Atwasat

لم أكُن في معرض القاهرة للكِتاب!

أحمد الفيتوري الأربعاء 15 فبراير 2017, 10:29 صباحا
أحمد الفيتوري

لا شيء مما حدث لي حتى الآن كان كافياً لتحطيمي،
لم تتحطم إلا أوهامي.
- هنري ميللر

1-
مُصادفة أن كنتُ من رواد الدورات الأولى لمعرض القاهرة للكتاب، لأني كنت أتردد على القاهرة منذ عام 1971، حيثُ في تلك السنة وفي سن السادسة عشر من عمري زورتُ توقيع أبي لأحصل على "علم وخبر" من شيخ المحلة، من أجل استصدار وثيقة سفر تُمنح لمن هم تحت السن القانونية، وكنت حصلتُ على مبلغ مالي من عملي كطالب في فترة الصيف. التقليد الذي كانت ترعاهُ الدولة حينها وقد عملتُ في الصحراء مُقابل 30 جنيه ليبي شهريا وهو مبلغ كبير وقتها، عند عودتي من القاهرة وبخني أبي لكن لم يضربني وفسر لي صديقهُ ذلك بأن أبي مُعجبٌ بفكرة سفري، لكنه كأب عليه واجب الحرص على ابنه، خاصة وأن زادَ الرحلةِ من الكُتب وأني أرسلت الكارت "كارتولينة" إلى أبي من القاهرة حملت صورةً لتمثالِ "الكاتب" الفرعوني، وكتبت جملا مُقتضبة عن زياراتي الثقافية، وأبي الأُمي في تكوينهِ ولعٌ بالفن ويكن تقديرا للثقافة.

هذا العام ضاق معرضُ القاهرة للكُتب بما وسع وامتلأ كعادته بعجيج من غبار الثقافة التي غدت ربيع الربيع العربي المغدور

منذ عام 1989 فور خروجنا من السجن (1978 – 1988)، ترافقتُ وصديقي إدريس المسماري إلى المعرض ومُذ ذاك كان الرفيق لأغلبِ دورات المعرض، وحين حاصر القذافي في مطلع تسعينيات القرن الماضي الليبيين أثر صدور قرار مجلس الأمن بمنع الطيران من وإلى ليبيا في ما عرف بـ"قضية لوكربي"، حين ذاك بات الدينار الليبي يُعرف بـ"الكلينكس" حتى وصل سعره 90 قرشا مصريا، كُنت وإدريس المسماري نأتي عبر البر في حافلات الاتحاد العربي، جالبين معنا تمويننا من مكرونة وعلب الزيت والطماطم والتن والسكر والشاي وغيرها من لوازم، ونُقيم في شقة الصديق النبيل الشاعر المصري محمد عفيفي مطر من منح مفاتيح شقته بمصر القديمة لجُل أحبابه من أصدقاء عرب وأجانب، منحني مفتاح شقته بل وكان يُزود ثلاجتها باحتياجات الطبخ الأخرى مثل الخضار والجبن والدجاج البلدي من مزرعته بالريف، وبهذا تمكنا عديد السنوات من حضور دورات معرض القاهرة للكتاب، ذاك كله وفرهُ الصديق الشاعر لكن مسألة مجيئنا إلى معرض القاهرة للكتاب، غير التزود بما يحفل به من ثقافة ومن احتفال بها، هدفها التزود بالكتاب ذي الثمن الغالي و"الجيب ما فهشي ولا مليم" كما تغنى الفنان سيد درويش بجيبه الخاوي، ذات مرة أخذنا الكاتب المصري غالي شكري إلى أجنحة الكُتب وتحت رعايته أقنعنا أن الكُتب للقاريء فإن لم يتمكن منها سرقها، أخذ يحرسُنا ونحن نأخذ حقنا أو كما شرّع، الشاعر الإنسان العفيف محمد عفيفي مطر فعل ذلك معنا أيضا، لأكون مُنصفا من دور النشر الدور الثرية من يعمل بها مُثقفون من طراز خاص كانوا يُدركون ما نفعل لكنهم يغضُون البصر بل ويمنحوننا هداياهم من الكتب، ومن جهتنا زودنا القُراء منهم بكُتب صدرت في ليبيا، وكنا نحصلُ عليها من الجناح الليبي زمن "صالح البرشة" مدير الدار الجماهيرية للكتاب فرع بنغازي الكريم والمعطاء.

2-
هذا العام لم أحضر معرض القاهرة للكتاب رغم أني بالقاهرة إلا لماما، على غير العادة لأن الرّجل قَصُرت بعد زمن الشاعر محمد عفيفي مطر من رحل والكثير من الأصدقاء، أما الجنيه المصري فكما صنوه الليبي فقد أمسى لا يُساوي ورقة من كتاب، والكبر فالكبرياء أعجزتني أن أُمارس تشريع غالي شكري، وحتى المواصلة أمست غائبة لا أحد يجيء إلى المعرض ولا شيء يحدثُ فيه ليُغري، وأما المواصلات فعلي أن أركبَ أتوبيساً ثم المترو في ذروة زحام القاهرة، صعوبة الحال ما كنت لم أفطن له البتة في مُقتبل العمر، وزاد بردُ الجيب وفقدُ الرفيق صقع القاهرة ما لامثيل له فيما سلف من أيام، الكتابُ ينأى بفعل السوق، وفاعل شيطاني يُدعى الانترنت، رغم أني كما نشرت في تعليقةٍ لي بصفحتي بالفيس بوك لاحظتُ فيها أن غياب الكُتاب غطاهُ حشدٌ من شباب وهم شعب مصر من كأنه غزا المعرض، ورسميا لم أكن أُدعَ للمعرض في أية مرة حتى عام أن كانت ليبيا ضيف شرف المعرض، ولم ألتفت لذلك لأن معرض القاهرة للكتاب المفتوح ودون حاجة لمفتاح رسمي أو غيره.

هذا العام ضاق معرضُ القاهرة للكُتب بما وسع وامتلأ كعادته بعجيج من غبار الثقافة التي غدت ربيع الربيع العربي المغدور، حضر الشباب سادة هذا الربيع وحضرت ليبيا وإن على خفر، أما الكُتب الورقية فقد سيطرت غصبا عن بخس الجنيه وتفرعُن الانترنت!

تحدثتُ مع ناشرين لم يكفوا عن الشكوى كعادتهم، وكذا زمرة من الكُتاب لكن مع هذا ضربتهُم المفاجأة أن توقعاتهم حول انحسار الكِتاب والقُراء لم تكن صائبة.

يبقي معرض القاهرة للكتاب مدعاةً للحضور من الكُل رغم كُل الظروف، يبقي المعرض الأهم في الشرق الأوسط لكنه يبقي أيضا كما "زار" مصري بحق، أما من لم يحضره مثلي فلم يفتهُ الكثير لكن رغم ذلك سيُصاب بالحسرة، حيث دائما ثمة كتاب يجب اقتناؤه، ولهذا لا يجب أن تفوتنا الدورة القادمة لأجل الكتاب لأجل الأصدقاء الذين غابوا عنا وعن معرض القاهرة للكتاب .. والسلام.