Atwasat

بريكست بريطانيا يدخل ليبيا

نورالدين خليفة النمر الأحد 09 فبراير 2020, 12:14 مساء
نورالدين خليفة النمر

دعيت بريطانيا، في 19 يناير 2020 . فحضرت مؤتمر برلين المنفرط حول ليبيا، ومثلها رئيس حكومتها، الفائز للتو في معركة التصويت الانتخابي فتمكن من إخراج بلاده من عضوية الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه في تصريح له على هامش المؤتمر بأنه يعاني من تشتت فيما يخص الملف الليبي. مؤكدا أنّه حان الوقت بناءً على مخرجات برلين لإنهاء المعارك على تخوم طرابلس. ولم يمانع في النظر بإمكانية قيام قوة دولية، بينها قوات بريطانية وقوات أوروبية أخرى، بمراقبة وقف إطلاق النار الليبي المقترح وربما فرض حظر على نقل الأسلحة إلى ليبيا .

المتتبع الليبي للأدوار التي لعبتها بريطانيا في تاريخ ليبيا الحديث يحتار أين يموضع بريطانيا في الأزمة الليبية من 2014 إلى 2020؟ فهي خرجت من الاتحاد الأوروبي، وليست معنية أوروبياً باسترداد الورقة الليبية من اللاعبين الروسي والتركي، مثل إيطاليا التي لها مصالح اقتصادية ضخمة، تستميت من أجل المحافظة عليها وتطوير استثمارها. أو مثل فرنسا التي تحفزّها تطلعاتها المدفوعة الثمن على سدادها من كعكة المصالح النفطية الليبية. حيث تعاندها غريمتها إيطاليا التي كانت في موقف المتفرج إبّان الثورة الليبية 2011 فلم تساهم في إزاحة دكتاتور ليبيا عن السلطة. حتى كرديف مثل بريطانيا . التي اليوم وقد تحرّرت بالبريكست من المقيدات الأوروبية لسياستها الخارجية يُتوقع منها أن تكون لاعباً أساسياً في التكالب الجديد على ثروات ليبيا في سياسة منافعية متقاطعة مع المنافعية الأوروبية، ولها تطلُعات مستجدة في أفريقيا والشرق الأوسط .

تبدأ السياسة الخارجية لحكومة ما تعمل في أزمة دولية خارج حدودها، عندما تُحسم أزمة داخلية كانت تعصف بالبلد الذي تدير سياسته. وهنا نستدعي رئيسة الحكومة الثمانينية مارغريت تاتشر مثالاً نقارب به الموضعة لسياسة خارجية فعالة بعد حسم البريكست. وهذا يُرجعنا إلى عام 1980 بعد تولي تاتشر رئاسة الوزراء بسنة، حيث سجلت البطالة نسبة تضخم قدرها 21% أي بعدد 1.3 مليون عاطل عن العمل فتبادلت رئيسة الوزراء تصريحات العداء العنيفة بينها وبين نقابات العمال. ونجحت في إلغاء قوانين كانت وسيلة في يد رؤساء النقابات لاستدراج العمال لمصالحهم، واستبدلتها بقوانين تُضعف قوتهم إزاءهم. بل استخدمت الجيش والبوليس لصد تفشي الشلل الناتج عن ظاهرة الإضرابات المتكررة عن العمل. وواجهت بنوع من الحزم ما تعرضت له الدولة من مساس في هيبتها. ولذا وُصفت سياستها بالحديدية .

ولكن ثاتشر المُنتخبة ديموقراطيًا، والتي حسمت بصرامة أزمة اقتصادية خانقة بهدف تحجيم دور الدولة فأدت إلى تحجيم الدولة ذاتها. وهنا أتت أزمة خارجية تطلبت من الحكومة إعادة الكرامة لشعبها إزاء الأرجنتين التي غزت جُزر الفوكلاند عام 1982 بغرض استعادتها من بريطانيا الإمبراطورية الغابرة. كان الإعلام البريطاني كما هو في قضية البريكست. قد أقنع المواطنين أن الكرامة أهم من الغذاء، وأن الأوضاع المتردية تهون أمام حفظ بضع جزر تبعد عنهم مئات الأميال.

أظهرت وثائق رفعت عنها السرية عام 2012 أن الولايات المتحدة زودت بريطانيا بالمعلومات وبأجهزة اتصالات وبمعدات عسكرية أثناء حرب فوكلاند. وقد أظهرت الوثائق شعور المسؤولين البريطانيين العميق وعلى رأسهم رئيسة الحكومة ثاتشر بالامتنان للولايات المتحدة "لمساعدتها السرية"، وهي مساعدة حرصت على تكتم أمرها لتأثير ذلك على علاقتها بأميركا الجنوبية .

فازت ثاتشر برئاسة الوزراء للمرة الثانية عام 1983 نتيجة انتصاريها في جبهتين. داخلية ضد نقابات العمال وخارجية باستردادها جُزر الفوكلاند من الأرجنتين.

في 15 أبريل 1986 قامت 66 طائرة أمريكية انطلق بعضها من قواعد بريطانية بشن غارة وقصف أهداف في العاصمة الليبية طرابلس. انخراط بريطانيا بشكل ما فيما عُرف بالغارة الأمريكية، زاد من تأزيم العلاقة الدبلوماسية المتأزمة بين بريطانيا والنظام الليبي في ملفين: دعم ليبيا للجيش الجمهوري الأيرلندي لمدة 10 سنوات منها تزويده بقنبلة تم تفجيرها عام 1984في مؤتمر حزب المحافظين في مدينة برايتون. وحادثة مقتل الشرطية البريطانية فلتشر برصاص انبعث من المكتب الشعبي (السفارة) الليبية في لندن عام 1984 ضد معارضين ليبيين تظاهروا سلمياً أمامها.

يسود رأي يقارن بين بوريس جونسون ومارغريت تاتشر يشعب شخصية جونسون إلى ملمحين: كونه يمتلك حدسا سياسيا استثنائيا. ولكن ما ينقصه هو الرؤية الاستراتيجية التي امتلكتها سالفته حيث كانت تبحث عن موقع لبريطانيا في اللعبة الدولية في حين لا همّ لجونسون سوى أن يجد لنفسه موقعا في بريطانيا بين غرماء ليس فقط من الحزب العمالي المعارض بل حتى من حزب المحافظين الذي ترشح في الانتخابات باسمه .

بعد البريكست الذي حظي بدعم الرئيس الأمريكي، وبعد إتمامه بوعود الشراكة الاقتصادية المجزية مع بريطانيا، فإن السياسة الخارجية البريطانية ستمالئ توجهاته الشعبوية، وستدعم ضغوطاته على الاتحاد الأوروبي، وابتزازاته للبلدان الأوروبية النافذة فيه بمساهمات مالية في عضوية الناتو، أو في إرباك السياسة المناخية العالمية. ولكن بدون شك السياسة الخارجية البريطانية مابعد البريكست ستنأى بنفسها عن أمريكا في ملفات شرق أوسطية صعبة. كالنزاع الأمريكي الإيراني المتوتر، وصفقة السلام بين الفلسطينين وإسرائيل وغيرها. ولكنها بدون شك ستدخل طرفاً في مناطق نزاعية أوروبية ـ أوروبية سهلة أبرزها النزاعية الليبية ـ الليبية التي لاتحمّل المتورطين فيها تكاليف باهظة،بل تجزيهم بأرباح. وهو ماجعلها أزمة صارت ملعباً بين دول أساسية متنافسة أظهرها مؤتمر برلين كـ: فرنسا وإيطاليا وروسيا وتركيا .

ولكن بريطانيا التي غيّبها النزاع الإنجليزي ـ الإنجليزي حول الخروج "البريكست"، كيف ستموضع نفوذها من جديد في النزاعية الليبية ـ الليبية مابعد الهجوم على العاصمة طرابلس؟. النزاع الذي التئم مؤتمر برلين لمحاولة نزع فتيل اشتعال حربه .

للإجابة نرجع بالتأمل في زيارة وزير الخارجية بوريس جونسون في حكومة المحافظة تيرزا ماي21 أغسطس 2017 إلى ليبيا. فحط في العاصمة طرابلس والتقى رئيسي المجلس الرئاسي ورئيس مجلس الدولة، ثم خص مصراتة القوة الجهوية النافذة بالزيارة متفاخراً بأنه أول وزير بريطاني يزور مصراتة بعد 2011. بل مدّ زيارته إلى شرق ليبيا الإقليم الذي كان تاريخيا موطن النفوذ البريطاني حتى انقلاب الجيش على الملكية عام 1969. فالتقى كأول مسؤول غربي رفيع المستوى في الرجمة شرق بنغازي في اجتماع وصفه موقع "بي بي سي" بـ"التاريخي" بمسمى قائد الجيش الليبي، لذي فيما يشبه الدُعابة التي أشهرت جونسون نقل عنه: أنه تعهد بالتخلي عن الحكم العسكري إذا نجح وأصبح رئيسًا للبلاد .