«الحاصيلو» مفردة بلهجتنا المحلية تأتي -غالبًا- في نهاية كلام المتحدث، وتقديري أن معناها هو حاصلُ الموضُوع، أي خلاصته وحصيلة الكلام.
وإن كانت الحصيلة تعني ما اكتُسب من الأموال وغيرها، أو ما نتج من توظيف المال والجهد؛ فإن «الحاصيلو» في هذه المقاربة تعني النتيجة الحاصلة ونهاية الكلام وحوصلة ما قيل بشكل ملخص ومكثف وشامل.
أما عن أسباب ورود تلك المفردة من المتحدث فربما كان وجهها الإيجابي، هو مراعاته للوقت والجهد، مع التأكيد على أن ذلك الإيجاز والاختصار لا يعني التفريط في الدقة والشمول وإنما حرصًا من قائلها على وقت المستمع أو القارئ.. فالخلاصة تشمل استعراضًا مختصرًا لكل ما سبق قوله أو كتابته.
ونأتي للسؤال: هل استخدامنا لمفردة «الحاصيلو» تعني حقيقة أننا نقول خلاصة القول أم أن قائل اللفظ يقصد به مآرب أخرى؟ وهل هي تتشابه مع عبارة أخرى، تستخدم لنفس الغرض، وهي عبارة تنطق (م الأخير) وتعني قول آخر ما لديه من الرأي بلا تمطيط؟
الأمر أظنه يحمل المعنيين.. الأول إيجابي وهو الحرص على تقديم الخلاصة من باب الاختصار والبعد عن الإسهاب والإطالة كما أسلفت؛ ومعنى آخر سلبي وهو ادعاء مبطن ومستتر للصواب وأن المتحدث يريد تقديم الحل النهائي.. بل في ظني حتى المعنى الأول قد يكون دافعه شعور المتحدث بتململ السامعين وبداية انصرافهم عن متابعة حديثه فيلجأ إلى مفردة «الحاصيلو» من باب الخداع ليوهم سامعيه بأنه اقترب من نهاية الحديث وتقديم الحوصلة والمختصر المفيد، ولكنه يستمر أحيانًا في حديثه بإسهاب وما استخدامه لكلمة «الحاصيلو» إلا بدافع تخدير السامعين ليواصلوا صبرهم عليه والاستماع له.
في المجتمعات التي عانت الاستبداد وحرمت من التعبير وحرية الرأي وعندما تتغير الأحوال وتسقط القوة القاهرة يظهر في المجتمع أفراد يسهبون في الكلام بلا معنى ويستغرقون في الحديث ويعشقون «الميكروفونات» دون أن يقدموا خلاصة ولا حصيلة فيما يقدمون المهم أن يتكلموا، مع أن تكرار الكلام بلا معنى وفيما لا ضرورة له، يجعل من صاحبه شخصًا مملًا، الكل يتجنبه نظرًا لما يسببه من إزعاج للمتلقي، وتضييع لوقته.
ولتبيان أهمية الإيجاز واختصار الكلام، كي تصل الرسالة المقصودة، كان القول بأن (البلاغة في الإيجاز)، ويقصد به التعبير عن الأفكار والمعاني الواسعة بأقل عدد من الألفاظ، وذلك بحذف الكلمات والعبارات التي لا لزوم لها دون أن يختل المعنى، أو بتضمين العبارات القصيرة معاني كبيرة.
من المعلوم أن عكس الإيجاز الإطناب، أي مجرد حشو كلام ورغبة في الإطالة، لذا قيل نصحًا: (خير الكلام ما قل ودل)، ومن هنا تبرز أهمية كلمة «الحاصيلو» بمعناها الإيجابي، فالمتحدث الذي أوجز، يبدو إيجازه دليلًا على بلاغته وقدرته على إيصال الفكرة دون أن يترتب على ذلك ملل السامع أو سأمه، فخير الكلام في القليل منه الدال على معنى.. ومن هنا «الحاصيلو» في جانبها الإيجابي منجاة من الثرثرة وكثرة الكلام والإطالة فيه، والقفز من فكرة إلى أخرى، ومن هامش إلى آخر، والدخول في تفاصيل زائدة والأمر لا يستحق أكثر من «كلمتين ورد غطاهم» كما يقال.. فالإطالة في الحديث بلا معنى قد تدفع تدخلًا مؤدبًا من أحد السامعين يبدي فيه علامات التململ والتذمر من كثرة الكلام، ثم يلمح إلى عدم الرضا والانزعاج، ومن ثم يلمح بالقول «لو سمحت اختصر»، ثم يصرح كفى «فقعت مرارتنا».
مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي «بوابة الوسط»
تعليقات