كما توقع كثيرون لم تفلح إحاطة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، أمام مجلس الأمن الدولي، في انتشال الأزمة الليبية من حالة المراوحة التي تعيشها منذ قرابة عشر سنوات، وربما دخلت الأزمة مرحلة تجميد أخرى، بل تجري حاليا إعادة تدوير الصراع بالوجوه والشخصيات نفسها عبر فتح بورصة ترشيحات لحكومة جديدة قد تضيف عقبة إضافية على المسار الذي ينبغي أن يؤدي لاتفاق نهائي بشأن الانتخابات وقوانينها.

وفوّت باتيلي فرصة ثمينة لسحب البساط من تحت أقدام مجلسي النواب والدولة، اللاعبين السياسيين الأساسيين في الداخل، من خلال تشكيل لجنة موازية وبديلة أو كما سماها فريق استشاري مثلما وعد في إحاطة سابقة، تتكفل بالتوصل إلى اتفاق سياسي شامل حول القوانين المنظمة للانتخابات، وأكثر ما أحبط متابعين متعطشين لطي صفحة فصول الأزمة عدم تقديمه حلا جديدا، ففتح المجال للمستفيدين من نسف موعد الاستحقاقات وأدخلها في باب المجهول.

وفعليا، تحمست الأطراف المهيمنة على المشهد لفكرة تشكيل سلطة تنفيذية جديدة غير الحكومة المكلفة من مجلس النواب أو حكومة الوحدة الموقتة، بعد أن صدرت الدعوة اللافتة عن القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر للبرلمان ومجلس الدولة لتشكيل ما وصفها بـ«حكومة تكنوقراط موحدة» مهمتها الإشراف على الانتخابات تنفيذا لأحد بنود مخرجات لجنة «6+6» الأخيرة الموقعة في مدينة بوزنيقة المغربية، الأمر الذي يشير إلى تراجع التكهنات المتعلقة بصفقة تقاسم السلطة بين حفتر والدبيبة، التي جرى تداولها مؤخرا في أوساط ليبية.

غموض حول جلسة الصلح بين الدبيبة والمشري
ولا يزال الغموض يلف موقف حكومة الدبيبة من الدعوات تجاه الحكومة البديلة، خصوصا عقب لقاء الأخير رئيس مجلس الدولة خالد المشري، في جلسة غير معلنة بعد أشهر من الخلافات والقطيعة والتراشق، وصل إلى حد منع قوات محسوبة على حكومة الدبيبة عقد المجلس اجتماعًا له، خُصص لمناقشة آلية توحيد المناصب السيادية والسلطة التنفيذية. وفسر مراقبون «جلسة الصلح» هذه على أنها قد تكون مؤشراً على استعداد الدبيبة التخلي عن منصبه مع نيته الترشح لانتخابات الرئاسة.

للاطلاع على العدد المزدوج 396-397 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

أما الرئيس الجديد للحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب أسامة حماد، فقد رحب بما جاء في إحاطة المبعوث باتيلي أمام مجلس الأمن، داعياً في بيان عبر موقع تويتر، البعثة الأممية إلى «بذل مزيد من الجهد من أجل جمع كل الفرقاء الليبيين حول تشكيل حكومة واحدة، تشرف على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أقرب الآجال».

وحسب متابعين للشأن الليبي، فإن الحل يكمن في دمج الحكومتين القائمتين الآن في حكومة جديدة تتمكن من بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، شرط أن تحظى بدعم المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب وهو أمر مستبعد.

النواب يناقش مخرجات «6+6» بعد العيد
وفي السياق، لفت عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة، في تصريحات له، إلى أن «المجلس في حاجة إلى آلية لاختيار حكومة للإشراف على القوانين الانتخابية وإلا فلن تنفذ» وفق تعبيره، كاشفاً أن الجلسة القادمة ستخصص للنظر في القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة «6+6» عقب عيد الأضحى.

وانتقد عضو لجنة «6+6» النائب ميلود الأسود، عبر حسابه على فيسبوك، إحاطة المبعوث الأممي مستغرباً طلبه «حلولاً مثالية في ظروف يعلم جيداً أنها غير مثالية، وتتطلب حلولاً استثنائية»، ومتهماً إياه في الوقت نفسه بـتجاوز حدود مهامه، ومحاولة تقويض نجاح لجنة «6+6».

أما رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فسارع إلى قطع الطريق على باتيلي، لتشكيل لجنة موازية للجنة «6+6»، منتهزاً مناسبة المؤتمر الصحفي المشترك الذي ضمه الإثنين الماضي مع نظيره المصري حنفي جبالي في مدينة بنغازي، لتوجيه رسالة مباشرة مفادها أن باتيلي ليس حاكماً لليبيا ليصدر تعليماته بتشكيل لجان أو تعيين من يحكمها.

استمرار الخلافات بين «النواب» و«الدولة»
وكشف عن استمرار الخلافات مع مجلس الدولة بشأن قوانين الانتخابات، مقدماً ملاحظات حول مسألة أن تكون الانتخابات من جولتين، ورفض حرمان مزدوجي الجنسية من حق الترشح للانتخابات.

للاطلاع على العدد المزدوج 396-397 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وكانت البعثة الأممية رحبت بجهود لجنة «6+6»، لكنها اعتبرتها غير كافية لحل أكثر القضايا إثارة للخلاف، وذكر باتيلي منها شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، والأحكام التي تنص على جولة ثانية إلزامية من الانتخابات الرئاسية، حتى لو حصل المرشح على أكثر من 50 % من الأصوات في الجولة الأولى، وعدم إجراء الانتخابات البرلمانية في حال فشلت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والأحكام القاضية بتشكيل حكومة موقتة جديدة قبل إجراء الانتخابات. وحذر من هذه المسائل التي ستقود العملية الانتخابية باتجاه حائط مسدود، كما حدث سابقاً في 2021.

دعم أميركي مستمر لباتيلي
واصطفافاً مع المبعوث الأممي ودعماً له على خلفية مطالب ليبيين بإبعاده عن رئاسة البعثة، جددت الولايات المتحدة الأميركية على لسان سفيرها ومبعوثها الخاص، ريتشارد نورلاند، دعمها لجهود باتيلي في تجاوز العقبات التي تعترض إجراء الانتخابات الليبية. وأشاد نورلاند في بيان للسفارة الأميركية عبر تويتر، مساء الثلاثاء، بالإحاطة التي قدمها باتيلي أمام مجلس الأمن.

وجاء الموقف الأميركي بعدما طالب 17 مرشحاً سابقاً للانتخابات الرئاسية بتغيير باتيلي، معربين في بيان مشترك عن استغرابهم من «موقف باتيلي حيال اجتماعات (6+6) ومخرجاتها» ورحبوا بنتائج اللجنة، واستنكروا انحيازه في إحاطته لحكومة الدبيبة ودعوا إلى الشروع فوراً في مشاورات جادة لتشكيل حكومة كفاءات. كما عقد نورلاند اجتماعات منفصلة في طرابلس مع نائبي رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني وعبدالله اللافي، وأخرى مع رئيس مؤسسة النفط فرحات بن قدارة والنائب العام الصديق الصور.

الملف الليبي في الساحة الدولية
خارجياً، حظي الملف الليبي باهتمام خاص إذ شدد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الأربعاء، من روما على انتهاز فرصة صمت السلاح في ليبيا لإيجاد حل سياسي، مجدداً دعمه لباتيلي والدبيبة مع الدعوة لـ«إظهار الواقعية في أي خطة سياسية» مرتقبة، في حين أوضحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، أنها تشاطر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «الحساسية حول موضوعات عديدة بمنطقة المتوسط، لا سيما فيما يتعلق بليبيا وتونس حيث نعمل من أجل تحقيق أهداف متقاربة».

وعلى هامش أعمال المؤتمر الدولي لإعادة إعمار أوكرانيا بالعاصمة البريطانية لندن، تحدث وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الأربعاء، مع نظيره التركي هاكان فيدان عن الالتزام بالتنسيق بين حكومتي البلدين «بشأن ليبيا والتعاون من أجل الاستقرار والأمن في البحر الأبيض المتوسط وفي أفريقيا، وكذلك فيما يتعلق بالهجرة».