موقف مسبق، هي نتاج بيئتها بلا تحفظ.

طالع: يوسف الشريف يكتب عن محمد الزواوي في ذكرى وفاته: مؤرخ الناس

لذا حاول الزواوي استثمار تلك التقاسيم العفوية للوجوه في أعماله، وإعادة إرسالها فنيا في صور مختلفة، كالزيارات الأسرية أو استقبال أحدهم ضيفه مفتخرا بصور عائلته المعلقة على الحائط، قائلا: «هذا عمي المتغشش بوقزاحة»، أو اللامبالاة في التعامل مع الخطر، التحرش في شواطئ البحر، وكذا غلاء المهور، وتشويه المنظر العام بالبناء العشوائي.. إلخ، مدونا كل تلك المرايا في مجلديه «الوجه الآخر» و«أنتم».

ولا ينفصل المشهد البيئي عن هذا السياق، فهو مجسر على ذات القالب المتعلق بالوعي، وقد جهد في ربطها بالمسؤولية المشتركة بين المواطن والدولة، ونحت في جدار المتغيرات على امتداد خط عقدي السبعينات والثمانينات، ملاحقا أوضاع هذا الملف القديم الجديد «القمامة»، المجسد في لوحة «كمامات المطافي» التي يرتديها مواطن وأطفاله وهم يعبرون الشارع.

ولم يغفل الزواوي عالم الكاتب ذاته الذي يرافقه في معركة الإصلاح، فهو مهموم بواقع متخلف يكاد يلقي بطلائعه المثقفة نحو المشفى النفسي، على رأي الكاتب يوسف القويري، لذا وازن في قوالبه الساخرة بين ضرورات التنوير وقواعده الساندة، التي تمثل للمثقف مجال اشتباك دائم ومثار تساؤلاته بحثا عن مجتمع أفضل، ومكاشفة لمدلولات صراعه الداخلي، عن جدوى ما يكتبه، وهل دوره حقيقي وفاعل أم أنه يغرد خارج السرب متكئا على أحلام اليقظة؟ تجسد ذلك إحدى لوحاته في كاتب داخل منزله المتهالك الغارق في الفوضى تتراكم مخطوطاته في انتظار الطباعة، ويحلم بالنجومية وجائزة نوبل.

طالع أيضا: من رسوم الراحل محمد الزواوي .. في ذكراه السادسة (5 /6 /2011)

تتقاطع هذه الرؤية مع نصوص الفنان الكاريكاتيرية وهو يحاول عبور النفق إلى كشف يقترب كثيرا من الناموس الحياتي العام، عبر مسيرة تحبيره الطويلة في عالم السلطة الرابعة، بجريدة الميدان والثورة، ومجلة الإذاعة والمرأة، وجريدتي الأسبوع السياسي والثقافي، وحضوره اللافت في مجلة «لا» تسعينات القرن الماضي، خصوصا عندما نستذكر لوحته لغلاف العدد عن موضوع الإيدز، الذي أثار جدلا كبيرا بأوساط الرأي العام آنذاك.

وما يتماس ما هو ثقافي ومجتمعي انعكاس ذات الرؤيا على الواقع العربي، مشاكسا قضاياه المزمنة في غياب نخبه السياسية وضياع ثرواته لدى الآخر الأوروبي، وغزو الهوية الوافدة دون إغفال محور ارتكازه الأم «فلسطين».

وقدم بصحبة القنفذ مزيجا ساحرا من الفكاهة الكروية على صفحات جريدة الصدى التي ترأس تحريرها الأستاذ محمد بالراس علي، ولا يمثل القنفذ الذي ينقلنا لاستحضار شخصية حنظلة في رسومات ناجي العلي، ترفا كاريكاتيريا، فهو المتلقي الذي أراد وجوده في اللوحة مشاركا وناقدا في فضائه الساخر، بعد أن كان دائما في موقف المتفرج.

من أعمال الفنان الزواوي (بوابة الوسط)
من أعمال الفنان الزواوي (بوابة الوسط)
الزواوي مع الفقهي في 2003 (بوابة الوسط)
الزواوي مع الفقهي في 2003 (بوابة الوسط)
من أعمال الفنان الزواوي (بوابة الوسط)
من أعمال الفنان الزواوي (بوابة الوسط)
الفنان الزواوي (بوابة الوسط)
الفنان الزواوي (بوابة الوسط)
من أعمال الفنان الزواوي (بوابة الوسط)
من أعمال الفنان الزواوي (بوابة الوسط)
من أعمال الفنان الزواوي (بوابة الوسط)
من أعمال الفنان الزواوي (بوابة الوسط)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
وفاة المخرج الفرنسي لوران كانتيه عن 63 سنة
وفاة المخرج الفرنسي لوران كانتيه عن 63 سنة
فوز آية ناكامورا بثلاث من جوائز «فلام» الموسيقية
فوز آية ناكامورا بثلاث من جوائز «فلام» الموسيقية
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم