Atwasat

غصةٌ ليبيةٌ في نادي الجالية الليبية بالقاهرة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 28 يونيو 2016, 11:34 صباحا
أحمد الفيتوري

انظروا المدن فقدت شرايينها شرياناً بعد شريان
والقُرى فتكت بها قُرَحٌ شرهة
والطرق ما عادت تُسلم
إلاَّ لسوادِ رعبٍ مُماثل
حيثُ لا يستطيع أحد أن يميزَ سماء من أرض
لأنه لم يبق في المكان غير بعدٍ واحد
هو بُعد القتل
انظروا الضربات القاصمة
تستقرُ في جوفِ الشعب
جورج حنين. لا مُبرات الوجود. ترجمة بشير السباعي
----------

1-
التقيتُ بثلةٍ مُميزة من النخبة الليبية والمصرية ليلة السبت 25 يونيو 2016 بنادي الجالية الليبية بالقاهرة، في حفل توقيع روايتي «ألف داحس وليلة غبراء»، الرواية التي من مسروداتها الرئيسة مسألةُ العطب الاجتماعي والسياسي الأساس في البلاد، حيث يظهر النفط كثورة تحدث في مُجمل أركان الحياة الليبية وفي خلفية صامتة ولكن فاعلة بقوة الفعل الرئيس، ويظهر هكذا متغير في جريمة عنيفة وحادة كما السكين ما يذبح به شخصية «الحصايني» وما يقطع به عضو الحصان ما سيتحول إلى أسطورة للرعب تُحدث العنف وتبرره، الحصان هذا بطل الحياة الليبية لعقود خلت وحتى الساعة...

هذه الساعة تشكلت على هامش اللقاء، ما انقسم إلى أن البعض اقتنى الرواية مُوقعةً وغادر المكان إلى لقاء في مكان آخر، ومن اتخذ من المكان مُنتدى للمحاورة في الساعة الصعبة التي يعيش الليبيون والانقسام ما يُخيم عليهم، والغصة الليبية ما تتجسد في الموت ومقاومتهم له، لكن الانقسام سيد الحال ليس على المستوى الموضوعي وحسب، بل على المستوى الذاتي أيضاً، حيثُ العنف يجعل من البشر: «دكتور جيكل ومستر هايد» الرواية الشهيرة التي تُبين كيف يكون المرء هو وغيره في الحين.

بيّن اللقاء هذا الانقسام دون أن يُثيره مباشرة فقد كان الشاغل الرئيس المسكوت عنه، ثمة إجماع على مُناقشة المسألة في الحاصل وتفاصيل تفاصيله دون البحث في البواعث والغوص في المُسببات، يتم ذكر النفط لكن كتحصيل حاصل ويُشار إلى المُثلث النفطي لكن دون أي اهتمام يُذكر بمسألة الجغرافيا، أما في التاريخ فتجرهم المسألة الدينية إلى سقيفة بنى ساعدة قبل أربعة عشر قرناً دون أي اهتمام يُذكر بالمسألة السنوسية المُؤسس للدولة الليبية.

أولاً: مسألة الجغرافيا الليبية توجب النظر والالتفات إليها لأنها أُس في تكوين الدولة الليبية، ففي الشمال الأفريقي الجغرافيا ساهمت في ظهور مركزية إقطاعية مبكرة في كل من مصر فتونس فالمغرب حيث تكونت مركزيات سلطوية أنشأت ممالك إقطاعية قديمة، في حين ليبيا والجزائر لم تعرف بها هذه المركزية الإقطاعية التي قاعدة إنشائِها الجغرافيا، والماء الذي هو التعبير الصارخ عن الأهمية الجغرافية في المسألة الديموغرافيا.

ثانياً: ليبيا في الجغرافيا جسدٌ مكون من رأسين وبطن رخو، أما الرأسان فبينهما عقبة جغرافية هي مثلث النفط شبه الصحراء والصحراء التي هي البطن الرخو، دولة في هكذا جغرافيا جسد مترامي الأطراف عصبهُ ربع خال وسهله صعب، العصر الحديث ما ساهم بتطور مواصلاته وبالتالي النفط ما جعل من الدولة الليبية وكذا الجزائرية دولة مُمكنة.

ثالثاً: الاستعمار والحركة الإصلاحية الدينية الواحدة المُساهم التاريخي في مُكنة الدولة الحديثة في ليبيا، فمع المُستعمر جاءت المواصلات الحديثة ومن هذا وظفت السنوسية روحها الإصلاحية وبراجماتيتها في إنشاء الدولة، وكل من إيطاليا ومملكة إدريس السنوسي عملا على تفتيت البُنية الاجتماعية التقليدية الضعيفة أساساً، ودحرت القوتان الجغرافيا المُعيق وجعلا منها مركباً مُمكناً لتوحيد جزر بحر الرمال المعزولة والضعيفة والسهلة المنال عند توافر الوسيلة.

رابعاً: كيف ركب نظام القذافي هذا المركب؟ لقد ادعى في كتابه أن الأحزاب قبيلة العصر، ومن هذا منع الحزبية واعتبرها خيانة لكنه عمل على الترويج للحزبية القديمة: القبيلة ما هي رميم، أي البنية الاجتماعية التقليدية التي تنزعُ إلى الاجتماعي، وبالتالي استبعد ابن خلدون أي دور سياسي لها في نظريته ومبحثه التاريخي عن العمران البشري. أي أن نظام القذافي لبس مسوحاً بالية وادعى أن الإحياء أي بعث الروح في الرميم هو ما يشكل دولته، والحق أن قبيلة القذافي: النفط، وبذا كان مثلث النفط هو ليبيا جغرافيا وكانت الخيمة هي الحكم المُطلق والمُتحكم في ليبيا لكل فترة سيطرته على البلاد.

خامساً: ثورة فبراير تمكنت من تفتيت هذا التمظهر الاجتماعي لدولة القذافي وأنهت هذا التحكم المُطلق، وبالتالي كشفت العطب الرئيس: تغييب الدولة ومؤسساتها وجعل النفط الوسيلة الأحادية للسيطرة على البلاد المُترامية الأطراف لعقود، بفبراير تم إسقاط المُجرم فاتضحت الجريمة: دولة فاشلة منذ عقود لم يعلن أحد فشلها، وبلاد عاشت حروباً صغيرة مسكوتاً عنها في الداخل والخارج مما ارتد على البلاد الساعة، وتفاقم كما الجن خرج من القمقم.

سادساً: ما بعد فبراير حاول تيار الإسلام المسلح بنهج سلفه «القذافي» الاستيلاء على السلاح والثروة للاستيلاء على السلطة، ولهذا أعلن الحرب واتخذ من التصفيات السياسية للخصوم طريقة كما فعل سلفه، لكن هذه القوى من أهم سماتها أنها دولية تستقي وجودها من الخارج، وأنها قوى متعددة وما يفرقها أكبر مما يجمعها كما رأينا على الأرض وفي بلاد عدة، وأنها رأسية فيها أمير الجماعة أو المرشد يصدر القرارات والجماعة تنفذ بهذا هي تنظيمات عسكرية، ومن هذا الهدف الرئيس على السلطة يجعل منها قوى مُقاتلة لكن أيضاً قوى لا برنامج لها. من هذا بعد فبراير نشرت عبر تنظيماتها المختلفة والتي على خلاف الاحتراب والاقتتال، ورغم أنها سيطرت على أهم ما في البلاد: العاصمة ببنكها الوطني ومؤسستها النفطية، إلا أنها لم تنجح في خلق الاستقرار ولا الأمان بل في هذه المرحلة وبفضلها ازدهر الخراب.

سابعاً: يشتكي الجميع من تشتت القوى الوطنية وبالتالي عدم فاعليتها، والكثير منهم يعيب على هذه القوى أنها ليس كالإسلام السياسي المسلح، ويغيب عنهم الفارق البنيوي من جهة ومن جهة أخرى لا ينظرون إلى وجود قوى مستنيرة وفاعلة في المجتمعات التقليدية يعني أنها قوى التغيير الذي هو ليس كما التسليم بما هو بل والدعوة للعودة إلى الخلف...

هذا بعض ما أثاره لقاء حفل توقيع رواية «ألف داحس وليلة غبراء»، وبعضه الآخر كما الدور الخارجي في المسألة الليبية يحتاج إلى مقالة خاصة.

أخيراً:
وقد لفتُ النظر إلى المعاناة الخاصة بإدارة «نادى الجالية الليبية» ما يعاني ضيق اليد، وهنا أشير إلى ما يشتكي منه الليبيون بخصوص التموين الخارجي لكن عند الحاجة يغيب التموين من أهل البلاد، لو توجه النادي لدول الخليج أو رجال مال عرب لما عانى من مسألة دفع إيجار المقر الشهري، للأسف نحن نساهم فيما يحدث لنا جميعاً لأننا عند الحاجة نترك المساهمة في المهم كون الأهم في مهب الريح، فهل من مُغيث؟