Atwasat

ملتقى بالــيــرمـــو والرقص على صفيح ســاخن

ضو المنصوري عون الإثنين 12 نوفمبر 2018, 10:17 صباحا
ضو المنصوري عون

أضحى تقديم تصور للأوضاع القائمة في ليبيا في غاية الصعوبة، نظراً لحالات الاشتباك المستمرة بين جميع شخوص المشهد السياسي، كما صار التدخل الخارجي ملموساً وفعلياً ليتعدى بذلك مرحلة التكهنات أو القراءات السياسية المعتمدة على ماتبثه وسائل الإعلام الموجهة التى تديرها قوىٰ دولية لها مصلحة في استمرار الأوضاع في ليبيا على حالها، دون إحراز أي تقدم لخلق بيئة مستقرة أو على الأقل قابلة للاستقرار في وقت قريب.

ولعل المؤتمر الذى سيعقد في باليرمو الإيطالية وفقاً للدعوات التي تم الإفصاح عنها لايعدو كونه ملتقى لإعادة اقتسام الأدوار، وتغييراً أجراه المدرب للاعبين على المشهد السياسي في ليبيا، ووقتاً مقتطعاً في مباراة لم تنتهِ بعد. لم يعد خافياً الدور القطري والإماراتي و المصري والتركي والروسي والمتنافسين الرئيسيين فرنسا و إيطاليا، حيث نجحت الأخيرة في إجهاض الجنين الذي تخلق في اجتماع باريس، لإثبات قدرة الإيطاليين على تقديم حلول جذرية للحالة الليبية معتمدين على تراكمهم المعرفي بطبيعة مكونات المجتمع الليبي اجتماعياً و سياسياً وعسكرياً.

وقد أثبت الإيطاليون قدرتهم على ذلك، وأضحىٰ مؤتمر باليرمو محور اهتمام وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها وتوجهاتها.

هل سينجح ملتقى باليرمو في دفن مخرجات ملتقى باريس لإثبات مصداقية الداعيين له ليظهر من الوهلة الأولى. أن الكمائن التي زرعت قبل انعقاد الملتقى ستكون حجر عثرة أمام حصول الإيطاليين على أسبقية تؤهلهم لمعالجة ملف القضية الليبية، باعتبارهم الأكثر التصاقاً بالأطراف الفاعلة في المشهد الليبي، ورغم صحة ذلك إلا أن الفرنسيين أثبتوا قدرتهم على تنظيم لقاء سابق في باريس اتسم بحسن التنظيم ونجاعة اختيار المشاركين فيه ودقة مواعيد الدعوات، وهو ما افتقده المنظمون لملتقى باليرمو الذى لاحت بوادر إخفاقه من خلال رسائل الدعوات إلى الأطراف المشاركة، وكذلك التفاعل البارد من بعثة الأمم المتحدة، إذا ما استتنينا موقف نائبة المبعوث الأممي السيدة (ستيفاني وليامز) تجسيداً للعلاقات الاستراتيجية بين روما وواشنطن في مواجهة الدور الذى تقوم به فرنسا في الجنوب الليبي انطلاقاً من تأثيرها المباشر على سياسات مستعمراتها السابقة.

اختار الساسة الفرنسيون توجيه ضربة استباقية قبل انعقاد المؤتمر بدعوة الأطراف الفاعلة من عسكريين ومدنيين من مدينة مصراتة لزيارة باريس قبل أسبوع واحد من تاريخ انعقاد ملتقى باليرمو، كما تزامنت هذه الدعوة بزيارة قام بها المشير خليفة حفتر إلى روسيا سعياً لإثبات دوره في المشهد السياسي الليبي وللحصول على دعمٍ روسي فرنسي كمشاركين فاعلين في إعادة ترتيب أوليات التحرك لإدارة العملية السياسية وتشجيع إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بدون قاعدة دستورية، للتخلص من القيود التي اشترطها مشروع الدستور الذي أقرته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في 2017/7/29م ، وعلى الأخص اشتراط الجنسية الليبية لرئيس الدولة، وضرورة الاستقالة من الوظيفة العسكرية قبل التقدم للترشح في الانتخابات القادمة.

هذه الفخاخ التي نصبت لإفشال ملتقى باليرمو لم تكن في حسبان المنظمين الإيطاليين على طاولة شطرنج اللقاء وأظهروا بما لايدع مجالاً للشك أنه ليس بإمكانهم مجاراة الأنامل الفرنسية الرقيقة في إحداث تنقلات ستكون موجعة لهم. حيث كان من الأجدى للمنظمين أن يكون عدد من أعضاء هيئة صياغة الدستور في مقدمة المدعويين. ذلك أن الحوار الصعب سيكون حول مفهوم قاعدة دستورية، وهو ما فرغت منه الهيئة وهي منتخبة وقدمت مشروعاً للانتقال السلمي للسلطة بأغلبية في جميع الدوائر الانتخابية ، وحاز هذا المشروع على تأييدا قضائي يرفض جميع الطعون التي رفعت بشأنه.

هذه المعطيات مجتمعة لم تتفاعل معها بعثة الأمم المتحدة التي راوغت الأجسام السياسية مجتمعة التي تشبثت بمعارضة هذا الانتقال من خلال تجميد مجلس النواب لقانون الاستفتاء وكذلك عدم حماس بقية الأجسام لإجرائه لأنه يحمل في طياته إنهاءا لهذه الأجسام وفقاً لمسار ديمقراطي يعرض على الشعب الليبي صاحب الكلمة وحدهُ في إقراره أو رفضه، وهو الخيار الذى لا يملك أحد على المستوى المحلي أو الدولي تجاوزه بأي حال من الأحوال.

إن نجاح العملية السياسية في ليبيا ظاهر الوضوح لكل من المبتدئين في السياسة كما أن المعرقلين لهذا المسار هم الذين تستقبلهم الدول المشاركة في ملتقى روما على البساط الأحمر في مشاهد مستفزة لإرادة الليبين الذين يطمحون بأن يقوم المجتمع الدولي بدوره الفعال لإعادة الاستقرار إلى ليبيا التي دُمرت جميع مقدراتها بفعل أساطيلهم وطائراتهم.

إن على المشاركين في مؤتمر باليرمو وعلى الأخص بعثة الأمم المتحدة برئيسها ونائبته أن يدركوا بأن احترام المسار الديمقراطي والاستفتاء على مشروع الدستور وتهيئة الظروف المناسبة لإجرائه في أجواء آمنة هو الطريق الوحيد دون غيره للدخول لمرحلة الاستقرار الدائم، وأن جميع الأجسام السياسية المشاركة في هذا المؤتمر فاقدة للشرعية الدستورية، فمجلس النواب مدد لنفسه بالمخالفة للإعلان الدستوري ومجلس الدولة نتاجً لاتفاق الصخيرات وأن كل مايبدونه من تخوفات على المسار الديمقراطي لايخرج عن كونه دفاعاً عن المكاسب التي اغتصبوها بمساعدة المجتمع الدولى لايمكن أن تكون بديلاً عن إرادة الشعب الليبي الذي اختار هيئة تأسيسية بالانتخاب العام الحر المباشر، وأنجزت هذه الهيئة مهمتها بكل شفافية وموضوعية، وأن الشعب وحده هو من يقرر قبول ما انتهت إليه أو رفضه.

فهل سيتمكن المناصرون لإرادة الشعب الليبي من دك قلعة المناوئين لطموح الليبين على رقعة الشطرنج الساخنة، ويتجه المشاركون إلى دعم الاستفتاء على مشروع الدستور تهيئة الظروف المناسبة لإجرائه، ووضع الذين يعرقلونه على قائمة العقوبات الدولية، والاتجاه جدياً إلى نزع سلاح المجموعات المسلحة وإدماجها وفقاً للتجارب الدولية المشابهة للحالة الليبية. أم أن للمعارضين لقيام الدولة الليبية وفقا لأسس ديموقراطية قول آخر.