Atwasat

ليبيا: الحرب الأهلية والاندماج بالجيش الوطني

القاهرة - محمد طه الجمعة 30 مايو 2014, 10:29 صباحا
WTV_Frequency

في الوقت الذي تزداد فيه مساحات القلق في ليبيا التي تعاني منذ قيام ثورة 17 فبراير توترات أمنية صعبة وتدهورًا سياسيًا على كافة الأصعدة، يترقب العالم ما قد تؤول له الأوضاع في البلاد، وذلك لما تمثله هذه البقعة من العالم من أهمية جغرافية واقتصادية تجعلها محورًا أساسيًا في التحولات السياسية العالمية وحسابات فرض النفوذ والهيمنة.

يزيد الصايغ، الباحث في الدور السياسي للجيوش العربية بمركز كارنيغي، يحلل الوضع الراهن في ليبيا عقب إعلان رئيس هيئة الأركان السابق اللواء خليفة حفتر، وأثر ذلك على الاستقرار المنشود شعبيًا في البلاد.

حفتر والسيسي
يبدأ الصايغ ورقته التحليلية، المنشورة في "كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط بتاريخ أمس، بالتشبيه الذي حُمل للعملية العسكرية التي قادها اللواء حفتر ضد التشكيلات الإسلامية المسلحة بالبلاد، بعزل وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي - الفائز بانتخابات الرئاسة الأخيرة - الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان عن الحكم في يوليو الماضي.

ويرى الصايغ أن الوجه الأساسي للشبه فيما قام به القائدان (حفتر والسيسي) هو مواجهتهما لجماعة الإخوان واتهامهما لها برعاية "التطرف" في كلا البلدين (ليبيا ومصر).

حفتر والسيسي كلاهما أشار إلى التحرك بتفويض شعبي لإنهاء "التطرف"

ويلفت الصايغ، في تحليله، إلى ما صرح به رئيس الشرطة العسكرية في ليبيا العقيد مختار فرنانة، "أحد الحلفاء الرئيسيين لحفتر"، من أن تحركهم جاء استجابة لـ"اختيار الشعب" وليس انقلابًا، وهو ما تكرر مرارًا من المشير السيسي في مصر لتبرئة ساحته من إطاحة الرئيس الإسلامي مرسي.

ويصف الصايغ أوجه التشابه بين حفتر والسيسي بأنها "تبدو سطحية"، مضيفًا أن السياسية العسكرية التي تزداد تعقيدًا، وتتمحور حول الصراع الذي يرمي إلى تحديد طبيعة القوات المسلحة الممزّقة والسيطرة عليها، هي التي أوصلت العملية الانتقالية في ليبيا إلى نقطة الانهيار. وذلك على خلفية إخفاق السلطات الانتقالية في نزع سلاح وتسريح التشكيلات الثورية القوية المتعددة أو دمجها في القوات المسلحة الوطنية، وفي خلق فرص العمل وتوفير الأمن وإنفاذ القانون بالسبل غير العسكرية.

حرب أو اندماج بالجيش
ويشير الصايغ إلى أن العلاقات العسكرية السياسية التي "أعاقت" العملية الانتقالية في ليبيا "تزيد من مخاطر اندلاع حرب أهلية أو قد ترغم الأحزاب السياسية والتشكيلات المسلحة المتناحرة على الاندماج في جيش وطني موحد". لكنه يضيف أن الفشل يبقى أكثر ترجيحًا في قراءة مصير الأوضاع الحالية، ما يعيد البلاد إلى توترات وخصومات عقدي الخمسينيات والستينيات التي انتهت بانقلاب القذافي.

ويتطرق تحليل الصايغ إلى السياسية العسكرية الليبية في عهد القذافي، مشيرًا إلى تعطيلها خلال السنوات العشرين الأخيرة من حكم معمر بعد أن أزاح جميع منافسيه، ويلفت إلى ما تعرضت له القوات المسلحة الليبية آنذاك من تهميش سياسي وإضعاف عملي وطغيان قوات حماية النظام على قيادة الجيش. 

سقوط القذافي أطلق عنان التحالفات والانقسامات داخل الجيش وفي السلطة السياسية



التحالفات الجديدة
ويضيف الصايغ أن سقوط القذافي أطلق العنان لـ"تحالفات وانقسامات كثيرة بين الجهات العسكرية الفاعلة ونظيراتها المدنية في هياكل الحكم الانتقالي والأحزاب السياسية التي تشكلت حديثًا على أسس إقليمية جهوية وقبلية"، مؤكدًا أن تحرك حفتر يكشف ذلك بوضوح.

ويلفت التحليل إلى انتماء حفتر وكبار مؤيديه لبنغازي ومدن شرقية أخرى، ما يفسر - حسبما يرى الصايغ - دعم القوات الخاصة و سلاح الجو العلني له، بينما يزعم فرنانة تمثيل "المجلس العسكري للمنطقة الغربية" المستند إلى ميليشيات نفوسة - زنتان القوية. وقد نظّم الاثنان سلسلة "المؤتمرات الاستثنائية للجيش الليبي" التي أسفرت عن تشكيل "تجمع الضباط الليبيين الأحرار" في أبريل 2013، و أعلنا أخيرًا تشكيل المجلس العسكري الأعلى لمضاهاة الأركان العامة التي مقرها طرابلس الغرب.

خصوم حفتر
ويتطرق التحليل إلى خصوم حفتر الذين يتّهمونه ورفاقَه بالسعي لاستعادة النظام القديم، ويعلق على ذلك الاتهام بأنه لا ريب في أن تحالف حفتر حظي بدعم متزايد في أوساط الجنود وضباط الصف من عهد القذافي. غير أن مشاعر الاستياء إزاء التهميش الكامل تتجاوز المعسكرين الموالي والمناهض للقذافي، لأنهما مستهدفان بقانون العزل السياسي الصادر في نوفمبر 2013، الذي يحظر على أعضاء النظام السابق تولّي الوظائف العامة لمدة عشر سنوات. بالإضافة إلى ذلك لدى المعسكرين قضية مشتركة تتمثّل في رغبتهما بوضع حدّ لعمليات الاغتيال المتواصلة لكبار ضباط الجيش والمخابرات، ومسؤولين حكوميين كبار آخرين. كما دفع ذلك بنائب رئيس هيئة الأركان السابق سالم جنيدي، الذي استقال من منصبه في نوفمبر 2013 احتجاجًا على استمرار سلطة التشكيلات المسلحة، وبوزير الدفاع عبدالله الثنّي، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس الوزراء المكلف، بالانضمام إلى صفوف المعسكر نفسه.

وكون جنيدي والثنّي، حسبما يوضح الصايغ، يتحدّران من منطقة الحدود الغربية في ليبيا، فإن ذلك يؤكّد على الطبيعة الإقليمية المتقاطعة لتحالف الضباط.

ثمّة أيضًا معسكر ثانٍ مستند إلى مؤسّسات الدولة الرسمية، لكنه اعتمد هياكل أمنية "هجينة" منذ العام 2011. من بين رموزه اللواء يوسف منقوش، الذي شغل منصب نائب وزير الدفاع المؤقّت إلى أن تم تعيينه رئيسًا للأركان في يناير 2012، وخليفته اللواء عبدالسلام جادالله العبيدي، الذي تولّى المنصب في أغسطس 2013. وبحسب الصايغ، فإنه إذ افتقرا إلى قاعدة مؤسسية قوية داخل الجيش، فقد اضطرا إلى التعامل مع قوات "درع ليبيا"، وهي الإطار الجديد الذي دفعت به تشكيلات مصراتة القوية في غرب ليبيا لدمج العديد من التشكيلات الثورية التي ظهرت خلال وبعد انتفاضة العام 2011 ضد القذافي.

وأثار هذا، بحسب الصايغ، استياءً عميقًا لدى الكثيرين في القوات المسلحة النظامية.

أبو سهمين تجاهل مبادرة الثني للسلام وأمر باعتقال حفتر بعد أيام من بدء حركته في مايو



السياسة العسكرية الناشئة
ويلفت الصايغ إلى أن السياسة العسكرية الناشئة تتمحور جزئيًا حول المناصب الرسمية مثل منصب رئيس الأركان، الذي يعمل باعتباره إحدى الواجهات العديدة بين مختلف الجماعات المسلحة على الأرض ووزارة الدفاع والمؤتمر الوطني العام. وتنطبق الديناميكية نفسها أيضًا على المعسكر الثالث التي تشكّل منذ العام 2011، والذي يتمحور من الناحية المؤسّسية حول وزارة الدفاع ويضمّ أيضاً الميليشيات الثورية. فقد ألغى القذافي الوزارة في العام 1991، ولكن منذ إحيائها في العام 2011 سيطر عليها أشخاص من زنتان و مليشيات مقرّبة معادية للإسلاميين، فيما تمسّك كل من صادق مبروك وخالد الشريف، وكلاهما عضو قيادي سابق في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التي تأسّست في العام 1995، بمنصب وكيل الوزارة.

ويضيف الصايغ إلى أن مبروك والشريف استندا إلى هذا الموقع لجذب التشكيلات الثورية المتحالفة معهما لتشكيل الوحدات الرسمية الجديدة والإشراف عليها، مثل حرس الحدود والحرس الوطني. كما أن رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سهمين متحالف أيضًا مع هذا المعسكر، حيث أيّد في يوليو 2013 قيام "غرفة عمليات ثوار ليبيا" التي تضم ميليشيات إسلامية وأخرى متحالفة معها من مدينة مصراتة لمواجهة الكتل السياسية المتنافسة في طرابلس. وكما هو متوقع، فقد أمر أبو سهمين باعتقال حفتر بعد أيام على بدء حركته في مايو 2014، متجاهلاً مبادرة السلام التي طرحتها حكومة الثنّي في 19 مايو.

الانقسام المتوقع
ويرى الصايغ أن هذه التحالفات والأنماط ليست ثابتة، موضحًا أن أبو سهمين يتحدّر من الأقلية الأمازيغية في ليبيا، في حين أدرج زميله الأمازيغي أسامة الجويلي عدة كتائب ثورية من الزنتان في مرتبات وزارة الدفاع خلال فترة تولّيه منصب الوزير في 2011-2012. وبالمثل، بينما تم تشكيل حرس المنشآت النفطية من ثوار سابقين يخضعون لقيادة وزارة الدفاع، تهيمن ميليشيات الزنتان على فروعه الغربية والجنوبية الغربية، وفي أواخر العام 2013 انضمّ فرعه الشرقي إلى تمرّد قادة الفيدراليون الذين ساندوا حفتر في مايو 2014.

وكما حصل في العام 2011، يشير الصايغ، إلى إمكانية انقسام القوات المسلحة الليبية لتتمزّق مرة أخرى، ما يجعل قدرتها على البتّ في ميزان السطلة السياسية موضع شك إِلى حدّ بعيد. غير أن ضعف وتفكّك هيئات الإدارة المدنية في البلاد يشير إلى أن السياسة العسكرية هي التي ستوجّه حسم المناقشات الخلافية حول توزيع السلطة والثروة، على نحو يشبه كثيرًا ما حدث في الانتقال من عهد الملكية إلى الجمهورية في العام 1969.

 

ليبيا: الحرب الأهلية والاندماج بالجيش الوطني

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
غدًا في ليبيا.. أكثر من 210 آلاف طالب يؤدون امتحانات «التعليم الأساسي»
غدًا في ليبيا.. أكثر من 210 آلاف طالب يؤدون امتحانات «التعليم ...
ضبط شخص يوزع المخدرات «ديلفري» في بنغازي
ضبط شخص يوزع المخدرات «ديلفري» في بنغازي
«الهلال الأحمر» تنتشل جثة بشاطئ صبراتة
«الهلال الأحمر» تنتشل جثة بشاطئ صبراتة
ضبط مروج بحوزته 537 قرصا مخدرا في نسمة
ضبط مروج بحوزته 537 قرصا مخدرا في نسمة
قبيلة الدرسة تطالب حفتر بالتدخل لإعادة النائب الدرسي
قبيلة الدرسة تطالب حفتر بالتدخل لإعادة النائب الدرسي
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم