Atwasat

استباح جديد

رافد علي الجمعة 16 ديسمبر 2022, 04:38 مساء
رافد علي

لازلنا في ليبيا نمارس حالة التضامن الافتراضي أمام تجاوزات أرباب المشهد السياسي الذين لم يفلحوا إلا في ترسيخ الفواجع وحرقة القلب ضمن مراحل «تحب تفهم ادوخ»، إذ عجت شبكة التواصل الاجتماعي بتفاعل الليبيين مع تصريحات اسكتلندية وأميركية، الأحد الماضي، مفادها أن مواطناً ليبياً محتجزاً بالولايات المتحدة لتورطه في تفجير طائرة البانام الأميركية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية العام 1988، وسط صمت مريب من قبل حكومة عبدالحميد الدبيبة، الذي كان المواطن أبوعجيلة المريمي في قبضة إحدى ميليشيات غرب البلاد، بحسب ما صرح به أقارب أبوعجيلة.

حكومة الوحدة الوطنية لازالت تفضل عدم تبني الشفافية لتكشف عن تفاصيل وصول المريمي لقبضة الأميركان رغم ما يتناوله الإعلام الدولي من سيناريوهات وتحليلات بسبب غياب معاهدة تسليم مجرمين بين ليبيا والولايات المتحدة كسند قانوني أساسي لعملية أي تسليم بين الدول، ولتكشف لنا أيضاً.

ذات الحكومة الوطنية، عن الحيثيات المستجدة لفتح ملف لوكربي مجددًا، بعد مضي سنوات على الاتفاق بين طرابلس وواشنطن بتسوية قضية لوكربي بإقامة محاكمة لوكربي ببلد محايد - هولندا - وتحت اختصاص القانون الاسكتلندي، ودفع التعويضات المدنية للمتضررين بعد إدانة عبدالباسط المقرحي جنائيًا في القضية، ضمن ما عُرف حينها بالاتفاق على الضمانات العامة - للدولة الليبية - والشخصية - للمتهمين فحيمة والمقرحي.

فتح ملف لوكربي بتسليم أبوعجيلة للولايات المتحدة ليس بالأمر الواضحة خفاياه بتبعاته المربكة، ما لم يتجرد جُل الحدث بأنه صفقة سياسية مشبوهة حسب ما يحلل المتابعون للشأن الليبي بعواصم مختلفة، بقصد تكريس الدبيبة لتعزيز بقائه في السلطة بمباركة واشنطن التي أعربت مرارًا عن غضبها لقرار إطلاق سراح الراحل عبدالباسط المقرحي، لدواعٍ إنسانية انطلاقاً من تصريحات الرئيس أوباما منفرداً، أو في تصريحات مشتركة مع ديفيد كامرون بواشنطن أثناء زيارة رسمية للأخير..

الصفقة السياسية بين حكومة الدبيبة وواشنطن، والتي يتحدث عنها إعلاميون بالغرب يبدو الدبيبة ساعياً لشراء رضا الحزب القومي الحاكم في اسكتلندا، حيث يواجه قريبه دعاوى فساد تحدثت عنها The Sunday Times مارس 2021، والذي يسعى الحزب هذه الأيام لتعزيز مكانته السياسية بالشارع الاسكتلندي أمام لندن للمطالبة بالاستفتاء مجدداً على الاستقلال بعد البريكزيت كما تشير التقارير الصحفية منذ 23 نوفمبر الماضي.

غضب واشنطن من قرار إطلاق سراح عبدالباسط المقرحي لدواعٍ إنسانية أثناء إدارة أوباما جلب البؤس لشركة برتش بتروليم (BP) باتهامها أميركا بالعمل لاستصدار قرار الإفراج على المقرحي مقابل عقود عمل قبالة السواحل الليبية، وهو الأمر الذي نفته الشركة النفطية العملاقة، لكنها أقرت بممارسة الضغط على الحكومة في لندن لأجل التعجيل بالاتفاق مع طرابلس حول معاهدة تبادل السجناء، جاء ذلك في بيان رسمي لـ BP صادر في 15 يوليو 2010 على هامش ضغوطات أزمة تسرب النفط بخليج المكسيك، أشهر معدودة بعد عودة المقرحي لطرابلس أغسطس 2009.

واستقبل فى احتفالية أثارت حفيظة واشنطن ولندن وباريس، فأعلن بعدها عن استقالة المدير التنفيذي، المثير للجدل، توني هيوارد من BP لتفاقم أزمة التسرب النفطي، وحُلت قبلها حكومة الأقلية البرلمانية الاسكتلندية برئاسة الحزب القومي بزعامة أليكس سالموند، أمام مطالبات السناتور الديمقراطي روبرت مننديس ورفاقه، فرانك لوتنبرغ وكريستن غيلبراند، وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بفتح تحقيق فى قضية الإفراج عن المقرحي.

التفاصيل أعلاه تشير، برأيي، إلى أن واشنطن لازالت تبحث عن رد اعتبار لها على خلفية تفاصيل استرجاع المقرحي لليبيا، وبالنظر إلى لغة الإعلام الأميركي واللندني حينها، نجده يتحدث وقتئد عن «مؤامرة» للإفراج عن عبدالباسط، رغم دفاع رئيس الوزراء الاسكتلندي اليكس سالموند ووزير عدله كيني ماكاسكيل على قرار الإفراج، كونه «قرار سليم، وجاء مبنيًا على معطيات جديدة تؤكدها تقارير طبية غير مشوبة» في مواجهة إدانة شديدة للقرار الاسكتلندي من قبل ديفيد كامرون التي وصل للحكم ببريطانيا مطيحًا بالحكومة العمالية بقيادة جوردون براون.

أهل الأمر في طرابلس، بنهجهم البيّن للتخليد بالسلطة لأجل البزنس، ونكاية في أطراف بخصومة سياسية شرهة للحكم والسيطرة والفساد، سارعوا، برأيي، لعقد صفقة مع إدارة بايدن كسباً لودهم، انطلاقاً من موقف واشنطن الثابت بأن يبقى الاتهام بتفجير لوكربي لصيقاً بليبيا، خصوصاً أن المقرحي سحب طلب استئنافه أمام لجنة مراجعة الأحكام الاسكتلندية لأجل الاستفادة من طلب الإفراج عنه لدواعٍ إنسانية، رغم تصريحات، موثقة لرجال، لازالوا أحياء، اطلعوا على ملف الاستئناف، يصفون الوثائق والمعلومات بأنها معلومات ووثائق «متفجرة وتغير العديد من الحقائق».

وهو السحب الذي يطرح حوله المراقب الدولي في محاكمة لوكربي هانز كوشلر، في مقابلة مع البي بي سي، الكثير من التعجب لأن الاستئناف «كان له أن يكشف عن الكثير من الخفايا والتفاصيل حول قضية لوكربي»، مذكراً، بذات تصريحاته، بسابقة اجتماع المقرحي فى زنزانته مع وزير العدل الاسكتلندي ماكاسيل بعد التماس المقرحي بالإفراج عنه رأفة بوضعه الصحي.

أمام ما جرى في قصة أبوعجيلة مسعود المريمي، وكيفية وصوله للولايات المتحدة كمتهم، تُبقي شبهات الفساد والتجاوز وخرق القانون لانعدام اتفاقية تسليم مجرمين، أمور في ذمة حكومة ليبية تعزز استباحة وطن، ورجال تعمل لأجل بقائها في السلطة، لأنها لم تتبن الشفافية ولا «الأمانة»، كشعار ترفعه أينما حلت أو تنازلت.

سنظل، نحن الليبيين، خانعين للتيه في مسلسل الاستباحة، وعازفين على خلق بلد كريم، ونتشبث بدلًا عنه بالرذيلة، وبلا وعي بما سيترتب على تنازلاتنا المريبة مستقبلًا، وفق الأعراف والمبادئ الدولية.