في حوار سابق مع «الوسط»، قال الشاعر الليبي محمد المزوغي: «قد أعجز أحيانًا عن كتابة شطر بيت واحد، إلى أن تأتي القصيدة لوحدها، ولكن لا أظن أنني سأتوقف عن كتابة الشعر، التوقف عن الشعر مرادف للتوقف عن الحياة». وها هو يعود بنص جديد.
باغتيني كما يجيء الغزاة
أشتهي أن يُقَالَ لي: لا نجاةُ
ولتكوني رصاصةً لا تكوني
كلْمةً ليس تنفع الكلماتُ
كُلُّ ما لا يُقال أو ليس يُدرى
ينجلي حين تنطُقُ النظراتُ
أنا أدرى بالحزن لا تخبريني
كيف تصحو من نومها المأساةُ
كيف للحُزنِ أن يكون أميرًا
والرعايا قلوبُنا المتعَبَاتُ
فخطاي التي مشتْ بيَ قالت
ليس تفضي إلّا إليه الجهاتُ
قد ألفنَا الذهولَ منذُ رمتنا
في البعيد البعيد هذي الحياةُ
غرَّبَتْنَا كأنّها ليس تدري
أيّ جرحٍ تشقُّهُ الغُرُبَاتُ
القطاراتُ كلُّها غادرتنا
فلماذا الحقائبُ المثقلاتُ
لم تعد تعرف القصائد بيتي
قاطعتني القصائد الفاتنات
كل حرف كتبته كان نهرًا
جفّت الآن أنهري الجارياتُ
واضحٌ كالصباح لا غيم فيهِ
في حروفي لا تسكنُ المبهماتُ
كُلّما قلتُ: حُلّ لُغزٌ تنادتْ
من بعيدٍ لنصره الأحجياتُ
يا بلادي التي أحبُّ لماذا
فيك ألقت ظلالها الخيبات
المسافاتُ بين قلبٍ وقلبٍ
كيف تُطوى فتخنس الوسوسات
كيف كل الألوان ترسم خطّا
دون قيدٍ فتهنأ الفرشاة
يشعلُ النازحون آهةَ قهر
تتوارى من حرِّها الجمراتُ
يكتبون التاريخَ لا زيف فيه
فاقرأوهم فَهُمْ رُواةٌ ثِقاتُ
لا تثرثر إذا مررتَ بجرحٍ
تكسرُ القلبَ هذه الثرثراتُ
رحل الحبُّ عن بلادي وغنّتْ
للتعاسةِ الأنفسُ الحاقداتُ
قهوةُ الصُّبحِ في الشِّفَاهِ رمادٌ
والفناجينُ في المقاهي نُعاةُ
كيف حَلَّ (فيزوفُ) في الصَّدرِ هذي
زفراتي عن ناره منبئاتُ
كلما ثار أنجدتني دموعي
فهي في العين (دجلةٌ) و(لفراتُ)
يا بلادي أراكِ حُبلى بوعدٍ
من يديه لن تُنهبَ الأمنيات
كلّما سار سار تحت خطاهُ
شارعٌ لا يَمُرُّ منه الطُّغاةُ
أنجبيه لكي يجفِّفَ نهرًا
من عَذَابٍ فتهنأُ الأمّهاتُ
لا تقولي المواتُ لم يُبقِ نبضًا
فمن الموت قد تجيء الحياة
تعليقات