Atwasat

قراءة في مقال نيويورك تايمز حول سيف الإسلام

عبدالعزيز الغناي الجمعة 06 أغسطس 2021, 06:40 مساء
عبدالعزيز الغناي

عندما تسمع أن روبرت وورث كتب مقالا خاصة حول منطقة الشرق الأوسط ودول الربيع العربي وهو الكاتب المخضرم في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية والرئيس السابق لمكتبها في بيروت، فأنت تتوقع أنه ستكون بين يديك تحفة إبداعية مكونة من حروف وكلمات وجمل وسرديات واستنتاجات يسوقها الكاتب، وخاصة أن المقال مكتوب بأكثر من 8500 كلمة أي أنه من العيار الثقيل جدا، وأن الغرض من المقال هو لإجراء مقابلة في بلدٍ مؤشر المخاطرة فيه عالٍ، وانتظر وورث أكثر من عامين حتى تم التنسيق في هذه المقابلة، لكنه - ومن المؤسف - أن المقال والصور لم تكن في المستوى حقيقةً، ولازلت لن أرمي المنديل وسأقول أن المعنى قد يكون في بطن الكاتب هذه المرة، وأن الأيَّامُ سَتُبْدِي لَنا مستقبلا مَا كُنْا نجهله وستأْتِيْنا بالأَخْبَـارِ بما لَمْ نزود.

مقال وورث جاء مقالا عاما شاملا لم يخصص لسيف الإسلام فقط بل ذكر من خلاله الأوضاع في ليبيا قبل، وبعد الثورة وفترة حكم نظام القذافي، كما عرج على شخصيات قد التقاها منها فتحي باشاغا، وخالد المشري، وخليفة حفتر، والصديق الكبير، وبعض الشخصيات الأخرى كقائد إحدى الكتائب في حرب البركان الأخيرة، وأحد الناجين من مجزرة اليرموك عام 2011، وأحد ضحايا ميليشيات الكاني في ترهونة وإجرامهم الذي لم يمر ربما على تاريخ ليبيا لا القديم ولا الحديث.

ولك أن تعلم أن بجانب الصور الغريبة التي قطعا ليست لسيف الإسلام القذافي، والغرابة في طريقة التقاطها والمبرر غير المقنع لظهورها بهذه الطريقة، إلا أن هذا المقال الطويل الدسم لم يحتوِ إلا على 13 تصريحًا فقط لسيف الإسلام تبدأ بتعليقات عادية ومنطقية ومتوقعة حول الوضع في ليبيا وحول الربيع العربي، وحادثة النمريين في النمسا، وتعليقه على الانتخابات وردود الفعل الشعبية حول مجزرة أبوسليم، وعن آلية ظهوره لليبيين والتي كانت بطريقة أقل ما توصف بالسمجة بالحديث حول راقصات الملاهي الليلية، وتنتهي بتشبيه أن الشعب الليبي هو البحر وأن أبناء القذافي هم السمك الذي لا يستطيع المكوث خارج الماء.

كل ما سبق قد يفتح عديد الأبواب حول الشكوك وردود الفعل، فأنصار النظام الجماهيري شعروا بالسعادة الغامرة كون مرشحهم الأوحد وأملهم الأخير سيف الإسلام على قيد الحياة، بل يمارس السياسة، ولكن الصورة الرئيسية للمقال ليست لسيف الإسلام أبدا، والصورة الأخرى الجانبية أكثر غرابة التي ظهر فيها بوضعية جانبية وهو يشير بيده اليسرى في حركة لا معنى واضح لها على الإطلاق.

أهداف الكاتب قد تختلف بين المحلية والدولية، فالسكان المحليون استقبلوا الخبر كما أسلفت بتباين كبير فالخضر أو أنصار النظام السابق أعربوا عن سعادتهم وتفاؤلهم وأملهم ، بينما استقبل أنصار فبراير الخبر بكثير من الفكاهة والتندر، معللين الأمر بأن سيف قد قضى منذ سنوات، وأن هذه ليست إلا إيحاءات لابتعاث المهدي المنتظر في مخيلات الفاطميين على حد تعليقهم، أما ردود الفعل الدولية فقد تضاربت ففي البداية تعاطت كل وسائل الإعلام مع المقال، ولكن بعد ساعات بدأ الكل يطرح التساؤل الأبرز حول الصور والتي ليست للمَعْنِي وإن شابهت الساعدي معمر القذافي شقيق سيف الإسلام، والذي من المفترض أنه مسجون بحكم قضائي في طرابلس.

منصات التواصل الاجتماعي فيس بوك، تويتر، وكلوب هاوس انفجرت من أثر المقال، وعجت بالتنبؤات، والتحليلات والسرديات، حتى غطى هذا المقال على خبر افتتاح الطريق الساحلي المقفل بين الشرق والغرب منذ أكثر من 18 شهرا، وهو شريان الترابط التجاري والاجتماعي بين الشرق والغرب، مع إهمال الليبيين للحدث وتبريكات الحكومة ولجنة 5+5 العسكرية وعديد المؤسسات والسياسيين.

المقال الدسم لم يمر دون أن يتحدث عن أمور عديدة وبكل تفصيل وإسهاب مرورا بقضية ما يعرف بلوكربي إلى التطرق لنظام القذافي وطريقة حكمه، للتحدث عن عديد الجرائم في فترة حكم العقيد القذافي، كما تحدث أيضا عن أبرز شخصيتين ستنافسان سيف الإسلام حال عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية وهما فتحي باشاغا وخليفة حفتر، واللذان بَيّن الكاتب في المقال نقاط ضعفهما وقوتهما، دون تحيز أو تسويق واضح، فمن الواضح أن العدوان على طرابلس قد أفقد حفتر جزءا من الشعبية في شرق البلاد وغربها، وأن تعامل باشاغا مع العدوان، وَحَدّهُ من خطاب الكراهية وعدم الفجور في الخصومة، وعمله عملا بارزا في وزارة الداخلية قد مكن من شعبيته داخل الأواسط المحلية والدولية، فيما تسوء أحوال المواطن بعد حكومة الوحدة الوطنية يوما بعد يوم.

إن فكرة الذهاب إلى أن هذا المقال جامل شخصيات دون أخرى أو بالغ في بعض الأوصاف أو استهدف شعبية سيف الإسلام غير صحيح وغير منطقي ف نيويورك تايمز ليست تلك الصحيفة المغمورة التي يمكن أن تسوق لأحد لم يفز بانتخابات حتى، وليست وليدة اليوم، وإن وضعية الصور والملابس التي ظهر بها سيف الإسلام قد اختارها هو وليس المصور أو الصحيفة، وإن باشاغا فعلا يمثل طيفا شعبيا واسعا، وإن كثيرا من أنصار النظام السابق وسكان إقليمي برقة وفزان - ناهيك عن إقليم طرابلس - يرونه شخصا مناسبا لحكم ليبيا خاصة وأنه صاحب العلاقات الدولية الواسعة والتمثيل الجيد، ومحارب الميلشيات المتحرشة بالسلطة الناجح، ومعادٍ واضح للتيار الإسلامي الرديكالي الذي يحكم بعض مؤسسات الدولة الحساسة والمهمة، وشجاعته في حربه ضد الفساد وفي وقت عصيب، وإن بإمكان العديد من الأطياف الالتفاف حوله لتحقيق مصالحة عامة وشاملة بعد سنوات الاقتتال، والاحتراب والتشرذم، والفساد المستشري في أركان الدولة .