Atwasat

الضحك في زمن الموت

علي عمر التكبالي السبت 19 أبريل 2014, 12:53 مساء
علي عمر التكبالي

هذه الأيام أحس بقرف من الكتابة. قرأت الكثير من الكتب والمقالات، وتصفحت الجيد والتافه من المجلات. تجرعت العلقم من كلمة خضرتها زائفة، وشممت العطن من حرف يأخذ شكل اللبلاب، ويتسلق في ثنايا الباب.

قلت لعلّي أكتب فتأتي كتابتي مثلهم، فيلعنني مَن ظنَّ أني أعبر عن آماله. قلت لعلي أكتب فيقول مَن قرأني في الماضي إني تغيرت، وخنت أحلامه، فنقضت ما قدمت له في بداية صفحتي، وما غنمته من صدق في سريرتي. قلت لعلي أكتب فتسرقني الكلمات الرعناء، والجمل الجرباء فيدق طبلي الأجوف نشازًا في أذن الأطرش.

ثم انكفأت على جانبي الأيسر، فسمعت دقات قلبي تئن: "قَدَرُ الكاتب أن يتنفس، وقَدَرُ الشحرور أن يغني، وقَدَر المياه أن تخر، وقَدَرُ الهواء أن يصفر، وقَدَرُ الريح أن تصفق، وقَدَرُ الغصن أن يهتز، وقَدَرُ الساعة أن تدق، وقَدَرُ النهار أن يفر من الليل.

إذن سأكتب وأتنفس وأغني وأخر وأصفر، وأصفق وأهتز وأدق وأهرب من الظلام الذي يمد سدوله نحو كل شيء.

هذه المرة يا إخوتي لن أتوجه بالدعوة للمثقفين، فقد رأيت أنهم بنوا أبراجًا معتمة يتفرجون منها على الناس ولا تراهم الناس. ولن أنحني أمام الحكام الذين سمعت أنهم زاروا طبيب الآذان واقتنوا سدادات مطاطية تمنع ذبذبات الصوت من الوصول إلى المطرقة.

هذه المرة أكتب لكم. أنتم القطيع المستكين الذي على الرغم من ما وهبه الله من سمع وسمعة، وبصر وبصيرة ما زال يحبذ الانقياد وراء الأوغاد. أنتم يا مَن رضيتم بانسياب الماء خلال أصابعكم، وتضيّق القيد حول معاصمكم. أنتم أيها النائمون في حضن مخذر "الماكياتو"، والصحف الحبلى بتصاوير "نانسي، " وأخبار المساء التي تبكي "ميسي". أنتم المسؤولون عما يحدث، وأنتم المساهمون في خراب الوطن.

زعيم البلدية المتوّج يتكلم باسمكم، وسيد العصبة الفاسد يسرق ضمائركم، ورئيس الثلة المعين يميّع آمالكم، وأنتم تضحكون!
الجنوب يضيع، والشرق يصيع، والغرب يميع، وأنتم تضحكون!
العاصمة في خطر، وبنغازي تستعر، وسبها تحتضر، وأنتم تضحكون!
إذن اضحكوا ملء أشداقكم زورًا، واملؤوا الأرض حبورًا، وغنوا فالغناء في زمن الاحتضار ملهاة، والتفكير في الآتي مأساة. اضحكوا. اضحكوا كثيرًا، فالليل المقبل ليل البكاء.

التفكير بلا دماغ
هل أحسست، وأنت النائم فوق كرسي الأحلام بأنك تفكر، ثم تحضّر، ثم تنظّر؟ هل رأيت وأنت المحاور الشاطر بالطرف الثاني يحرك شفتيه بلا صوت، ويتحسّر بلا حشرجة؟ وهل أحسست وأنت الميت في ثياب الحياة أن الوسط الذي تعيش فيه لا يتحرك ولا يهتز؟

إن فعلت هذا، فاعلم يا صديقي أن دماغك يرفض التفكير، لأنه يرفض الحوار، ويرفض الاعتراف بمَن في الجوار.

الليل المدلهم الذي يسدل قناعه علينا، والغيمة المعتمة النابتة فوق الجدران المدينة، والعاصفة العاتية الهاجمة من بحر الظلمات على أراضينا لم تنبهك!

الصباح المشنوق فوق أخدود السور، والضوء الآسن المنزلق من عمود النور، والريح الخبيثة الضائعة من زيف الزهور لم تقلقك!

الموت القابع في الرصاص، والسم المدسوس في الطاس، والهم الساكن في قلوب الناس لم يحزنك!

أنصحك إذن أن تستشير طبيًا، أو تقرأ كتابًا، أو أن تستفتي المفتي، ولكن قبل أن تفعل أحذرك لا تسرع الخطى إلى ذاك المدى، ولا تقرأ الخراب من الكتاب نفسه، ولا تركن إلى الشيخ الذي علَّم الأمل كيف يشيخ، وأن تنأى بك عن كل خبيث، فأنت ابن الوطن، والوطن لا يفكر بلا دماغ.

كلمات تبكي
- سرقت الشعلة من آلهة "الأولمب" كما فعل "بروميث"، ولكني رددته لأن الظلمة المزروعة لا تعترف بالنور.
- صديقي نبض الحياة في أيامي، وحلم الزمان في كياني. قال لي في حمرة الغسق الآذن بهبوط الليل: "أخاف أن تسرقك آلهة الشر"، قلت في غباء الوله بحب الوطن: "وليكن. فالنوم الأبدي أجدى من الحياة في الظلمة".

- عيون طفلة لا تعرف الحزن ذكَّرتني بأن الحياة تخضر من تلقاء نفسها.
- الخرفان القابعة في ركن المذبح تنتظر دورها تبكي، ولا يسمعها أحدٌ.
- سوف أغني، فهل ستغني معي؟. إذن أحضر نايك فالفرقة أصابها البكم.
- هل سمعت بالكاتب فلان؟. مسكين خصوه البارحة فانقطع عن الصهيل.
- قال شيخ الطريقة لأخي: "الظلمة أينعت فادخل كي تنام". لم أسمع رد أخي، ولكني سمعت أنه أينع زهرة في وجه الصباح.

المؤامرة
"يبغون سرقة حلمك يا بني. ولكن الأحلام لا تصادر بفرمان من الحكومة".
كان الشفق
ينذلق
فوق العنق،
والعروق، فاغرة.
والخنجر، المذعور، يندس
جبنا في الخاصرة.
كان الشهر الثاني ¹
يعاني
انفصامًا في الذاكرة،
والأحلام مبعثرة.
اختبأت في نبضة القلب
كي أشهد المؤامرة.
كانوا ثلاثة
الحقد والجهل والأنا،
والرابعة
الحربة الكافرة. ²
قيّدوها ضد مجهول،
بعد أن اغتالوا الحاكمدار،
وقاضي الدائرة،
وعنقود الضوء في الدالية
ثم اغتالوا الكلمة الثائرة.
وشوشت في أذني لصدري
فاستفاق صاحب الجند، والخازندار،
وباقي السماسرة.
كنت قد اختبأت،
– كما قلت، –
في النبضة الدافقة.
رأيتهم يحلبون العرق
قطرة. قطرة
ثم قطرة،
لكن القطرة الآخرة
تشبثت بالنبض
كي تفضح المؤامرة.
1 شهر فبراير
2 الحربة التي قتلت سيدنا حمزة.