Atwasat

ثقافة تكفير

منصور بوشناف السبت 22 مارس 2014, 05:24 مساء
منصور بوشناف

ثقافة العرب والمسلمين وكأي ثقافة إنسانية أخرى، شهدت عصور ازدهار وانفتاح وتطور وشهدت أيضا عصور انحطاط وتخلف وانغلاق، وكان الإنسان العربي والمسلم وكأي إنسان آخر ابن ثقافته وعصره، انحط بانحطاطهما وارتقى بارتقائهما.

السير الذاتية لكثير من رجال المعرفة والعلم العرب تثبت صحة هذا. فمصير ابن المقفع المرعب يلخص فترة انحطاط مرعبة حيث صلب على عامود وقطع لحمه وشوي على النار أمام عينيه قطعة قطعة وهو يعاني سكرات الموت وعذاباته , ونهاية الحلاج والسهروردي والمتنبي وغيرهم الكثير وبالتأكيد سجن ابن سيناء وابن خلدون وحرق كتب ابن رشد وطعن نجيب محفوظ بسكين و تكفير طه حسين وقائمة طويلة من الرعب الفكري الذي طبع حضارتنا بطابعه ولا زال يضيف لإنجازاتها في القمع كل يوم.

اللافت للنظر أن ثقافة العرب والمسلمين وعلى عكس غالبية الحضارات الإنسانية الأخرى لازالت تعتمد حجة التكفير كمبرر لقتل الرأي الآخر

اللافت للنظر أن ثقافة العرب والمسلمين وعلى عكس غالبية الحضارات الإنسانية الأخرى لازالت تعتمد حجة التكفير كمبرر لقتل الرأي الآخر إعداما فعليا وعمليا ولم ينتقل هذا الفعل إلى أشكال أكثر إنسانية رغم التطور الذي يشهده العالم ومحاولات البشرية الخروج من نفق توحشها إلى آفاق أكثر إنسانية خاصة مع الرأي والبحث عن الحقيقة والمعرفة.

مشروع النهضة العربية الذي انهار مع هزيمة 67 حمل كل إرث التوحش الفكري والعقائدي وطور مبدأ تكفير الرأي المخالف ووصف معارضيه بالدجالين والكفرة وأعداء الامة "مصطلح عدو الأمة مصطلح إسلامي يكفر من يصفه بالعدو ويبيح قتله " واستخدم مصطلح الخيانة وهو مصطلح حديث لتبرير قتل الآخر , رغم أن الخيانة التي يباح فيها قتل المواطن من قبل دولته يقتصر غالبا على جريمة التعامل مع قوى أجنبية كالتجسس لها و لاينطبق على اختلاف وصراع أبناء الوطن الواحد.

التكفير سلاح ثقافي ظل فعالا في ثقافتنا الإسلامية منذ الفتنة الكبرى وحتى الربيع العربي الآن، أي أننا لازلنا نستخدم نفس السلاح ضد خصومنا السياسين والمخالفين لنا في الرأي.

ماكينة التكفير الإسلامية العريقة والتي انكب علماؤنا وبحاثنا وشيوخنا على تطويرها وجعلها أكثر فعالية دخلت هذا الربيع العربي وهي في أوج تطورها وعنفها وقدراتها، وتكالب على استخدامها الجميع من إسلاميين وقوميين وشيوعيين وليبراليين وقطاع طرق ولصوص مال عام وكتاب وصحفيين وراقصات ومطربين وربات بيوت وأنا وأنت وكل السامعين بتماه مبهر مع تاريخ قمعنا المجيد الحافل بكل ما يخجل إبليس نفسه من قمع واضطهاد..

كان الإسلاميون بالنسبة للقوميين ولا زالوا زنادقة خونة وحكم الزنديق القتل ,وكان أتباع العصرنة والحداثة بمختلف أشكالهم كفرة منحلين بالنسبة للإسلاميين وحكمهم بالتأكيد القتل، ولن تحتاج للبحث طويلا عن فتوى قتل الرأي المخالف لك فالجريدة والراديو والتلفزيون وخطيب الجامع ومدير الندوة والمطرب والراقصة ومعلم المدرسة وسائق التاكسي، الكل يصرخ فيك اقتله.

إجماع شعبي كامل على فتوى قتل الرأي الآخر، فهو إما زنديق أو منحل أو خائن ولكل مفتي حجج طائفته المتدينة أو المتعلمنة والفتوى واحدة اقتله!

ثقافة التكفير آلية ثقافية فاعلة تصنع القتل وإن تغيرت موادها الخام "رؤوس دينيين أو رؤوس آراء أخرى"،  إنها لا تتوقف عن القتل إلا إذا قتلناها في رؤوسنا، لنولد من جديد.