Atwasat

لا يلتقيان؟

نور الدين السيد الثلثي الثلاثاء 29 نوفمبر 2022, 02:23 مساء
نور الدين السيد الثلثي

يقول الرحّالة الإيطالي لويجي روبِكّي بريكِتّي، أحد دعاة الاستعمار الإيطالي لليبيا في أواخر القرن التاسع عشر: "المعركة هذه المرّة ليست ضدّ الإسلام كدين، وإنما كعقبةٍ في طريق تطوير حضارةٍ جديدة... لسنا في عالمنا الحديث مسيحيين أو مسلمين؛ بل نحن متحضّرون أو همجيون." قد يبدو في هذا القول تعبيرٌ دقيقٌ عن نظرة الكثيرين جداً في الغرب المتحضّر لشعوبنا العربية ’الهمجية‘ في القرن الواحد والعشرين أيضاً، وربما هو أدقّ وصفاً لهذه النظرة الغربية اليوم منه بالأمس. وفي الموقف الغربي من تنظيم قَطر لدورة كأس العالم لكرة القدم مثال.

لم تكن الإنشاءات الكبيرة والافتتاح المبهِر والتنظيم الدقيق للدورة محلّ التنويه الذي تستحقه، ولا كانت أخبار الدورة في المركز من الاهتمام الإعلامي لدى دول الغرب. انشغل الغرب بحملةٍ تنتقد، في جانبٍ منها، إقامة دورة كأس العالم في قَطر كونها حديثة العهد بكُرة القدم؛ وكأن تاريخ كرة القدم في الولايات المتحدة، مثلاً، وهي التي ستنظم الدورة القادمة سنة 2026، يعود إلى عهدٍ بعيد.

يظهر الجانبَ الثاني من الحملة في مقال رأي على موقع سي إن إن، جاء فيه: "في قَطر يودَع الصحفيون السجن إذا ما استقصوْا ظروف العمال المهاجرين، وفيها يُعامل المتنوعون جنسيا من الذكور والإناث والمتحوّلون من جنس إلى آخر معاملةَ المجرمين. المرأة في قطر تحتاج إلى إذن الرجل لكي تتزوج أو تسافر إلى الخارج للدراسة في كثير من الأحيان." قَطر وحدها مسؤولة عن الدفاع عن نفسها فيما يتعلق بمعاملة العمال الوافدين إليها، وفيما تجرّمه قوانينها من أنماط السلوك. أمّا ما يسمّى حقوق "المتنوعين جنسياً" فذلك موضوعٌ يتجاوز دولة قطر ليَمَسّ ثقافات أممٍ من المسلمين تَـعُدّ ما يقرب من ربع سكان العالم، ويمتدّ إلى أمم عديدة من غيرهم.

مساواة المتنوّعين جنسياً المعروفين باختصار LGBT (المثليّات، والمثليّين، ومزدوجي الميل الجنسي، والمتحوّلين من جنس إلى أخر) بغيرهم، تشمل على سبيل المثال الاعتراف بالزواج بينهم تماماً مثل زواج أي رجل وامرأة، وتغيير المناهج الدراسية بما يتفق مع اعتبار التنوّع الجنسي حقيقة طبيعية. هذه المساواة المزعومة كانت مخالفةً للقيم الثقافية السائدة في المجتمعات الغربية نفسها منذ بضعة عقود، لكن ذلك تغيّر ما يستوجب التغيير في غيرها من مجتمعات العالم كذلك. إمبريالية ثقافية بلا قناع

لا يحق لأحدٍ خارج المجتمعات الغربية أن يعترض على ما تعتبره سلوكاً طبيعياً سويّاً تعترف به قوانينها؛ وبالمثل لا يحق لتلك المجتمعات أن تعترض على اعتباره لدى غيرها من المجتمعات سلوكاً منكَراً. وإذا سلمنا بحق تلك المجتمعات في العمل على نشر قِـيَمها والتعريف بها، فذلك لا يكون من موقع سُمُوٍّ أخلاقي مزعوم أو استعلاء وإملاءٍ على الأدنى. غير أننا نرى، على العكس من ذلك، حملةً تجاوزت حدود اللياقة والكياسة وواجب احترام المعتقَد والاختلاف واحترام المُضيف على أرضه، واتّصفت بقدرٍ من الفجاجة عندما اختارت وزيرة داخلية ألمانيا أن تتحدى رئيس الدولة المضيفة ورئيس الاتحاد المنظّم للدورة بالجلوس في المنصة الرئيسية وقد وضعت شارة المثليين على ذراعها.

هل سيكون لهذه الحملة ما بعدها مما ستطلقه الدول الغربية في مناسبات قادمة ضدّ إغلاق الحدود في وجه اللاجئين والمهاجرين من لونٍ دون آخر، واغتصاب أرض الغير والميز العنصري ضدّه، وقوانين الإجهاض معه وضدّه، والحروب المؤسسة على الكذب وفي غير الدفاع عن النفس. أما قَطر، بغازها وأموالها، فستعود عزيزةً عليهم كما كانت عندما أنفقت أكثر من مائتي مليار دولار في الإنشاء والتجهيز لكأس العالم ذهب جزء كبير منها إلى الشركات الغربية.

لويجي بريكِتّي؟ كأنه ما يزال يعبّر عن نظرة الكثيرين في الغرب للشرق بعد رحيله بأكثر من قرن.