بينما كانت سبها تحتفل الخميس الماضي بمهرجان الوحدة الوطنية في دورته الثانية، بحضور قدامى الرياضيين في ليبيا على رأسهم أبوبكر باني وعلي البشاري وصالح صولة وغيرهم، إلا أن اندلاع الاشتباكات المسلحة بين قبيلتي أولاد سليمان والقذاذفة جعل سكان المدينة يعيشون في قلق وتوتر جراء أصوات إطلاق الرصاص وقذائف الهاون والأر بي جي، لكن منهم من اعتبر الاشتباكات بين القبيلتين سحابة عابرة، غير أنه بعد ظهر الخميس الماضي أصبح الوضع لا يطاق، وعاد الناس إلى بيوتهم خوفًا من الرصاص العشوائي وقذائف الهاون.

خلال ساعات فهم الناس سبب اندلاع اشتباكات بين قبيلة أولاد سليمان والقذاذفة في حي المنشية، الذي يقطنه أولاد سليمان والقذاذفة الذين تربطهم مصاهرة وعلاقات اجتماعية قوية حسب ما ذكره حسن الرقيق أحد أعيان قبيلة أولاد سليمان، مؤكدًا أن الحرب ليست حلاً بين القبيلتين ولابد من جلوس الطرفين على طاولة الحوار والمصالحة.

هدنة هشة
أول مبادرة لوقف إطلاق النار كانت من المجلس الاجتماعي لقبيلة ورفلة في المنطقة الجنوبية؛ حيث تمت دعوة أعيان ومكونات سبها إلى اجتماع في إحدى صالات المناسبات الاجتماعية بحي المنشية، وجرى الاتفاق على تشكيل لجنة للاتصال والتواصل مع الطرفين المتنازعين، ونظم لقاء مع أعيان قبيلة القذاذفة الذين رحبوا بأي مبادرة لوقف إطلاق النار من جانبهم في أي لحظة شريطة التزام الطرف الثاني، وبينما كانت اللجنة متوجهة قبل المغرب إلى قبيلة أولاد سليمان أصبحت الاشتباكات في ذروتها، وعادت اللجنة إلى الصالة ومعهم موافقة قبيلة القذاذفة على وقف إطلاق النار، ثم تجدد التواصل مع الطرفين يوم الجمعة.

وصباح السبت عقد اجتماع ببلدة تمنهنت بحضور عدد من عمداء وأعضاء مجالس البلديات وأعيان ومشايخ الجنوب، واتفق الجميع بعد ساعة من المناقشات حول الوضع المتأزم على التوجه إلى مدينة سبها لمقابلة أعيان القبيلتين والجلوس معهم ومع مكونات سبها.

ورافق مراسل «بوابة الوسط» الوفد إلى منطقة المنشية؛ حيث عقد اجتماع كبير في أحد بيوت أولاد سليمان حضره عمداء وأعضاء مجالس بلديات وأعيان الجنوب وأعيان قبيلة أولاد سليمان، وطلب الوفد من أعيان أولاد سليمان ضرورة وقف إطلاق النار والتهدئة من أجل التوصل إلى حل، ورحبت القبيلة بذلك ووعدوا بالتواصل مع اللجنة المصغرة التي شكلت من عمداء وأعضاء مجالس البلديات وأعيان الجنوب.

لكن الاشتباكات زادت حدة بين الطرفين مستخدمين فيها الأسلحة الرشاشة وقذائف الهاون والآر بي جي، كما استخدمت دبابة، مما جعل عميد بلدية سبها حامد الخيالي يدعو جميع عمداء وأعيان ومشايخ ليبيا إلى التدخل لوقف إطلاق النار.

مركز سبها الطبي يعاني
وقال الناطق بمركز سبها الطبي لـ«بوابة الوسط» إن المركز استقبل يوم الجمعة قتيلاً وسبعة جرحى، ومع حلول الثلاثاء ارتفع عدد القتلى إلى 21 قتيلاً وقرابة 60 جريحًا، حول منهم قرابة 25 حالة إلى طرابلس للعلاج عبر مطار تمنهنت بينهم أطفال ونساء ورجال أصيبوا بعد سقوط قذائف على بيوتهم، ومنهم من أصيب برصاص طائش، وأجريت عملية جراحية في المركز لأحد المصابين في الاشتباكات، وتحدث بعض المصابين الذين رفضوا ذكر أسمائهم، وقالوا إنهم كانوا جالسين أمام البيت حين سقطت عليهم قذائف هاون.

وقال مصطفى محمد من السنغال المصاب برصاصة في ظهره، «خرجت للبحث عن خبز في حي المهدية، فأصابتني رصاصة لا أعرف من أين أتت فوجدت نفسي بمركز سبها الطبي». بينما قال أسامة الوافي الناطق باسم مركز سبها الطبي، إن المركز يعاني قلة الأدوية والمستلزمات الطبية، كما يعاني نقصًا في العناصر الطبية بسبب تغيب أغلبهم نتيجة الاشتباكات، وهناك من يعمل والمركز بحاجة إلى بعض فصائل الدم، ووصلت شحنة من الأدوية من شركة المدار للهاتف المحمول بطرابلس.

وفد ورفلة ينسحب
كما وصلت وفود من أعيان المنطقة الغربية من بينهم إبراهيم بن غشير أحد أعيان مصراتة، والطاهر البدري ومحمد المبشر رئيس مجلس أعيان ليبيا، وأعيان منطقة الجفرة إلى مدينة سبها، وعقدوا اجتماعًا في إحدى صالات المناسبات الاجتماعية في حي الناصرية، للتواصل مع الطرفين واللجنة المشكلة من قبائل مكونات سبها.

اقرأ أيضًا: أعيان فزان يتوصلون لاتفاق بوقف إطلاق النار بين أولاد سليمان والقذاذفة في سبها

وزار الوفد صباح الثلاثاء قبيلة أولاد سليمان، وانسحب من الاجتماع وفد قبيلة ورفلة بسبب وجود إبراهيم بن غشير في الوفد، ولكن باقي وفد المنطقة الغربية بقى في الاجتماع حتى توصلوا إلى اتفاق مبدئي مع أولاد سليمان بوقف إطلاق النار بين الطرفين، وتوجه الوفد إلى قبيلة القذاذفة التي رحبت بوقف إطلاق النار، وحددت الساعة السادسة مساء من يوم الثلاثاء موعدًا لوقف إطلاق النار، ولكن لحظات بعد الساعة السادسة سمع دوي قذائف الآر بي جي وخرقت الهدنة، وبعد اتصالات مكثفة أعلن الطرفان أنهما ملتزمان بالهدنة.

وفي مساء الثلاثاء سعت اللجنة المشكلة من مكونات وبلديات الجنوب إلى التوصل إلى اتفاق حقيقي بوقف إطلاق النار، وجلست في تلك الليلة مع الطرفين كل على انفراد للتوقيع على الهدنة، ونجحت اللجنة في فض النزاع بين قبيلة أولاد سليمان والقذاذفة بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار والتهدئة لمدة ثلاثة أيام قابلة للتمديد، اعتبارًا الساعة الحادية عشرة ليلاً.

قبيلتان شقيقتان
وفي تصريح خاص لـ«بوابة الوسط» أكد رئيس لجنة فض النزاع بين قبيلة أولاد سليمان والقذاذفة، إبراهيم مصباح أبوسبيحة، وجود مجهودات كبيرة من كل المكونات والأعيان سواء كانوا من الجنوب أو من المنطقة الغربية، ولإيجاد حل جذري للأزمة وإنهاء جميع المشاكل بين القبيلتين وتحقيق مصالحة حقيقية، كما أكد أن القبيلتين أقرب لبعضهما من أي قبيلة أخرى في ليبيا.

بينما قال أحمد الفضيل أحد أعيان قبيلة القذاذفة في حديثه مع مراسل «بوابة الوسط»: «إننا نتطلع إلى صلح دائم وليس إلى هدنة فقط. نحن وأولاد سليمان أخوة في الدين والمهجر والوطن والجهاد، ونحن أصهار وجيران ويكفينا من الدم والقطيعة، ونحن منذ أول يوم من الاشتباكات رحبنا واستجبنا لوقف إطلاق النار والصلح، وأن ما يجري ليس في مصلحة أحد من نزيف الدماء وشل حركة الحياة في المدينة، كما أن القذاذفة وأولاد سليمان أقرب القبائل لبعضهما في ليبيا، وأن هذه القطيعة وما يحدث الآن لن يستمر، ما ذنب الأطفال والنساء والعجائز في كل ما يحدث؟».

من جهته قال رئيس المجلس الاجتماعي لقبيلة أولاد سليمان سنوسي مسعود، «إننا لا نريد نزيف الدم ونحن مع وقف إطلاق النار، ورحبنا بكل الوفود واللجان التي جلست معنا سواء من سبها أو الجنوب أو من مناطق أخرى في ليبيا، وإننا نتطلع إلى السلم الاجتماعي وعودة الحياة إلى سبها وبناء ليبيا وقيام المؤسسات، وقد رحبنا واستجبنا لوقف إطلاق النار وجلسنا مع شبابنا وطلبنا منهم عدم إطلاق النار أو التعرض لأحد».

في حين شدد رئيس مجلس أعيان ليبيا، محمد المبشر، لـ«بوابة الوسط» على ضرورة «المصالحة وألا يقتصر العمل على إيقاف إطلاق النار». و«السعي إلى مصالحة حقيقية وجذرية بين قبيلتي أولاد سليمان والقذاذفة ليعم التسامح وصفاء النية»، مضيفًا «ربما تواجهنا العراقيل ولكن مع الإصرار لابد من متابعة أي اتفاق للصلح حتى يستمر».

اقرأ أيضًا: لجنة فض النزاع تعلن بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين القذاذفة وأولاد سليمان في سبها

وأشار المبشر إلى «تشكيل لجنة من جميع الوفود التي وصلت سبها لمواصلة التهدئة بين الطرفين»، مؤكدًا أن مجلس أعيان ليبيا للمصالحة «لا ينتمي إلى أي توجه سياسي وأن هدفه هو المصالحة بين الليبيين».

وقال رئيس حكماء سبها حسن الرقيق إن السبب الرئيسي في الاقتتال الذي حدث هو إهمال الدولة لمدينة سبها، وعدم قيام الأجهزة الأمنية بدورها، مبينًا أن الخلاف «70 % منه سياسي، كما أن القبيلتين لهما علاقات مصاهرة منذ تاريخ بعيد»، ومشددًا على ضرورة جلوس القبيلتين على طاولة حوار وإنهاء الخلافات بينهما.

سبها مدينة منكوبة
وقال عميد بلدية سبها حامد رافع الخيالي إنه وجه نداءً إلى كل عمداء البلديات في الجنوب وأعيان ومشايخ ليبيا للتدخل لوقف إطلاق النار بين الأشقاء في المدينة، وأعرب عن تطلعه إلى التوصل لمصالحة نهائية بين الطرفين، مضيفًا أنه عقد عدة اجتماعات مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، والمفوض بوزارة الدفاع المهدي البرغثي حول الأوضاع في مدينة سبها.

بدوره أعلن عضو المجلس البلدي سبها صالح بدر تشكيل غرفة طوارئ لمتابعة الأزمة في المدينة من قبل المجلس البلدي، والتواصل مع كل الأطراف ولجان الإغاثة ومتابعة الوضع في مركز سبها الطبي والمراكز والوحدات الصحية بالمدينة، موضحًا أن اللجنة تضم أعضاء من عدة مجالس بلدية بالجنوب والأعيان.

وعقد مجلس النواب جلسة برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس النواب إمحمد شعيب، والنائب الثاني الدكتور حميد حومة، نوقش فيها الوضع في سبها، وقال الدكتور حومة إن المجلس شكل لجنة للمصالحة في مدينة سبها، ولجنة للتواصل مع المجلس الرئاسي حول الأزمة، وأصدر بيانًا ناشد فيه الطرفين ضبط النفس والتهدئة ووقف إطلاق النار، كما أعلن أن مدينة سبها مدينة منكوبة.

وقال ضابط أمني كبير متقاعد لا يفضل ذكر اسمه، إن التهدئة والمصالحة في سبها تحتاج وجود مؤسسات دولة تدعم كل الاتفاقيات، ونبه إلى ضرورة تفعيل القضاء والسجون ومراكز الشرطة والأجهزة الأمنية في المدينة، مشيرًا إلى أن مديرية أمن سبها لا تستطيع العمل أو فرض الاستقرار من دون بحث جنائي ومباحث عامة وشرطة نجدة وإمكانات.

وطالب الضابط بضرورة محاسبة كل المطلوبين، لافتًا إلى أن تحقيق المصالحة يحتاج إلى تدخل الدولة بقوة لجبر الخواطر وتعويض المضارين عن الممتلكات المدمرة، وأن تعود الممتلكات من بيوت ومزارع وغيرها إلى أصحابها.

قرد وحفل زفاف بين الطرفين
واعتبر مواطنون ونشطاء مجتمع مدني في سبها ما حدث في المدينة «مبرمج من بعض سياسات الحكومات السابقة»، التي قالوا إنها «تركت سبها مرتعًا للجريمة ووكرًا للكثير من المجرمين الفارين من الشرق أو الغرب»، لافتين إلى أنهم طرف في الصراع وتأجيج الوضع في المدينة، ويستغلون حدوث النزاعات ليطلقوا النار، معتبرين أن الهدنة والتهدئة ليست في صالحهم.

وتسببت الاشتباكات المسلحة في إغلاق المدارس وشل الحركة في مدينة سبها، فيما أكد أحد شباب قبيلة أولاد سليمان لـ«بوابة الوسط» أن سببها «قرد يملكه شاب من قبيلة القذاذفة أطلقه أمام المدارس أثناء عودة البنات إلى بيوتهن، فكانت رد فعل بعض شباب أولاد سليمان عنيفًا»، ودعا العقلاء من القبيلتين إلى ضبط أبنائهم والعمل على مصالحة حقيقية.

اقرأ أيضًا: «عضو بلدي سبها» يناشد أطراف النزاع الالتزام بالهدنة

وأشار الشاب إلى أن يوم الخميس الماضي الذي اندلعت فيه الاشتباكات صادف حفل زفاف بين شاب من قبيلة أولاد سليمان وإحدى البنات من قبيلة القذاذفة»، في مفارقة تؤكد ضرورة إعادة الأوضاع إلى نصابها بين القبيلتين.

ويتخوف أهالي مدينة سبها من استغلال هدة الأحداث في الصراع السياسي، بعد تكليف القيادة العامة للجيش الليبي وحدات لتأمين سبها، بينما كلف المفوض بوزارة الدفاع بحكومة الوفاق اللواء السادس والقوة الثالثة بتأمين الجنوب.