كشف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة واقعة تهريب أدوية مغشوشة ودون المستوى المطلوب إلى ليبيا عبر الحدود الجنوبية للبلاد من أسواق دول منطقة الساحل الأفريقي.

وقال المكتب في تقرير حمل عنوان «الاتجار بالمنتجات الطبية في الساحل»، عن هول الاتجار غير المشروع في الأدوية المغشوشة المتداولة بنسب تتراوح بين 19 و50% من إجمالي الأدوية في أسواق دول الساحل الأفريقية.

الأدوية المغشوشة تتدفق من الجنوب
ومن تشاد والنيجر المجاورتين تتدفق الأدوية المقلدة إلى منطقة سبها في ليبيا عبر الطرق الرئيسية برًا سواء سيارات أو شاحنات أو حتى دراجات نارية، وفق التقرير الأممي.

ويكمن العبث بصحة المواطنين بإقدام العصابات على تزوير اللقاحات المضادة لعدة فيروسات، على سبيل المثال في النيجر، عندما شهدت البلاد تفشي مرض التهاب السحايا في العام 2015، لم يكن المخزون من اللقاح كافيا لتلبية الطلب، فما كان من الحكومة والصيدليات إلا اللجوء إلى تجار الجملة في الدول المجاورة لسد الفجوة. وبعد أن لاحظ أحد العاملين في مجال الرعاية الصحية اللقاحات المعبأة بشكل مشبوه أظهر التحليل المختبري أن بعض المركبات المضادة غير موجود في المنتج، ليتم بعدها إبلاغ منظمة الصحة العالمية عن لقاحات مزيفة مماثلة خلال تفشي التهاب السحايا في البلاد في العام 2017.

ضبط أدوية مغشوشة في تشاد
وفي العام 2019، ضبطت السلطات التشادية «كبريتات الكينين» (محدد لعلاج الملاريا) كانت معروضة للبيع، حيث أظهرت التحقيقات أن الشركات المصنعة التي لم تكن قانونية موجودة في دولتي بلغاريا وكينيا.

وبعدها بعام أبلغت منظمة الصحة العالمية عن نفس المادة «كبريتات الكينين» في تشاد، تحمل شعارا قديما ومزيفا لبرنامج المنظمة للأدوية الأساسية، حيث اكتشف استخدام مواد مغشوشة بها.

ووجد مكتب الأمم المتحدة أن انتشار الأمراض المعدية، بما في ذلك الملاريا، إلى جانب التحديات المرتبطة بتوافر الرعاية الصحية والقدرة على تحمل تكاليفها، يخلق بيئة يسود فيها الطلب على المنتجات والخدمات الطبية دون الوفاء بها بالكامل من خلال القنوات الرسمية، كما صنفت بوركينا فاسو والنيجر على أنهما دولتان تنفذ فيهما عمليات تحريف هوية الأدوية أو تكوينها أو مصدرها عمدًا أو عن طريق الاحتيال.

تهريب الأدوية إلى ليبيا
وثبت لدى المكتب الأممي تهريب بعض الأدوية المغشوشة إلى ليبيا قادمة من النيجر، بعد تفكيك شبكة من المجرمين في قرية قريبة من العاصمة نيامي في 26 يوليو العام 2022، حيث ضبط رجال الأمن أكثر من 229 ألف علبة «ترامادول» وثمانية آلاف قرص «أكيسول» مع اعتقال خمسة أشخاص، وهم مواطنون نيجيريون كانوا يعملون بالاشتراك مع شركاء مقيمين في الهند لتصدير المنتجات الطبية عبر ميناء تيما في غانا. وبمجرد وصولها إلى النيجر، تم إرسال بعض المنتجات الطبية داخل البلاد، ولاسيما إلى مناطق تعدين الذهب في دجادو وتشيباراكاتين، حيث ترتفع أسعار هذه المنتجات ثلاث مرات وبعضها تهرب إلى ليبيا.

وكشفت أيضا التحقيقات عن تورط مجموعة واسعة من الفاعلين الانتهازيين في الاتجار بالمنتجات الطبية في دول الساحل، بما في ذلك موظفو شركات الأدوية والمسؤولون العموميون وموظفو إنفاذ القانون والعاملون في الوكالات الصحية والباعة المتجولون. كما وجدت الأمم المتحدة أيضا أنه رغم ارتباط الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة بالاتجار في المنتجات الطبية في منطقة الساحل، فإن معظم الحالات المبلغ عنها في المنطقة تظهر أن مشاركة هذه الجماعات محدودة وتدور بشكل أساسي حول استهلاك المنتجات الطبية أو فرض «الضرائب» عليها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

267 ألف وفاة جراء الأدوية المغشوشة في أفريقيا
ومثال على ذلك ذكر أنه في شمال مالي وشمال النيجر مجموعات كثيرة لها تأثير على أجزاء من طريق التهريب والتي تقع داخل أراضيهم. وتشمل هذه الجماعات المجموعات المسلحة المصنفة على أنها إرهابية، وأولئك الذين انفصلوا عن الجماعات الموقعة على اتفاق السلام في مالي، وكذلك الميليشيات والعصابات المحلية. وهذه المجموعات عادة تفرض «ضرائب» على المنتجات المختلفة التي يتم الاتجار بها في مالي غاو وتمبكتو تحديدا والنيجر (زيندر)، وكذلك على الحدود مع نيجيريا في الجنوب وليبيا في شمال النيجر.

وأشار التقرير إلى أن الأدوية المغشوشة المضادة للملاريا أسفرت عن نحو 267 ألف حالة وفاة سنويا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى نحو 169 ألف حالة وفاة مرتبطة بالمضادات الحيوية المغشوشة أو التي لا تفي بالمعايير المطلوبة المستخدمة لعلاج الالتهاب الرئوي الحاد عند الأطفال. كما أكد المكتب ضبط نحو 605 أطنان من المنتجات الطبية في غرب أفريقيا خلال العمليات الدولية في الفترة ما بين يناير 2017 وديسمبر العام 2021.

- «بيزنس» الأدوية المغشوشة يدمر صحة أجساد 100 ألف أفريقي سنويا
- ضبط أدوية منتهية الصلاحية في مصنع أسمنت ببنغازي
- ضبط أدوية منتهية الصلاحية تباع بعدد من الصيدليات في سرت

وحسب التقرير، اكتشف نحو 40% من المنتجات الطبية متدنية الجودة والمغشوشة المبلغ عنها في بلدان الساحل بين العامين 2013 و2021 في سلاسل التوريد النظامية، مما يدل على الترابط بين سلاسل التوريد القانونية وغير القانونية.

ويمثل تحويل الإمدادات الطبية بعيدا عن سلاسل التوريد القانونية مشكلة رئيسية أخرى تواجه هذه البلدان، والتي ينشأ الكثير منها في البلدان المصدرة الرئيسية، لا سيما في بلجيكا وفرنسا وبدرجة أقل من الصين والهند.

وقال مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إن الموانئ البحرية الرئيسية في غرب أفريقيا تستخدم لجلب الإمدادات الطبية المتجهة إلى دول الساحل، ومن ثم تهرب بعد ذلك عبر طرق التهريب التقليدية عن طريق البر. كما أشار إلى الاتجار في كميات صغيرة عن طريق الجو باستخدام الشحنات البريدية أو الركاب.