Atwasat

في الذكرى الـ 90 لرحيله.. محمود مختار «أيقونة» فن النحت المصري

القاهرة - بوابة الوسط الخميس 28 مارس 2024, 01:22 مساء
WTV_Frequency

اليوم تمر الذكرى الـ 90 لوفاة النحات المصري الأشهر محمود مختار، المولود في 10 مايو 1891 والمتوفى في 28 مارس 1934 عن ثلاثة وأربعين عاماً، لكنه ترك في هذا العمر القصير نسبياً، أهم روائع في فن النحت المصري والعالمي، من عشرات الأعمال التي تسجل الحياة الاجتماعية واليومية والمعيشية والرمزية والوطنية في مصر على فترات زمنية متباعدة، غير أن تمثال «نهضة مصر» جسّد الصحوة الوطنية والنهضة الإبداعية والفكرية على أكثر من مستوى لهذا الفنان، الذي تجول بعبقرية غير مسبوقة لفنان مصري وربما عالمي، بين مدارس النحت الفرعوني وأشكاله وأنماطه وحقق إضافات تحديثية للمدرسة الفرعونية والمدارس الفنية العالمية، على سبيل المثال الفنان الإيطالي العالمي مايكل أنجلو (6 مارس 1475-18 فبراير 1564).

ويقول الكاتب الصحفي ماهر حسن في تصريح خاص إلى «بوابة الوسط»، إنه كونه خريج هندسة، قبل أن تستهويه الصحافة وتحول مساره، لفت نظره أن محمود مختار استخدم الأبعاد الهندسية الدقيقة والمتناسقة في منحوتاته، كما استخدم التشكيل السردي لإيضاح فكرته والتي تركزت في المقام الأول حول الاهتمام بالجانب الإنساني في أعماله النحتيه ومجسماته، واستطاع أن يعكس في كتابه «محمود مختار» ضمن سلسلة «ذاكرة الفنون» عن محمود مختار مسيرته الكاملة من النجاح أو الإخفاق أوالتوهج والانطفاء في حياة مختار.

يُذكر أن الفنان محمود مختار، من الدفعة الأولى من خريجي مدرسة الفنون الجميلة التي أسسها الأمير يوسف كمال (1882 - 1969)، حفيد محمد علي باشا، وهناك متحف يضم أعماله إلى جوار دار الأوبرا وله عشرات التماثيل التي عكست الروح المصرية وجسدت الكثير من أجواء القرية المصرية، وكانت الفلاحة بطلة للكثير من أعماله وأيضًا النهضة الوطنية في أكثر من مجال ومن أشهر أعماله تماثيل: «نهضة مصر»، «رياح الخماسين»، تمثال «سعد زغلول».

الكاهن الفنان.. يكسر العزلة بالنحت في الصخر
مريم هنيدي لـ«بوابة الوسط»: في الطين تكمن حقيقة الإنسان
-التشكيلي المصري محمد عبلة.. أول عربي حاصل على وسام «جوته» يتخلى عنه من أجل فلسطين

ويقع كتاب ماهر حسن «محمود مختار»  ضمن سلسلة ذاكرة الفنون الصادر عن الهيئة مصرية العامة للكتاب الفي 102 صفحة من القطع المتوسط، تناول فيه السيرة الذاتية لمحمود مختار، تضمنت لقطات من حيات مختار وأعماله، ومسيرته الفنية، التي لم تمتد طويلاً، إلا إنه استطاع خلالها أن يترك أعمالاً نحتية، لاقت صدى وتقديراً كبيرين في الأوساط التشكيلية المحلية والعالمية مثل عمله الأشهر «نهضة مصر»، وتماثيل مختار الأخرى، خاصة تمثالي زعيم الأمة سعد زغلول.

وعبر سبعة فصول، يرصد ماهر حسن سيرة محمود مختار منذ نشأته الريفية ثم انتقاله إلى القاهرة، ومنها إلى باريس حيث درس الفنون، ويسرد فيه كيف أن عبقرية مختار رافقته منذ الطفولة، حين كان يذهب إلى الترعة بقرية «نشا» بدلتا النيل، وكانت لعبته المفضلة على ضفافها، هي تشكيل قطع الطين، ويصورمن خلالها أهل القرية في أفراحهم وأحزانهم ومواكب العائدين من الحج، ويصنع من الطين خيولا وفرسانا، ويجلس متأملاً فلاحات القرية وهن يملأن جرارهن، وكان يعود من رحلته اليومية حاملاً تماثيله الطينية ليضعها في فرن المنزل فتجففها الحرارة، ويأخذها إلى سطوح البيت ويلعب بها مع إخوته، ويؤلف لها الحكايات، ويجعلهـا تتحدث مع بعضها في حوار بصوته.

بدايته الحقيقية مع مدرسة الفنون الجميلة
وتزامن انتقال الصبي محمود مختار إلى الإقامة بالقاهرة، مع افتتاح مدرسة الفنون الجميلة في مايو سنة 1908، وجاء خبر افتتاح المدرسة بمثابة طوق النجاة لهذه الموهبة ولغيره من أصحاب المواهب، حيث جُلب لها كبار الأساتذة من فرنسا وإيطاليا وغيرهما، وكان الالتحاق بها مجاناً بعد اختبار قبول ودون تقيد بسن. وفيها زامل مختار الرعيل الأول من الفنانين، مثل راغب عياد، ويوسف كامل، ومحمد حسن.

وفي العام 1910 اشترك في معرض لأعمال طلبة مدرسة الفنون الجميلة بكلوب محمد علي بشارع المدابغ ولقيت أعمال مختار كل إعجاب وتقدير، فكانت مدخل الصبى إلى مستقبل غير متوقع، بعد أن التحق بها وهو في السابعة عشرة من عمره. بدت موهبة مختار ساطعة للأساتذة الأجانب، مما حدا بهم إلى تخصيص «مرسمًا خاصًا» له ضمن مبنى المدرسة لإعداد منحوتاته به من تماثيل وأشكال تستعيد مشاهد الريف، وملامح رفاق الحي.

موهبته أيضاً دفعت راعى المدرسة، الأمير يوسف كمال إلى أن يبتعث الصبي إلى باريس كى يكمل دراسته هناك. ومثلما نشأ مايكل أنجلو في رعاية الأمير الفلورنسي لورنزو دي مديتشي، فقد نشأ محمود مختار في رعاية الأمير المصري يوسف كمال.

في الفصل الثالث من الكتاب، ينقلنا الكاتب ماهر حسن إلى باريس، التي سافر إليها مختار لإتمام دراسته، وهي الخطوة التي يعُدها المؤلف «بمثابة المفجر لطاقة هائلة لنحات مصري عظيم»، بعد أن وجد فيها ينبوعاً فياضاً لتذوق الفن ودراسته، حيث مناخ الحرية.

وفي امتحان القبول بمدرسة الفنون الجميلة في باريس «بوزار دي باري» تقدم أكثر من مائة طالب، ففاز مختار عليهم جميعاً، وكان هذا الفوز حدثاً في المدرسة، ظل الطلبة يذكرونه ويعجبون لـ«رمسيس الجديد»، كما كانوا يلقبونه.

حكاية تمثال نهضة مصرمن باريس إلى القاهرة
ويرصد ماهر حسن في كتابة واقعة الاكتتاب الشعبي لإقامة تمثال «نهضة مصر»، الذي قدم نموذجاً صغيراً له في البداية إلى معرض الفنون الجميلة في باريس، وعندما زار سعد باشا زغلول باريس مع رفاقه من الوفد زاروا المعرض وشاهدوا التمثال، فكتب سعد زغلول إلى مختار يثني على التمثال، لتتبلور بعدها فكرة إقامة التمثال في أحد ميادين القاهرة، وقتها قامت الجرائد المصرية بحملة ترويج لإقامة التمثال للأهمية الرمزية والملمح الوطني في هذا العمل الفني، حيث لقي ترحيباً من الأوساط السياسية والحزبية والاجتماعية بالأمر، وسارع أفراد الشعب، أغنياؤه وفقراؤه، للاكتتاب، وتحول تنفيذ وإقامة هذا التمثال إلى مهمة مقدسة، وهي المهمة التي كللت بالنجاح في العام 1928، وتكلف التمثال وقتها حوالى6500 جنيها، وكان الجنيه وقتها يساوي ثمانية جرامات ذهب!

لقد صاغ محمود مختار فكرته عن تمثال نهضة مصر، فقال عنه أستاذه لابلاني في مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة، وكان يقضي أجازته في أوروبا: «إن مختار سيكون فخرًا لمصر بل فخرًا للعالم. وكانت فكرة التمثال تعبيرا عن اليقظة التي بدأت في بلاده.. الفلاحة المصرية أم الأجيال التي أقامت حضارة مصر، وأبو الهول رمز الحضارة المصرية القديمة.

وترأس «سعد زغلول» هناك وفد الدعوة لقضية مصر. وشاهد رجال الوفد أعمال مختار في متحف «جريفان» ومنها تمثال النهضة، وأدركوا أن هذا الفنان يجب أن يحتل مكانه اللائق في بلاده. وكان ويصا واصف عضو الوفد في باريس أكثر أعضاء الوفد ملازمة لمختار ومتابعة أعماله، ويبدو أنه كان صلة الوصل بين مختار و«سعد زغلول» . وأقام الوفد حفل تكريم لمختار حضره جميع أعضاء الوفد وأعضاء الجماعة المصرية في باريس.

وفي عهد وزارة مصطفى النحاس باشا الأولى 19 مارس – 25 نوفمبر العام 1928 انتهى العمل في التمثال وأقيم في ميدان باب الحديد رمسيس حاليا. وفي عهد حكومة مصطفى النحاس باشا الثانية أول (يناير1930 – يونيو العام 1930) جرى التعاقد بين الحكومة وبين محمود مختار على إقامة تمثالين للزعيم سعد زغلول، أحدهما في القاهرة والآخر في الإسكندرية.

ويُعد محمود مختار هو صاحب فكرة مشروع إنشاء مجلس أعلى للفنون برئاسة وزير المعارف للإشراف على الحركة الفنية ورسم الاتجاهات الأساسية لها، والاهتمام بدراسة الفنون وتاريخ مصر القديمة وعلم الجمال وفلسفة الفنون والعناية بمدرسي الرسم في المدارس وإنشاء معهدًا للموسيقى على أسس سليمة. واستقبل الملك فؤاد آنذاك الفنان محمود مختار الذي قدم له تمثال «إمرأة القاهرة».

متحف محمود مختار
افتتح في العام ‏1952‏ متحف محمود مختار في ملحق خاص بمتحف الفن الحديث ليعرض 59 تمثالاً، وقام على تأسيس وإعداد المتحف كل من الفنان راغب عياد زميل محمود مختار وصديقه، وكمال الملاخ الصحفي والأثري البارز، وقام المهندس رمسيس واصف بتصميم متحف مختار الحديث في حديقة الحرية بوسط القاهرة ونقل رفات مختار إلي المقبرة الجديدة بالمتحف‏.

ويعد متحف مختار تحفة معمارية تتسم بالكثير من مفردات فن العمارة ابتداء من الكوبرى الذى يصل بالزائرين من البوابة الرئيسية إلى داخل المتحف ونسبه المعمارية الفذة ومروراً بالواجهة المعبرة عن شموخ وعظمة صاحب هذا الصرح وانتهاءً بالتفاصيل المعمارية الداخلية وتوزيع الفراغات.

ويتكون المتحف من طابقين بالإضافة إلى صالة متعددة الأغراض، الدور الأول والثانى يعرض بهما أعمال نحتية للفنان محمود مختار والقاعة المستجدة تضم أعمالاً نحتية وأعمال تصوير ومكتبة وورشة عمل . محتويـات المتحف يضم المتحف أعمال الفنان محمود مختار النحتية والتى تتنوع خاماتها ما بين تماثيل منفذة بخامة البرونز وأخرى بالرخام والحجر والجبس والبازلت وتمثال منفذ بخامة الجرانيت . وكذلك بعض المتعلقات الشخصية الخاصة بالفنان منها معطفين من الكتان والصوف، كرسى من الخشب وصور فوتوغرافية.

الفنان محمود مختار وتمثال نهضة مصر.
الفنان محمود مختار وتمثال نهضة مصر.
محمود مختار
محمود مختار
منحوتة الفلاحة.
منحوتة الفلاحة.
غلاف كتاب «محمود مختار».
غلاف كتاب «محمود مختار».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
وفاة المخرج الفرنسي لوران كانتيه عن 63 سنة
وفاة المخرج الفرنسي لوران كانتيه عن 63 سنة
فوز آية ناكامورا بثلاث من جوائز «فلام» الموسيقية
فوز آية ناكامورا بثلاث من جوائز «فلام» الموسيقية
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم