بعد إطلاق المبعوث الأممي عبدالله باتيلي ما سُمي مبادرة، بهدف حلحلة الأزمة الليبية وصولاً إلى إجراء انتخابات عامة نهاية العام الحالي، لم يكسر حالة الجمود التي يعيشها المشهد الليبي سوى خطوتين عمليتين، الأولى هي الاتفاق على تشكيل لجنة «6+6» السياسية، والثانية تتمثل في عودة حراك لجنة «5+5» العسكرية المشتركة، لتأخذا كما هو مفترض زمام المبادرة لبناء توافقات محلية تماهيًا مع المسار الذي حددته مبادرة باتيلي، فيما ظهر ما اعتبره متابعو الشأن الليبي ضغطاً أميركيًا على الأطراف المعنية لتسريع إيقاع العملية السياسية التي تقودها و ترعاها الأمم المتحدة عبر بعثتها في ليبيا.

ولم يخلُ انتخاب مجلس النواب أعضائه الستة الذين سيمثلونه في اللجنة المشتركة لإعداد قوانين الانتخابات «6+6»، من رهان سياسي على إمكانية التوافق على صياغة إطار دستوري تجري عبره الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة، وذلك تنفيذا لنص الفقرة (ب) من المادة 30 في التعديل الدستوري الثالث عشر، الذي ينص على تشكيل لجنة مشتركة من البرلمان ومجلس الدولة لتنفيذ هذه الغاية، في انتظار عقد الأخير جلسة خاصة خلال أيام لاختيار ممثليه الستة.

جولات مساعدة وزير الخارجية الأميركي في ليبيا
وعلى خلفية قناعة واشنطن بالفرص الضئيلة لتوافق الهيئتين التشريعيتين قبل انقضاء مهلة باتيلي لهما بحلول يونيو المقبل، جاءت جولات مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف بمعية وفد دبلوماسي إلى عاصمتي شرق وغرب ليبيا لتبليغ مجموعة من الرسائل المباشرة ذات شقين: سياسي وعسكري.

للاطلاع على العدد 383 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وفي زيارتها إلى بنغازي ثم طرابلس، رافق ليف المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند والقائم بأعمال السفارة ليزلي أوردمان، فالتقوا في مباحثات منفصلة مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وقائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر، وبعدها مع باتيلي وعبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.

وعقب لقاء باتيلي، قالت السفارة الأميركية بليبيا عبر «تويتر»، إن ليف «شددت على دعم واشنطن الكامل لجهود المبعوث الأممي، وعمله مع القادة والمؤسسات الليبية لوضع إطار دستوري وجدول زمني للانتخابات هذا العام».

دعم أميركي كامل لباتيلي
ويُفهم من حصول باتيلي على «الدعم الكامل» من واشنطن، أنها لن تقف متفرجة حيال محاولات إجهاض مبادرته بتشكيل لجنة تسييرية خاصة، وأن على كل من صالح والمشري القبول بتشكيلها، لا سيما بعد أن واجهت الخطة الأممية مناورات صد من رئيسي مجلسي النواب والدولة، إذ قال صالح في تصريحات إن إصدار التشريعات هو من اختصاصه وليس من اختصاصات المبعوث الأممي وأن باتيلي «ليس حاكم ليبيا»، فيما أكد المشري «دعم المجلس لأية جهود تفضي لعقد الانتخابات»، لكنه اشترط أن تكون «واضحة وعلى أسس دستورية وقانونية سليمة».

ودلل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال جلسة استماع بلجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ، الأربعاء على اهتمام الولايات المتحدة بالحالة الليبية، مشيرًا إلى أن بلاده تعمل بنشاط كبير لاستئناف حضورها الدبلوماسي في ليبيا رغم امتناعه عن تحديد موعد لإعادة فتح السفارة الأميركية هناك. وأضاف بلينكن «هناك أيضا لحظة مهمة، إذ من خلال عمل مبعوث الأمم المتحدة قد يكون هناك، وأؤكد ربما طريق للمضي قدماً في تحريك ليبيا في اتجاه أفضل بما في ذلك إجراء انتخابات لحكومة شرعية، ويشارك دبلوماسيونا بقوة في ذلك».

ولم يكن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بعيدًا عن هذا، بالنظر إلى تصريحات أميركية متتالية لا تحبذ تشكيل حكومة جديدة قبل إجراء الانتخابات، وعزز ذلك عدم لقاء الدبلوماسية ليف رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا في بنغازي.

اهتمام أميركي بالمسار العسكري
أيضاً حظي المسار العسكري والأمني بأولوية في أجندة التحرك الأميركي في ليبيا ضمن مساعٍ لتوفير مناخ آمن في البلاد لإجراء الانتخابات، وظهر ذلك واضحاً في محتوى محادثات ليف، التي أجرتها مع أطراف الأزمة الرئيسيين، وفي مقدمتها عدم المساس باللجان المكلفة بحماية الاقتراع لتعزيز الثقة في نزاهة هذه الانتخابات.

للاطلاع على العدد 383 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وتزامن هذا مع توقيع رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية الموقتة الفريق أول ركن محمد الحداد، مع رئيس الأركان الإيطالي الأدميرال كافو دراجوني، اتفاقاً فنياً لتدريب القوات الخاصة خلال زيارته إلى العاصمة روما، قبل أيام من عقد رئيسي الأركان عبد الرزّاق الناظوري بالقيادة العامة والحدّاد برعاية باتيلي، اجتماعاً في تونس ضمن لجنة «5+5» اتفقوا على تشكيل نواة أولى للقوة المشتركة، ومن مهامها تأمين الانتخابات وحماية الحدود الجنوبية.

وفي هذه الأثناء جاء التقرير السنوي لمكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل التابع لوزارة الخارجية الأميركية للعام 2022، عن محافظة حكومة الوحدة الوطنية الموقتة على نفوذ محدود خارج طرابلس ومناطق معينة في الشمال الغربي حيث قواتها الأمنية تتكون من «مزيج من الوحدات شبه المنتظمة والمتكاملة اسمياً، والجماعات المسلحة القبلية، والمتطوعين المدنيين»، معتبراً أن «السلطات المدنية كانت لها سيطرة اسمية فقط على الشرطة وجهاز الأمن»، في مقابل ذلك حافظت قوات القيادة العامة على سيطرة فعلية كبيرة في الشرق والجنوب.

عودة الحديث عن القوات الأجنبية في ليبيا
ولفت التقرير الأميركي إلى ورود تقارير تفيد بأن «عناصر من قوات الأمن متحالفة مع كل من حكومة الوحدة الوطنية والقيادة العامة، بما في ذلك عناصر متعاقد معها من مجموعة فاغنر الروسية، ارتكبوا انتهاكات عديدة»

وفي ظل الحملة الأميركية على وجود قوات «فاغنر» الروسية في أجزاء من البلاد، ينبه كثيرون إلى خطورة موازية تتمثل في وجود المجموعات المسلحة من أفارقة وأتراك وما يشكله ذلك من تهديدات محتملة للمسار الانتخابي.

وربما كان هذا أحد الأسباب التي دفعت وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى تبرير وجود قوات لبلاده غرب ليبيا، وقال في تصريحات لوسائل إعلام تركية الإثنين حول زيارته مصر ولقائه وزير الخارجية سامح شكري، إن «القضية التي لا ترتاح لها مصر هي وجودنا في ليبيا، ونحن نقول منذ البداية إن وجودنا هناك لا يشكل خطراً على مصر، وستشهد الفترة القادمة مزيداً من التنسيق والتشاور في هذا الاتجاه».