Atwasat

كيف يتم إجهاض بناء دولة حديثة في ليبيا؟

القاهرة - بوابة الوسط الإثنين 17 مارس 2014, 04:00 مساء
WTV_Frequency

أكثر من 1200 قتيل سقطوا ضحايا للانتقام والاشتباكات على السلطة والجريمة المتصاعدة في جميع أنحاء ليبيا خلال العاميْن الماضييْن. هذا بعض ما ترصده "ذي نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير مطول نشرته عما وصفته بـ"معاناة ليبيا من إراقة الدماء على نطاق واسع في أعقاب ثورة 2011".

وتحت عنوان "الاغتيالات السياسية ما تزال تعصف بليبيا ما بعد القذافي"، تلحظ محررة "ذي نيويورك تايمز" كارلوتا جال تنامي "الاغتيالات السياسية" في ليبيا في ظل ما تصفه بـ"غياب حضور الجيش والشرطة".

وضمن شهادات جمعتها خلال وجودها في ليبيا تنقل جال عن "أحد قادة الانتفاضة الليبية"، على حد قولها، القاضي جمال بنور قوله إن "أوضاع الثورة ساءت يوم قُتل صديقه وزميله المحامي عبد السلام المسماري أمام ناظريه".

"كان ذلك في يوليو الماضي [2013]، أي بعد ما يقرب من عاميْن اثنيْن من قيام الاثنان بالمساعدة في إطاحة العقيد معمر القذافي وبعد عام من تسليم الحكومة السلطة إلى المؤتمر الوطني العام"، على حد ما يذكر التقرير. وتسرد جال واقعة الاغتيال تلك قائلة: "كان الصديقان يتمشيان ببطء في طريقهما إلى البيت بعد صلاة الجمعة في مسجد بمدينة بنغازي عندما أطل رجل من سيارة ذات دفع رباعي مرت بجوارهما وأطلق النار على صدر المسماري". وتنقل جال عن بنور قوله: "حدث كل ذلك في لحظة فقدنا فيها عبد السلام. كانت لحظة عصيبة جدًّا".

معاناة بنغازي
يرسم التقرير السياق السياسي لتنامي الاغتيالات السياسية مشيرا إلى أن "الانقسامات السياسية داخل المؤتمر الوطني العام المنتخب، مع وجود جماعات تدعمها ميليشات متنافسة، أديا إلى جعل الحكومة المُعيَّنة عاجزة تقريبًا". وتضيف جال "أبقى الصراع على السلطة رئيس الوزراء علي زيدان تحت التهديد بالفصل لمدة شهور قبل التصويت بإقالته من منصبه يوم الثلاثاء [11 مارس 2014]، كما أبقى هذا الصراع البلاد من دون وزير للداخلية منذ أغسطس 2013 عندما أقيل آخرهم من منصبه".

لم تعانِ أي مدينة من أوضاع متدهورة مثل بنغازي حيث اغتيل أكثر من 100 شخصية بارزة تضم مسؤولين أمنيين كبار وقضاة وناشطين سياسيين خلال عامين

وبحسب تقرير الصحيفة الأميركية فإن "أي مدينة في البلاد لم تعانِ من أوضاع متدهورة مثل بنغازي مهد الانتفاضة الليبية" على حد قول جال التي ترصد في تقريرها اغتيال أكثر من 100 شخصية بارزة في بنغازي تضم مسؤولين أمنيين كبار وقضاة وناشطين سياسيين خلال عامين. "تفتك هذه الموجة من عمليات القتل بالقيادات المحلية وتشلّ من قدرات الحكومة وقوات الأمن" على حد ما تخلص جال.

ويشير التقرير إلى أن بنغازي هي المدينة التي قُتل فيها سفير الولايات المتحدة كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين عندما تعرضت قنصلية الولايات المتحدة للهجوم في سبتمبر 2012.

ويلحظ التقرير أن "سكان المدينة يشكون منذ فترة طويلة من السلوكيات غير القانونية للميليشيات العديدة، بما في ذلك بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تحافظ على قواعدها هناك، وكذلك البعض الآخر الذي لعب دورًا في الهجوم على القنصلية".

ويعزو التقرير وقوع أعمال القتل جزئيًا إلى جماعات التهريب والجريمة المنظمة المتواجدة في المدينة، فضلًا عن المئات من المجرمين العاديين الذين هربوا من سجون القذافي خلال الانتفاضة، وكذلك إلى "مخابئ الأسلحة المنهوبة والموجودة في الشوارع".

إخماد الأمل
"الاغتيالات السياسية باتت تحدث بوتيرة منتظمة"، بحسب ما يلحظ التقرير الذي ينقل عن مسؤولين ومشرعين وناشطين في بنغازي وصفهم لها بأنها "حملة منسقة لإخماد أمل الليبيين في بناء دولة فعالة ومستقرة وديمقراطية".

بعد ثلاث سنوات من الثورة فر العديد من المحامين والناشطين الذين قادوا حكومة الثوار في بنغازي خلال الحرب من مسقط رأسهم

ويلفت التقرير في هذا الصدد إلى المسماري، الذي لقي مصرعه في يوليو الماضي، كان قائدا لـ"ائتلاف 17 فبراير"، وهو عبارة عن مجموعة من المحامين والناشطين الذين قادوا حكومة الثوار في بنغازي خلال الحرب. "بعد ثلاث سنوات من الثورة، فرّ العديد منهم من مسقط رؤوسهم"، على حد ما يذكر التقرير الذي ينقل عن بنور قوله: "كان على معظمهم أن يهرب. لقد رحلوا عن ليبيا في محاولة للحصول على حق اللجوء السياسي".

وبحسب معدة التقرير فقد "نجا القاضي بنور بأعجوبة من محاولة اغتيال قبل 10 أيام من قتل المسماري". وتنقل جال عن بنور قوله إنه "تلقى تهديدات كثيرة منذ ذلك الحين عبر هاتفه المحمول فغادر بنغازي قبل ثلاثة أشهر ونقل عائلته إلى طرابلس. ويعيش في الخفاء، بشكل منفصل عن عائلته".

"معدل القتل في بنغازي آخذ في الارتفاع مع مرور الوقت. كان الضحايا الأوائل هم مسؤولي الأمن السابقين تحت قيادة العقيد القذافي. ولكن بات يتم استهداف ضباط الشرطة الشبان بشكل متزايد"، بحسب ما أفاد دبلوماسي غربي لمعدة التقرير طالبا عدم الكشف عن اسمه لاعتبارات دبلوماسية.

وتضيف جال أنه "يتم استهداف القنصليات الأجنبية والعمالة الوافدة في محاولة واضحة لإخافة حلفاء دولة ليبيا الجديدة، بما في ذلك الدبلوماسيين والعاملين من الدول المجاورة مثل تونس ومصر".

"في أسبوع واحد فقط مؤخرًا، اختُطف سبعة تجار مصريون وأُعدموا، وقُتل مهندس فرنسي رميًا بالرصاص، وقُتل اثنا عشر ليبي. وأُصيب العديدون بجروح في هجمات أخرى فاشلة" بحسب ما يرصد التقرير.

عندما قُتل أربعة أو خمسة ليبيين في يوم واحد، احتج سكان بنغازي في الشوارع، وأحرقوا الإطارات، وأعلنت الهيئة القضائية أنها ستعلق أعمالها.

وأضاف القاضي بنور بحزن: "لم نتوقف عن العمل حتى أثناء الحرب. المشكلة أننا لا نمتلك جيشًا ولا أمن. كيف يمكنك أن تطلب من القضاة العمل عندما لم تتمكن من حمايتهم؟".

لقد رأى القاضي بنور قاتل المسماري وهو يطلق عليه الرصاص من مسدسه من مسافة بضعة أمتار، وذكر أن القاتل بدا وكأنه قاتل عادي – في الثلاثين من العمر، حليق اللحية، ويرتدي تي شيرت - لكنه بدا ذكيًّا ومدربًا تدريبًا جيدًا. وأشار بنور إلى أن الجريمة المنظمة وأنصار القذافي والإسلاميين لهم مصلحة في عدم نجاح الثورة الليبية.

إجهاض بناء دولة حديثة
"يرى من يتابعون عمليات الاغتيال هذه أنها محاولة لتصفية المعارضين بين القيادات المحلية"، حسبما تشير جال موضحة أن ذلك يذكر "بالحملات السابقة لتنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات المتطرفة في المناطق القبلية في باكستان والعراق".

"إنها عملية منهجية للقضاء على بناء دولة حديثة"، حسبما أفاد عضو بلجنة الأمن القومي في طرابلس التابعة للمؤتمر الوطني العام في ليبيا. وتحدث هذا المسؤول للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه يخشى من تداعيات التحدث علنا ضد الجماعات المتطرفة.

عضو بلجنة الأمن القومي: تريد عناصر متطرفة القضاء على الأجهزة الأمنية، ويتصورون أنهم يريدون العيش وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية

وأضاف قائلًا: " تريد هذه العناصر المتطرفة القضاء على الأجهزة الأمنية، ويتصورون أنهم يريدون العيش وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية؛ فهم لا يريدون دولة تمتلك قوات من الجيش وقوات أمنية". "طريقهم هو الإرهاب. وكلما أمعنت في تخويف الناس، فلن يمتلكوا جيشًا ولا شرطة، ومن ثَمَّ يمكنك السيطرة على البلاد".

وتقول معدة التقرير إن "أكثر الجماعات تطرفًا في بلدة درنة الواقعة شرق بنغازي، والمعروفة كمركز للثقافة، تستهدف الإسلاميين المعتدلين الذي يدعمون التحول الديمقراطي".
ويتذكر منصور حسدي، عضو المؤتمر من درنة عن حزب العدالة والبناء التابع لجماعة "الإخوان المسلمون"، اتصاله بمحطة إذاعة محلية للتنديد بعملية اغتيال في عام 2011 على الرغم من أن الضحية كان عضوا من العناصر البغيضة للأمن الداخلي للقذافي.

يقول حسدي: "لقد أدنت القتل. قلت إننا لا نريد أي قتل خارج نطاق القانون كما فعل القذافي. ثم بدأت الاغتيالات تتصاعد".

ويلقي حسدي بمسؤولية الاغتيالات في درنة على الجماعات المتطرفة التي رفضت على الدوام الانضمام إلى المجموعات التي شاركت في الانتفاضة ضد القذافي، مشيرًا إلى أن بواعث هذه العمليات فكرية. وقال إنهم استهدفوا الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء، وقصفوا مكاتبهم وسياراتهم.

زادت التهديدات ضد حسدي منذ ثلاثة أشهر بعد أن ظهر كثيرًا في وسائل الإعلام. وقد هاجمه أحدهم في اجتماع حاشد بالميدان الرئيسي بالاسم، متهمًا إيّاه بمعارضة الشريعة ومحرضًا باستخدام العنف ضده. يقول حسدي"اعتدت أن أكون مستهدَفًا من قِبَل القذافي، والآن أنا مستهدَف من قِبَل هؤلاء".

كيف يتم إجهاض بناء دولة حديثة في ليبيا؟

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
اجتماع حكومي يناقش المرحلة الأولى لمشروع التعداد السكاني (صور)
اجتماع حكومي يناقش المرحلة الأولى لمشروع التعداد السكاني (صور)
«الداخلية»: لجنة تفعيل العمل في معبر رأس اجدير تباشر مهامها
«الداخلية»: لجنة تفعيل العمل في معبر رأس اجدير تباشر مهامها
حالة الطقس في ليبيا (الإثنين 6 مايو 2024)
حالة الطقس في ليبيا (الإثنين 6 مايو 2024)
«الأرصاد»: الرؤية جيدة على طول الساحل
«الأرصاد»: الرؤية جيدة على طول الساحل
أسعار العملات الأجنبية أمام الدينار الليبي في السوق الرسمية (الإثنين 6 مايو 2024)
أسعار العملات الأجنبية أمام الدينار الليبي في السوق الرسمية ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم