Atwasat

في حوار مع «الوسط».. رئيس مصلحة الآثار يكشف أسرار «أكبر سرقة في التاريخ»

القاهرة - بوابة الوسط: هبة أديب الجمعة 23 يونيو 2023, 07:35 صباحا
WTV_Frequency

لم «تفوت» معاول اللصوص و«العصابات المنظمة» فرصة التراجع الأمني، وراحت تنقب في تلك المنطقة، واستخرجت العديد من الكنوز التي استطاعت تسويقها خارج البلاد، ولا تزال آلاف القطع الأثرية مفقودة، ولخطورة هذا الأمر فتحت «الوسط» ملف الآثار الليبية مع المسؤول الأول عنها، رئيس مصلحة الآثار الليبية محمد فرج محمد الذي أوضح تفاصيل ما اعتبره البعض أكبر سرقة أثرية في التاريخ.

وحول خريطة آثار ليبيا التاريخية، يقول فرج: التنوع الذي تشهده ليبيا نستطيع أن نقسمه أفقياً إلى المنطقة الساحلية ومناطق جبال أكاكوس ومادونا الصحراء وغيرها، والتي تحوي آثار حضارات موغلة في القدم، بالإضافة إلى منطقة جبال أكاكوس، والمنطقة الساحلية، مثل شحات لبدة وصبراتة وغدامس.

كنوز ليبيا المهملة
وعن السبب وراء إهمال هذا الكم من الآثار التاريخية وعدم التفكير في تسويقها، يوضح فرج: هذا الكم الهائل والتنوع بما يحمله من زخم ثقافي متنوع، لم يجد العناية الكافية، والتسويق المناسب، ربما بسبب طبيعة الاقتصاد الليبي خلال عقود، واعتماده على النفط كمورد رئيسي، ما جعل الدولة تهمل الاهتمام بالمجال السياحي عامة والحفاظ على الآثار، والبحث عن مردود لها بشكل خاص.

وأشار فرج إلى وجود أسباب جانبية أثرت على الاهتمام بالآثار، منها أن ليبيا ظلت لفترات طويلة بلداً مغلقاً والحصار الذي طالها فترة التسعينيات، بالإضافة إلى الهاجس الأمني الكبير، خاصة في الفترة ما قبل 2011، ما أسهم في إهمال الآثار كمصدر يوفر دخلاً كبيراً. ببارقة أمل تشوبها الحسرة، يكمل فرج: خلال الفترة ما بين 2005 وحتى 2011 تحديداً، طلت بشائر سياحية على ليبيا – وصفها بالمحتشمة – لا تقارن بالطبع مع دول الجوار مثل مصر وتونس، إلا أن الأمل لا يزال موجوداً – إذا توفر المناخ المناسب – لتتحول ليبيا إلى وجهة سياحية عالمية تمتلك بالفعل مؤهلاتها الطبيعية رغم احتياجها إلى مقومات البنية التحتية.

8 آلاف قطعة آثار مسروقة
ويؤكد مدير مصلحة الآثار الليبية أنه خلال فترات عدم الاستقرار تعرضت آثار ليبيا لسرقات – وصفها بالمحدودة والمعلومة لدى المصلحة - موضحاً أن أكبر واقعة سجلت في ليبيا بعد أحداث 2011 كانت في مدينة بنغازي للوديعة المصرفية التي كانت موجودة بأحد المصارف التجارية ومودعة من قبل المصلحة منذ السبعينيات.

ويسرد فرج تفاصيل الواقعة الأكبر قائلاً: الوديعة عبارة عن مجموعة من القطع الأثرية صغيرة الحجم تعود إلى فترات تاريخية مختلفة، نقلت منذ الحرب العالمية الثانية إلى عدة أماكن في المنطقة الشرقية، ثم وصلت إلى المنطقة الغربية، ثم إلى إيطاليا قبل أن تعود إلى ليبيا، وتستقر داخل المصرف العام 2012، حينما سرق جزء كبير، نحو 8 آلاف قطعة أثرية فضية وبرونزية وذهبية، ولا يزال البحث عنها مستمراً.

ونتيجة حالة عدم الاستقرار، طالت السرقة متحف بني وليد مرتين، لنحو 127 قطعة، من بينها أواني دفن الموتى أو ما يعرف بالقرن، وأدوات جنائزية رخامية، ولا يزال البحث عنها مستمراً، كما تكرر الأمر في متحف سلطان، حيث تعرف المدينة بحالة عدم الاستقرار.

سرقات مسجلة وبيانات مزورة وصلت إسرائيل
ويرصد فرج الوضع على الأرض، موضحاً أن مصلحة الآثار سجلت العديد من السرقات التي تعود إلى الحفر غير المشروع، خاصة في المنطقة الشرقية، الغنية بالمقابر الإغريقية، حيث استغلت معاول اللصوص و«العصابات المنظمة» حالة التراجع الأمني، وراحت تنقب تلك المنطقة، واستخرجت العديد من الكنوز التي استطاعت تسويقها خارج البلاد، لتجد طريقها إلى العديد من دول العالم.

وأوضح أن تلك الكنوز وصلت إلى العديد من الدول الأوروبية وأميركا وغيرها، حتى أن هناك بعض القطع وصلت أيضاً إسرائيل. وعن آلية خروج تلك القطع إلى أسواقها، يعتقد مدير مصلحة الآثار أن هناك بعض المحطات والبلدان لعبور هذه القطع قبل الوصول إلى دول أوروبا وأميركا وغيرها، ويجري استصدار شهادات ملكية مزورة، لعرضها داخل قاعات الفن لبيعها.

للاطلاع على العدد المزدوج 396-397 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وشهد العام الماضي أيضاً استرجاع «فوستينا الصغرى» من النمسا، وهي إحدى القطع الأثرية المهمة، التي عادت إلى بيئتها الأصلية في متحف سوسة، حيث سرقت في أربعينيات القرن الماضي من قبل الجنود الألمان، إبان الحرب العالمية الثانية، لتجد طريقها إلى النمسا.

كيف تستعيد ليبيا كنوزها المهاجرة
فرج يشير إلى جهود الجهات المعنية لاستعادة الآثار المهربة قائلاً: استطعنا من خلال شبكة الأصدقاء في الخارج خاصة التعاون الكبير مع بعثة الآثار الفرنسية، تتبع حركة هذه القطع المميزة، والوصول إلى أعداد لا بأس بها في بعض الدول مثل إسبانيا وسويسرا وإسرائيل وفرنسا والمملكة المتحدة، وتمكنا من استرجاع مجموعة منها، وبصدد استرجاع مجموعات أخرى من خلال اتفاقات ثنائية مشتركة أو مذكرات تفاهم، كما هو الحال مع مذكرة التفاهم المبرمة مع حكومة الولايات المتحدة الأميركية. حينما أبرمت حكومة الوفاق الوطني مذكرة تفاهم مع حكومة الولايات المتحدة الأميركية، والتي أسفرت عن إعادة 13 قطعة، بعدما أبرمت بين العامين 2018 و2022، وبصدد تجديدها الآن لـ5 سنوات أخرى.

نظرة للمستقبل
وتعمل حكومة الوحدة الوطنية الموقتة على اتخاذ خطوات مستقبلية للاهتمام بالآثار، على رأسها إعادة افتتاح المتحف الوطني بطرابلس كمشروع مشترك بين ليبيا واليونسكو، وهو ممول بالكامل من طرف الدولة الليبية، ويتكون من 4 طوابق تمثل التسلسل التاريخي لتعاقب الحضارات على هذه الأرض. وفق مدير مصلحة الآثار.

وتابع فرج: تعمل الحكومة على صيانة وترميم متحف ليبيا الكائن في قصر الخلد، في طرابلس، بالإضافة إلى استكمال مشروع المتحف الإسلامي في منطقة سيدي خليفة بالمدينة طرابلس، ما يعكس الاهتمام المتنامي بالآثار الليبية.

وعلى الجانب القانوني يشرف مكتب المستشار النائب العام على هذا الموضوع، ومتابعة مجموعة من القضايا المهمة والتعديات والانتهاكات لبعض المواقع الأثرية، حيث شهدنا خلال الفترة الماضية العديد من القضايا التي أحيلت إلى مصلحة الآثار للتأكد من هذه القطع، بالإضافة إلى إنشاء نيابة النظام العام، التي أصبحت تختص بجرائم الآثار، بعدما كانت تحال في السابق إلى نيابة الجرائم الاقتصادية.

المهمة المستحيلة
ويشرح فرج الآلية التي تتحرك بها مصلحة الآثار، موضحاً أن حيثيات قانون الآثار الليبي رقم 3 لسنة 1995، يضع مسؤولية ترميم وصيانة الآثار والمواقع والمعالم الأثرية ضمن اختصاصات المصلحة، لافتاً إلى أن المهمةصعبة لأنها تحتاج إلى إمكانات مادية وبشرية تعجز عنها المصلحة في الوقت الراهن.

وأشار إلى أن المصلحة – منذ تسعينيات القرن الماضي – شرعت في إجراء صيانة الآثار في مناطق الصحراء، كما يستمر العمل بشكل دوري في مناطق شحات وصبراتة، بأيادي الفنيين الليبيين.

تراجع دور بعثات الآثار الدولية
ويلفت إلى أن المصلحة تعتمد أيضاً على بعثات أثرية من جنسيات مختلفة، مثل إيطاليا وفرنسا وبولندا وألمانيا، للمساهمة في عمليات الحفر الترميم والدراسة فيما سبق. وأشار إلى أن التعاون مع تلك البعثات تراجع بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة بسبب عدة عوامل، منها، الجانب المادي، إذ كانت تلك البعثات تحصل على تمويل من حكوماتها، قبل الطفرة النفطية في ليبيا، إذ توقف التمويل اللازم للعمل، بالإضافة إلى تأثير الجانب الامني على عمل البعثات.

للاطلاع على العدد المزدوج 396-397 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

ولفت فرج إلى أنه بعد تراجع دور البعثات الخارجية، وعدم وجود شركات متخصصة، أصبحت المصلحة وحدها في الميدان تعاني من نقص الخبرات والخامات والمواد اللازمة لأعمال الصيانة والترميم، وتجري «الإسعافات الأولية» للمناطق الأثرية المتضررة نتيجة العوامل الطبيعية.

ليبيا واليونيسكو
وعلى مستوى المنظمات الدولية، أشار فرج في حواره مع جريدة «الوسط» إلى إن المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) – منذ ثمانينيات القرن الماضي – سجلت 5 مواقع ليبية ضمن التراث العالمي، وعملت على توجيه التنبيهات والإرشادات إلى الكوادر الليبية للحفاظ على التراث الإنساني خلال فترات مضت، ولكن تراجع دور المنظمة العالمية بسبب الوضع الأمني، ووضعت المواقع المسجلة ضمن ما يعرف بـ«لائحة الخطر».

وأكد مدير مصلحة الآثار اليبية أن وضع المواقع المسجلة ضمن التراث الإنساني على قائمة الخطر، له أيضاً جوانب إيجابية، منها لفت انتباه الدولة إلى هذا الموضوع لاتخاذ تدابير أكتر حزماً، ولفت نظر العالم أيضاً إلى أهمية دعم هذه المواقع، سواء بتخصيص أموال لصيانة المعالم الأثرية أو حمايتها.

وتابع فرج: نحتاج إلى بناء قدرات فنيي مصلحة الآثار لمواجهة الأخطار التي قد تتعرض لها هذه الآثار، وأيضاً إدارتها بشكل أمثل، وفي سبيل ذلك تحصلنا على بعض المنح في هذا المجال، مثل مشروع التدريب الذي استمر لمدة 3 سنوات، استطعنا من خلاله بناء قدرات كبيرة في مجال حفظ التراث الثقافي، وكيفية تتبع الأخطار أو تقييم الضرر الحاصل عليها وكيفية استخدام التقنيات الحديثة لهذه الأغراض، بالإضافة إلى مشروع يستهدف أيضاً 3 مدن مسجلة ضمن قائمة التراث العالمي في المنطقة الغربية وصبراتة وغدامس، بهدف بناء قدرات في إدارة هذه المواقع حسب المعايير المتعارف عليها دولياً، وتخصيص بعض الأموال لمشاريع مصغرة داخل هذه المدن.

عوامل طبيعية ولا يوجد تخريب متعمد
ويرى رئيس مصلحة الآثار الليبية أن جل الضرر الذي وقع على المواقع الأثرية في الداخل الليبي، هي أضرار ناتجة عن عوامل طبيعية، حتى خلال فترة عدم الاستقرار الأمني، مضيفاً «لم نشهد أي عمليات تخريب طالت المواقع، أو تدمير وتشويه كما حدث في بلدان أخرى، بل على العكس شهدت ليبيا جانباً كبيراً ومهماً من الوعي المجتمعي، وهناك مجموعات قامت على حماية مدن أثرية كاملة مثل السرية التي تأسست لحماية مدينة لبدة التي لم تشهد أي تخريب، باستثناء بعض الأعمال المنفردة في العام 2017 حينما طال النزاع المسلح الذي طال المنطقة الواقعة بين طرفين متقاتلين.



تعاون مفقود
وحول التعاون مع الجهات المختصة في وزارة السياحة، يقول فرج: للأسف لا يوجد تعاون حقيقي في الوقت الراهن بين مصلحة الآثار ووزارة السياحة، موضحاً: «مصلحة الآثار كمؤسسة ثقافية تُعنى بإدارة وحفظ الممتلك الثقافي، تختلف حقيقة عن وزارة السياحة التي تهتم بتسويق هذا المنتج، أحياناً دون مراعاة لمثل هذه الضوابط، وهو شيء يقلق مصلحة الآثار، فإذا تحدثنا على سبيل المثال عن رغبة وزارة السياحة في تبني إطلاق مهرجان ثقافي أو ما شابه على مسرح صبراتة، فإن ذلك سيواجه حتماً بالرفض من مصلحة الآثار، لأنه يحتاج إلى عمليات ترميم، وهذا مثل يعطي الانطباع عن العلاقة بين هذه المؤسسة الثقافية والمؤسسة الربحية التي تفكر في تسويق منتج بهدف الحصول على ربح، وهي مسؤولية الدولة في مستوياتها العليا، فقبل التفكير في تسويق مثل هذا المنتج من الضروري خلق بنية تحتية مناسبة لذلك».

وأوضح فرج: ليبيا بلد غني جداً بالتنوع الثقافي والمنتوجات الأثرية، ويحتاج إلى توفير المرافق الخدمية التي تساعد على تنشيط السياحة، سواء كانت داخلية أو خارجية، فالسائح حينما يريد أن يذهب إلى مقصد في الشرق أو الغرب ويقطع مئات الكيلو مترات يحتاج إلى بنية تحتية قوية مثل المواصلات والخدمات والفنادق والمطارات، ولكن العلاقة بين المصلحة ووزارة الآثار مبتورة.

أعمال ترميم في أحد المواقع الأثرية في ليبيا، (أرشيفية: الإنترنت)
أعمال ترميم في أحد المواقع الأثرية في ليبيا، (أرشيفية: الإنترنت)
قطع أثرية ليبية مهربة إلى الخارج، (أرشيفية: الإنترنت)
قطع أثرية ليبية مهربة إلى الخارج، (أرشيفية: الإنترنت)
قطعة أثرية ليبية مهربة إلى الخارج، (أرشيفية: الإنترنت)
قطعة أثرية ليبية مهربة إلى الخارج، (أرشيفية: الإنترنت)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
مداهمة بيت مهجور بصبرانة يستخدم لتفكيك المكيفات المسروقة
مداهمة بيت مهجور بصبرانة يستخدم لتفكيك المكيفات المسروقة
ضبط وافد متلبسًا بسرقة أغراض مسجد في بنغازي
ضبط وافد متلبسًا بسرقة أغراض مسجد في بنغازي
«وسط الخبر» يناقش الملف: أكاديميو ليبيا.. تجاهل حكومي ونضال حقوقي مستمر
«وسط الخبر» يناقش الملف: أكاديميو ليبيا.. تجاهل حكومي ونضال حقوقي...
«النيل للطيران» تدشن رحلاتها بين القاهرة وسبها الأسبوع الجاري
«النيل للطيران» تدشن رحلاتها بين القاهرة وسبها الأسبوع الجاري
أحكام بسجن 6 مسؤولين سابقين بمصرف الجمهورية في طرابلس
أحكام بسجن 6 مسؤولين سابقين بمصرف الجمهورية في طرابلس
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم