دفعت الإرادة المحلية والإقليمية والدولية نحو تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة، وسط أمل حذر في تمكن الأجسام الجديدة في المستقبل من تجاوز عقبات سياسية وأمنية للوصول إلى بر الانتخابات، في وقت شابت عملية التصويت على المرشحين اعتراضات قانونية ودخلت التحالفات خلف كواليس المنتدى، أثيرت انتقادات لطرح رؤاهم في شكل برامج «انتخابية» تحتاج إلى سنوات لتنفيذها.

دفع أممي وضغط أميركي وأوروبي
وتظهر بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا، ومن ورائها الضغط الأميركي والأوروبي، رغبة في تمخض جولة التصويت المنعقدة في جنيف من الأول من الشهر الجاري وحتى الخامس منه على تشكيل رئيسين للمجلس الرئاسي وللحكومة تحت أي ظرف، بعدما وصفتها ممثلة الأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، بـ«الفرصة الحقيقية لاختيار سلطة تنفيذية موحدة»، مشددة على أن هذه السلطة ليست لـ«تقاسم الكعكة، بل صيغة لحكومة موقتة لوطنيين يوافقون على تحمل المسؤولية، ووضع السيادة الليبية بعيدا عن شبح التدخل الأجنبي».

وبينما سيتولى المجلس الرئاسي المكون من ثلاثة أعضاء عبر ممثلين من أقاليم طرابلس وبرقة وفزان مهمة قيادة البلاد نحو الانتخابات المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر، بعد إقرار دستور جديد إلى جانب الإشراف على الجيش وإعلان حالات الطوارئ واتخاذ قرارات الحرب والسلام بالتشاور مع مجلس النواب، سيكون رئيس الحكومة الجديد المعين أيضا مسؤولا عن إدارة الشؤون العامة لمواجهة أزمة اقتصادية وأمنية خانقة.

الحاجة إلى دعم دولي لنزع سلاح الميليشيات
وفي مرحلة لاحقة تحتاج السلطة الانتقالية إلى ضمانات دولية بالمساهمة في نزع سلاح الميليشيات، وحلها وإدماج بعضها في هياكل تنظيمية وتوحيد المؤسسات الاقتصادية والأمنية وإجراء مصالحة وطنية، حتى موعد الانتخابات لا سيما مع استمرار عدم الالتزام ببنود وقف إطلاق النار، وسط مخاوف من تكرار سيناريو رفض القادة القادمين خلال الفترة الانتقالية المحدودة التخلي عن سلطتهم لدى تنصيبهم، في ظل اعتبار بعض الشخصيات المرشحة الفترة الزمنية الممهدة لموعد الاستحقاق الانتخابي قصيرة.

واستند اختيار قادة ليبيا الجدد إلى آلية تقوم على تسمية مرشحي الأقاليم الثلاثة «طرابلس، وبرقة، وفزان» معتمدا على مبدأ التوافق في الاختيار، وإذا تعذّر التوافق على شخص واحد من الإقليم، يقوم كل إقليم بالتصويت على أن يتحصل الفائز على 70% من أصوات الإقليم.

وبعد تعذر ذلك، جرى تشكيل قوائم من كل الأقاليم مكونة من أربعة أشخاص، كل منهم يحدد المنصب الذي يترشح له «رئاسة المجلس الرئاسي، عضوية المجلس الرئاسي، رئاسة الوزراء»، وإنْ لم تحصل أي من القوائم على هذه النسبة، تتنافس في الجولة الثانية القائمتان اللتان حصلتا على النسبة الأعلى، على أن يتم اختيار القائمة التي تفوز بـ«50%+1» من الأصوات في الجلسة العامة.

تجاوز الاعتراضات القانونية على المرشحين
وتمكن الملتقى من تجاوز اعتراضات قانونية من لجنة الحوار التي طالبت باستقالة المرشحين من بينهم شخصيات سياسية وعسكرية وقضائية من متقلدي المناصب السيادية الحالية والتخلي عن جنسياتهم المزدوجة.

وبينما برر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح المرشح للمجلس الرئاسي موقفه قائلا: «ترشحت كنائب لأن لائحة المجلس تحظر الجمع بين منصبين ولا تحظر الترشح لمنصب تنفيذي».

- بالأسماء.. البعثة الأممية تعلن «رسميا» قوائم المرشحين لمناصب المجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة

- جريدة «الوسط»: سلطة محكومة بتوافق مصالح الداخل وحسابات الخارج

رد محمد الحافي المرشح للمنصب ذاته كونه رئيس المحكمة العليا، موضحا أنّ «القانون لا يلزمني بتقديم استقالتي، وإنما يمنعني من ازدواجية ممارسة القضاء والسياسة في آن واحد».

ودافع مرشحون يتقلدون حاليا مناصب حساسة عن فترة حكمهم بعدما رد عقيلة صالح على سؤال لأحد أعضاء الملتقى حول حرب العاصمة طرابلس، بأنه «لا أحد معصوم من الخطأ ويجب طي صفحة الماضي».

أما آمر المنطقة العسكرية الغربية التابعة لحكومة الوفاق، أسامة الجويلي، فشدد على دور المصالحة ووقف النزاعات المسلحة دون أن يُفصل في ذلك، في حين يرى المحسوب على تيار نظام معمر القذافي عمر أبوشريدة أن وضع قانون العفو العام في البلاد «ضروري لاستعادة هيبة الدولة».

ترحيب دولي بجولة جنيف
وحظيت جولة جنيف الحاسمة بترحيب أوروبي أميركي أفريقي لافت، اعتبرت خلاله بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا أن المشاركة الواسعة للقادة الليبيين في ملتقى الحوار السياسي «تؤكد سعي الغالبية العظمى من الليبيين نحو التغيير»، معربة في ختام بيانها الثلاثاء الماضي عن أملها في بناء حكومة توحّد الليبيين وتؤمّن لهم الاستقرار.

بدورها، أكدت فرنسا عبر بيان لسفارتها في ليبيا ضرورة انتخاب سلطة تنفيذية ليبية جديدة وموحدة، تكون مسؤولة عن قيادة البلاد إلى الانتخابات الوطنية المقبلة، وقالت إن «وقت التغيير لصالح وحدة ليبيا وسيادتها قد حان».

بالتوازي، رحب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، بالتوصل إلى قائمة المرشحين للخدمة في الحكومة الموقتة الجديدة والموحدة، والتي تشمل مناصب لمجلس الرئاسة ومنصب رئيس الوزراء، والمتوقع أن تشرف على الانتخابات الوطنية.

دعوة إلى أميركا للعب دور أكبر
وانتهز وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الزخم الدبلوماسي الجاري بتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس الجديد جو بايدن بشأن ليبيا، داعيا إياها إلى «إظهار المزيد من الاهتمام لأن لديها الوسائل والنفوذ للقيام بدور أكبر».

وفي حين أجرى أكبر مستشارين للرئيسين الأميركي جو بايدن والتركي رجب طيب إردوغان محادثات عبر الهاتف في أول اتصال رسمي بين البلدين منذ تولي بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة كان محورها الوضع الليبي.

وهي المحادثات التي جاءت بعد فرض واشنطن في ديسمبر عقوبات على تركيا، بسبب شرائها أنظمة الدفاع الروسية الصنع «إس-400».

توتر ميداني
وفي غضون ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية عودة العسكريين الليبيين من قوات حكومة الوفاق الذين شاركوا في دورات تدريبية على أنظمة الدفاع الجوي إلى بلادهم، بعدما كشفت وزارة الدفاع بـ«الوفاق» قبل أيام، أن نحو 1300 من عناصر جنودها أكملوا تدريباتهم مع القوات المسلحة التركية داخل ليبيا، على ثمانية عشر برنامجًا مختلفًا. وهي التدريبات المستمرة في مخالفة لبنود اتفاق اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» الموقع في 23 أكتوبر الماضي على تجميد العمل بالاتفاقات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي.

وعاد التوتر إلى عدة مناطق في وسط وغرب البلاد، على خلفية رفض «الميليشيات» المقربة من رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج مرة أخرى العملية السياسية التي بدأتها الأمم المتحدة، مهاجمة بشدة وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا، بينما تفجرت اشتباكات مسلحة، الثلاثاء الماضي، وفق تصريح الناطق باسم «غرفة عمليات تحرير سرت-الجفرة» الهادي دراه، قائلا إن «المواجهات وقعت وسط سرت إثر هجوم على مقر اللواء التاسع (الكانيات)، وأكد دراه أنّه لم يتبين إلى حد الآن أسباب تلك الاشتباكات».