بمشاركة نحو خمسين كاتباً وأديباً وناقداً عربياً، وفي سلسلة إصداراتها العالمية في الفكر والأدب والترجمات، أصدرت الدار الأهلية للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمّان كتاباً بعنوان (سالم الهنداوي- بأقلام عربية) ويحوي شهادات ثقافية مهمة في تجربة الكاتب والأديب الليبي الكبير سالم الهنداوي في القصة والرواية والمقالة الفكرية خلال خمسة عقود من العطاء الثقافي، الأدبي والفكري.
الكتاب يتناول بعض جوانب تأثير الغربة على تجربة الهنداوي الأدبية والفكرية أثناء عمله في الصحافة العربية والسلك الدبلوماسي الليبي في العديد من الدول العربية والأوروبية وعلاقاته بكبار الكُتّاب والأدباء العرب والأوروبيين. كما تضمن عدداً من الحوارات الفكرية التي أجرتها معه كبريات الجرائد والدوريات الثقافية العربية في خلال مراحل زمنية مختلفة، فكرية وسياسية، إضافة إلى قراءات نقدية في أهم أعماله الأدبية، القصصية والروائية، التي صدرت تباعاً في ليبيا وتونس وقبرص ولبنان ومصر والأردن.
وجاء ملحق الكتاب بقلم سالم الهنداوي بعنوان «هوامش الكتابة» مع البدايات بشهادتيْن شخصيتيْن في تجربته الأدبية التي انطلقت من بنغازي منذ مطلع سبعينيّات القرن الماضي، وحتى حفل تكريمه في جامعتها صيف 2022 بمناسبة مرور نصف قرن على مسيرة عطائه الثقافي العربي.
إبراهيم الكوني: يكفي أن يكون سالم الهنداوي النموذج في مسلكة الأخلاقي
من الشهادات الثقافية التي قيلت في تجربة الكاتب الليبي الكبير، يقول الكاتب والناقد الفلسطيني مازن مصطفى: (أَقرأُ سالم الهنداوي، الروائي والأديب الليبي، بالمساحة الرحبة للغة العربية، بقدرته الساحرة على الإحاطة بمكنونها وبإحالاتها في الحس والشعور، وفي الثقافة أساساً حين لا بد من السياسة) ويضيف مازن: (أتفهمه بين مزدوجين من تكوين مساحة العروبة، من موجةٍ تلطم صخور البحر على الساحل العُماني لتصطفق بأخرى على ضفاف الأطلسي في الرباط. وفي قلب المزدوج، تاريخ من كفاحٍ يتقد بآمالٍ عظيمة وتطلعاتٍ ثورية تضيء ليلنا).
أما الروائي الليبي إبراهيم الكوني فيقول: (يكفي أن يكون سالم الهنداوي النموذج في مسلكه الأخلاقي، في وسطٍ ثقافي مجبول على النزعة البوهيمية، التي جنت، كآفة عصر، على فرسان إبداع كثيرين في واقعنا الليبي العصيّ. في حين استطعتم بخصالكم الأخلاقية النجاة من هذا الفخ، وإلا لما تمكنتم من أن تبدعوا ما أبدعتم، وهذا ليس غريباً عندما نحتكم في خصوماتنا إلى جناب اللغة، ففي العربية كلمة «أدب» تحمل مدلولين، كما تعلم، مثيرين للفضول: فهي قيمة دالة على الإبداع من ناحية، وقيمة أخرى دالة على مبدأ الأخلاق في المقابل، كبعد جليل، لا يصير الإبداع إبداعاً بمقتضاه ما لم تكن له الأخيرة شفيعاً. وهذا وحده شهادة تغني عن أية حجة نقدية).
جلال برجس: الهنداوي حافظ على عدم اختلاط لغة الصحافة بلغة الأدب
ويقول الشاعر والروائي الأردني جلال برجس: (لقد أخلص سالم الهنداوي لعمله الإعلامي والثقافي على مدار سنين طويلة في أكثر من منبر وموقع تقلده، محافظاً على عدم اختلاط لغة الصحافة ورؤاه بلغة الأدب وطروحاته، وهذه سمة ومهارة مهمتان، يكتسبهما الكاتب نتيجة تراكم الخبرات، أحد أهم شروط الكتابة).
ويقول الناقد والأكاديمي العراقي د. محمد عبدالرضا شياع: (قرأت الهنداوي مأخوذاً بلذّة المصاحبة الباحثة عن روح الإبداع في صفحات كتاباته، فرأيتني في حالات تأمُّل أستعيد عبرها أطياف الزمان والمكان، أستدعي الماضي بأثقاله، وأستشرف المستقبل بإشراقاته، محيطاً بالواقع وتناقضاته، وبالمتوقع وتقاطعاته، إذ يعرّي الهنداوي النسيان ويحفّز الذاكرة على تأثيث ذاتها من ذاتها، لأنه لا يكتب من فراغ، ولا يستغرقه الواقع في كتابته، بل يمنح القارئ القلق، عندما يصدمه بما لا يتوقعه في صيرورة الأحداث وحركتها).
للاطلاع على العدد 389 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
أما الناقد والأكاديمي الفلسطيني د. عبدالرحمن بسيسو فيقول: (أراد سالم الهنداوي، مُذ لحظة تفتح وعيه على إدراك شيء من مغزى الوجود، ومُذ شروعه في الخطو صوب معرفة ذاته، وإدراك وعودها، ومعرفة أبعادها، والتبصُّر العميق في ممكنات تجليها في الوجود بوصفها ذاتاً متجددة، وقادة الفكر، إنسانية الجوهر، يقظة العقل والوجدان والضمير، أراد أن يحيل نفسه، إحالة وجوديةً في العالم، إنساناً جوهرياً، وكاتباً مبدعاً، وإعلامياً متنوراً، ومناضلاً حراً من أجل الحرية بأعمق معانيها، وأوسعها؛ أي بوصفه إنساناً صاحب رسالة إنسانية وجودية لا ينفصل وجوده في الحياة عن سعيه الدائب لتأدية فروضها).
البوسيفي يتحدث عن تجربة الهنداوي
ويقول الشاعر والكاتب الليبي محمود البوسيفي عن تجربة الهنداوي: (حضوره الإنساني ينافس موهبته الإبداعية، حديثه معجون بوعي حقيقي، موهبته المبكِّرة في ميدان الأدب جعلته نجماً في حياتنا الثقافية، قبل أن تمتد هذه النجومية للمشرق العربي بجدارة واستحقاق، هناك في بيروت ودمشق وبغداد وليماسول صار الفتى الليبي الوسيم ضيفاً على منابرها الثقافية بشكل شبه دائم). ويضيف البوسيفي: (كانت مجموعته الروائية راعفة بأصالة لا تخطئها العين الناقدة، أسلوبه في السرد يمكن الاطمئنان لوصفه بالتفرُّد، يتلفع وهو يجوس في مرافئ الحكي بليبيا، متكئاً على معرفة تُدرك المسافة بين الحب والرؤيا، يمتلك أدواته باقتدار يفصح عنه قاموسه اللغوي الثري، شخوص رواياته وأبطالها من أهلنا، يقوم هو بإعادة استنطاق علاقتنا بهم بطريقة ساحرة، تجعل القارئ الفطن يحك فروة رأسه مبتسماً وهو يتابع تدفُّق بناء تلك الشخوص، و تفاعله في تصوُّر احتمالات تطوّرها).
أما الشاعر اللبناني الكبير الراحل محمد علي شمس الدين فقال في شهادته: (التقيت الهنداوي في ليبيا عدة مرات، في مؤتمرات الكُتّاب العرب، والتقينا في بيروت وأمكنة عربية أخرى وأخذتنا المشاوير بين الغوايات نمتلك الليل والنهار، وكنت ألحظ في سالم ذلك الشاعر الجميل المتأمل في الرؤى والصبوات، وفي أحاديثه الهادئة يعتبر الثقافة وعياً بالجمال أولاً، بالغ التأثير في عمليات التغيير والتطوير. لكن كانت به رنة أسى وحزن عميقين، وهذا ما يعتريني شخصياً، فإن صلة من الغُربة والشعر انعقدت بيننا منذ زمن، وهو في داخله رسيس شعري يظهر في ثنايا قصصه ورواياته).
وفي شهادته حول تجربة سالم الهنداوي الصحفية يقول الروائي الفلسطيني الكبير يحيى يخلف: (في مسيرته الصحفية التي عاشها في لبنان وقبرص عقب اجتياح بيروت، كانت فلسطين بؤرة الضوء التي رأى من خلالها أن كل بلاد العرب «فلسطينات» ما لم تكن المواجهة حقيقية في وجه الظلم والطغيان، ولكن أحلام الهنداوي خبت كأحلامنا الأصيلة حينما أخذتنا الأنظمة إلى رهاناتها، وخذلتنا في اللاءات الثلاثة اليتيمة). يضيف يحيى يخلف: (انطلاقاً من كل هذا العطاء العربي المهم في مسيرة الإبداع والفكر الحر، أوجه تحية حارة للصديق الكاتب المبدع والإنسان النزيه سالم الهنداوي الذي ظل بيننا اسماً مهماً يشغل مكانة عالية في حياتنا الثقافية، وإننا إذ نثمن عالياً قيمة عطائه لوطنه ليبيا ولوطنه العربي وفلسطينيته، ننتظر منه المزيد).
الكتاب في 361 صفحة من القطع الكبير، ولوحة غلافه للرسّام العراقي إسماعيل عزّام.
تعليقات