لم تعد المواطنة خديجة محمد من سكان مدينة بنغازي تسأل عن أي مواد كمالية حين تقصد محلات المدينة للتسوق، وتقول إنها أصبحت تكتفي باقتناء ما تيسر من المواد الأساسية. وخديجة والدة لأربعة أطفال تعمل في قطاع الصحة، طالتها شأنها شأن معظم سكان بنغازي أزمة تأخر المُرتبات ونقص السيولة، تضيف: «أشعر بأنني مرهقة جدا بسبب التفكير في كيفية التوفيق بين مصاريف المنزل واحتياجات الأطفال، أمام ارتفاع الأسعار المتزايد للسلع التموينية، بينما عليّ الانتظار شهرين حتى يتسنى لي تسلم جزء من مُرتبي، بعد عناء وقوف ساعات في طابور المصرف».

وتعاني مصارف المدينة نقصا في السيولة المالية، حيث حدد بعضها لزبائنه مبلغ من «300 - 500 دينار» كحد أعلى لسحب العملة، بينما فضلت مصارف أخرى وبعض المصارف غلق أبوابها، إلى جانب تأخر صرف رواتب موظفي الدولة، ما جعل حياة المواطنين المعيشية اليومية تتسم بالصعوبة والارتباك.
وأرجع رئيس لجنة إدارة السيولة بمصرف ليبيا المركزي في البيضاء، رمزي الأغا، تلك الأزمة إلى الحرب ضد الإرهاب، وما يُصاحبها من خوف وهلع المواطن، مشيرًا إلى أن ذلك «يدفع المواطن إلى سحب جميع مدخراته من البنوك لمواجهة أي طارئ».

واعتبر الأغا، في تصريحات إلى «بوابة الوسط»، الأسبوع الماضي، أن من أبرز أسباب الأزمة أيضا «انخفاض مستويات إنتاج النفط الليبي من حوالي مليون ونصف المليون برميل قبل ثورة 17 فبراير، إلى 300 ألف برميل» و«الهبوط الكبير في سعر برميل النفط عالميا؛ مما أدى إلى انخفاض موارد البنك المركزي من العملة الأجنبية».

ويشكو غالبية المواطنين من ارتفاع أسعار السلع التموينية الأساسية كالدقيق والزيت والحليب، فضلاً عن الخضار والفاكهة واللحوم، إذ تراوح كيلو لحم الضأن من 25 إلى 27 دينارا، وتراوح كيلو لحم الدجاج من 8 إلى 10 دينارات، ويباع كيلو الموز أو التفاح بستة دينارات، بينما تتفاوت أسعار الجُبن والتونة والحلاوة والمربى وحفاضات وحليب الأطفال من منطقة إلى أخرى، بل من شارع إلى آخر، يصل فرق السعر من محل تجاري لآخر إلى 3 أو 4 دينارات.

ويسرد المواطنون المصطفون أمام المصارف في طوابير أصبحت مألوفة لسحب رواتبهم بعض القصص التي تصور معاناتهم، منذ أن تفتح تلك المصارف أبوابها إلى أن تغلق.

فيقول المواطن محمد الورفلي، وهو رب أسرة تتكون من «7» أفراد، يعمل بقطاع التعليم، ولم يتقاض راتبه «700 دينار» منذ شهر يناير الماضي: «أسعار السلع التموينية والغذائية مُرتفعة، وهي شبيهة بالأسعار السياحية التي يعجز المواطن الليبي عن اقتناء الكثير منها، ويكتفي بما هو أساسي».

أما المواطن خالد العقوري «عسكري»، رب أسرة تتكون من «3» أفراد، فهو لم يتقاض راتبه منذ شهر نوفمبر من العام الماضي، ويؤكد أنه بات عاجزا عن توفير الاحتياجات الأساسية لأطفاله، ورغم أن زوجته تعمل هي الأخرى، ما يفترض أن يساعد أسرته على تجاوز الأزمة، إلا أن تأخر صرف الرواتب وأزمة السيولة في المصارف، أثقلت كاهله، فلم يستطع وفق كلامه لـ«بوابة الوسط» سحب أكثر من 500 دينار من المصرف.

ويؤكد غالبية التجار أن ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار الليبي ساهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار بشكل عام، ويحمّلون أصحاب شاحنات النقل جزءا من مسؤولية رفع الأسعار، برفعهم أسعار النقل أيضا، وكذلك ملاّك المحال التجارية لرفعهم قيمة تأجير محلاتهم للتجار.

ويأبى أهالي المدينة، على الرغم من الأزمة بوجوهها المختلفة، والاشتباكات العنيفة التي تشهدها مناطق الصابري وسوق الحوت القريبة من وسط المدينة، إلا أن يخرجوا للتجول في عدد من شوارع بنغازي التجارية، للتسوق أو الترفيه.