Atwasat

هل يحط سؤال التقسيم بأثيوبيا؟

جمعة بوكليب الخميس 11 نوفمبر 2021, 10:27 صباحا
جمعة بوكليب

في تزاحم وسائل الإعلام لبث ما يستجد من أخبار في مختلف بقاع العالم يومياً، ثمة القليل منها، الذي يشدّ إليه الأنظار والأسماع. وقبل أن يتمكن المجتمعون في مؤتمر( كوب 26) في مدينة جلاسجو الاسكتلندية، من اختتام مؤتمرهم بالوصول إلى اتفاق لإنقاذ البشرية من مخاطر الانبعاث الكربوني والاحتباس الاحتراري، أعلن قادة حركة جيش الشعب التيغراني وحلفاؤهم في أثيوبيا عن نيتهم في التوجة بقواتهم لاقتحام العاصمة أديس ابابا لإسقاط الحكومة! هل حان لسؤال التقسيم أن يحط رحاله في تلك البلاد؟

في شهر نوفمبر 2020 بدأت قوات الحكومة الاثيوبية، برئاسة ايبي أحمد، حربها على أقليم تيغراي، على الحدود الشمالية مع جارتها أريتريا. الحرب، كما أكدت الحكومة، استدعتها دواعيَ أمنية لفرض هيبة النظام، بعد أن اتهمت قوات تيغرانية بمهاجمة قاعدة عسكرية في الإقليم، احتجاجاً على تأجيل الحكومة للانتخابات، بسبب انتشار الوباء الفيروسي كورونا.

الأيام الماضية شهدت مرور الذكرى الأولى لتلك البداية المُرة للحرب. وفي المابين زمنياً، اتسعت رقعة المعارك، ووصلت قوات الحكومة إلى عاصمة الإقليم وأحتلتها. ثم تغيرت الحظوظ سريعاً في شهر يوليو الماضي، حتى صارت أديس أبابا، حالياً، قاب قوسين أو أدني من السقوط في أيدي قوات جبهة التحرير التيغرانية. 110 مليون مواطن داخل البلاد، وملايين غيرهم خارجها، وضعوا أياديهم على قلوبهم خوفاً على حيواتهم ومصير بلادهم.

التيغرانيون الذين قادوا الحرب ضد النظام العسكري تحت قيادة منغستو هيلا مريام وأسقطوه عام 1991، ثم تولوا قيادة البلاد لمدة تزيد عن ربع قرن، تمكنوا في شهور قليلة من تحمل الهجمات التي قامت بها قوات الحكومة بالاشتراك مع قوات اريترية، وذابوا في شعاب الجبال التي يعرفونها وتعرفهم. وهناك قاموا باعادة تنظيم صفوفهم، وسريعاً ما عادوا إلى الميادين، مسجلين أفدح الخسائر بالقوات الحكومية. كما تمكنوا من توسيع رقعة المعارضة للحكومة بنجاحهم في استقطاب قوى معارضة أخرى في الساحة مكونين جبهة سياسية وعسكرية. والهدف: إسقاط حكومة ايبي أحمد. وبالتأكيد، لا أحد من الطرفين المتقاتلين يملك من الوقت ما يكفي للإنصات للدعوات الدولية المطالبة بوقف إطلاق النار، والجلوس إلى مناضد التفاوض. التقارير الإعلامية تشير إلى نزوح الملايين من قراهم وبلداتهم، وموت الآلاف. وبدأت تعلو الأصوات من مختلف الهيئات الدولية ذات الصلة محذّرة من حدوث مجاعة. واتهم الجانبان بارتكاب مجازر حرب.

اثيوبيا ثاني أكبر بلد افريقي في عدد السكان(110 مليون نسمة)، واعتبرت خلال السنوات الماضية معجزة اقتصادية نادرة، تمكنت خلال عقدين من الزمن من تحقيق نسبة نمو اقتصادي تحسد عليه، تمر هذه الأيام بأحلك ساعاتها. ويرى معلقون غربيون أن الحرب الإعلامية بين الطرفين والتهديدات المتبادلة بينهما سوف تزيد في تسريع تدهور الأمور. التيغرانيون وحلفاؤهم يقفون على بعد أقل من 300 ميل شمال العاصمة، ويهددون بالزحف جنوباً واقتحامها، عقب سيطرتهم على مدن استراتيجية مهمة خلال الأيام الماضية. وقرار رئيس الوزراء ايبي أحمد بإعلان حالة الطواريء حظي بتصديق البرلمان. وهدد بسحق التيغرانيين وحلفائهم، وحث المواطنين على حمل السلاح والمقاومة. ومن جانبهم، يرى التيغرانيون أنفسهم في الطريق إلى استعادة ما فقدوه من نفوذ وسلطات عام 2018. السيناريو الاثيوبي يتشابه إلى حد كبير مع ما حدث لطالبان في أفغانستان، رغم الاختلاف في ظروف البلدين. ويرى مسؤول كبير في الحركة القومية للأمهرا أن هناك خيارين. "الأول أن تتمكن قوات الحكومة من سحق التيغرانيين، أو يتمكن التيغرانيون من الحاق الهزيمة بقوات الحكومة والسيطرة على العاصمة، وتدخل البلاد كلها في حرب أهلية." رئيس الحكومة ايبي أحمد ينتمي لطائفة اوروميا (Oromia). وهي طائفة كبيرة وتشكل نسبة أكثر من ثلث السكان، لكنها تاريخيا ظلت على هامش الحكم. والأخبار تؤكد على حدوث انشقاق سياسي في طائفة أوروميا، تسبب في خروج فصيل منها والتحاقه بقوات التيغرانيين.
طائفة الأمهرا تتساوى في الحجم مع طائفة الأوروما، لكنها تاريخيا أكبر وأهم سياسياً. وخسرت مواقعها السلطوية لدى تمكن الجيش، بقيادة منغستو هيلامريام، من إسقاط نظام الإمبراطور هيلا سيلاسي عام 1974. والطائفتان تعتبران نفسيهما أمتين لهما لغتهما وثقافتهما وتاريخهما المميز. في حين يشكل التيغرانيون نسبة 6% من السكان. وتمكنوا من تغيير المعادلة الطائفية في الحكم لدى تمكنهم من قيادة الحرب ضد النظام الماركسي السابق وإسقاطه عام 1991. وبقوا في السلطة حتى عام 2018. وقد يعودون إليها كما فعلت حركة طالبان، إن ساندت الرياح مراكبهم سياسياً وعسكرياً. ويقول خبراء سياسيون غربيون أن تهديدات التيغرانيين باقتحام العاصمة ليست جادة، بل محاولة لمراكمة الضغوط السياسية، داخلياً وخارجياً، على رئيس الحكومة أيبي أحمد لإجباره على التخلي عن السلطة. كما يرون أن التقدم نحو العاصمة لن يكون بالسهولة التي حدثت أمام تقدم قوات طالبان نحو العاصمة كابول، لأن الأرض أمهرية، معادية للتيغرانيين. ويشككون كذلك في إمكانية حدوث تفتت وانقسام في البلاد، مشيرين إلى تاريخ طويل جداً من العيش المشترك بين مختلف الطوائف في البلاد.