Atwasat

محاكمة هيكل

حمدي الحسيني الخميس 18 ديسمبر 2014, 11:08 صباحا
حمدي الحسيني

من الصعب أن يفلت الصحفيون وصناع الكلمة من السقوط في شباك هيكل العنكبوتية، فلا أحد ينكر على الأستاذ قدرته الفائقة على السرد والإقناع والتحليل، فهو بحق ساحر في تطويع اللغة، باللجوء إلي الشعر،المنطق، الفلسفة، علم النفس، التاريخ، أقوال الحكماء والعلماء والخبراء الأحياء منهم والأموات.. كل هذا من أجل أن يحاصرك ويجذبك إلى عالمه حتي تتبني رؤاه وتؤمن بأفكاره مهما تضمنت من مبالغات أو شطط.

لا أحد يختلف على تفرد هيكل وتميز تجربته الصحفية النادرة، فهو بلا أدني شك حالة استثنائية في الصحافة العربية وربما العالمية أيضاً.

مناسبة هذا المقال ترتبط بآخر حديث تليفزيوني للأستاذ، بصرف النظر عن سر اختياره فضائية معينة ومذيعة بعينها لأحاديثه المثيرة للجدل، لكنه بالفعل كان متجلياً وصريحاً في هذا الحديث لدرجة أنه لأول مرة يلمس المشاهد روح المعارضة والاحتجاج في ثنايا كلماته التي اعتاد أن يختارها بعناية، عندما طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بالثورة وتطهير نظام حكمه من أعوان مبارك، وحذره من عودة النظام القديم الذي يمكن أن يُغرق البلاد في دوامة الفوضى مجدداً.

هيكل لم يكتف بهذا النقد المباشر للسيسي والنظام بل حذر أيضاً من أن المشاريع مهما كانت ضخامتها لن تبني شرعية ولن تمتص غضب الناس والشباب.

وكعادته يحلق في سماء النقد فينقلك من موضوع إلى آخر بسلاسة يحسد عليها، ففي هذه الحلقة فجرأكثر من مفاجأة، فلم يكتف بالتشكيك في نزاهة قاضي محاكمة مبارك، بل اعتبر أن مؤسسة القضاء بشكلها الحالي من صنع المخلوع، ومن الطبيعي أن تقف عاجزة أمام محاكمته، ودعا إلي ضرورة محاكمته هو ونظامه أمام لجنة تحقيق مستقلة يشكلها البرلمان المرتقب.

فالمعروف عن هيكل رفضه، وربما احتقاره لمبارك منذ اللحظة الأولي لوصوله للحكم، لكن هذه المرة قرر الأستاذ أن يجري محاكمة تليفزيونية لمبارك على طريقته الخاصة، فألمح لأول مرة بأن وصوله إلى الحكم جاء بضغوط أمريكية إسرائيلية مستشهداً بحديث مع هنري كسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، عندما عرض السادات عليه خمسة أسماء من قادة حرب أكتوبر لخلافته كان من بينهم(المشير أحمد إسماعيل، والمشير عبد الغني الجمسي، محمد علي فهمي، وفؤاد ذكري، ثم أخيراً مبارك)، فوقع الاختيار على الأخير بالتحديد فدعموه وشجعوا السادات على تعيينه نائباً له.

هذه الرواية، تفتح الباب أمام اتهامات خطيرة لا يمكن السكوت عنها، حيث ضرب فيها هيكل عصفورين بحجر واحد، فقد جدد التشكيك في علاقة السادات بالأمريكان من ناحية، وطعن في وطنية مبارك من ناحية أخرى، على الرغم من نفيه ذلك للمذيعة، لكن سياق الكلام يتضمن اتهاماً مباشر بأنه جاء إلى السلطة بإرادة إسرائيلية أمريكية.

هذه الاتهامات تطرح سؤالاً لا يمكن للمصريين تجاهله يتعلق بدورالقوى الخارجية في اختيار رؤسائهم ؟!