تعكس التحركات الأخيرة لداعمي رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا في سرت وبنغازي، غياب مؤشرات نهاية الانقسام الحكومي والتخلي عن سيناريو «الحكومة الثالثة»، في ظل تمسك رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة، بموقفه المتشبث بالسلطة.

وبحلول العاشر من فبراير تمر سنة على تنصيب البرلمان وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيسا للحكومة، دون أن يتمكن من إدارة السلطة من العاصمة طرابلس كما وعد، في فشل سياسي ذريع، استغله دعاة تنصيب حكومة ثالثة لإقامة تحالفات معقدة منها، ما جمع بين رئيسي مجلسي النواب والدولة عقيلة صالح وخالد المشري.

- للاطلاع على العدد 377 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا 

وخلطت اللقاءات الأخيرة التي كان باشاغا محورها الأوراق بشأن مصير الدعوة إلى تشكيل سلطة تنفيذية جديدة ومستقبله السياسي، خاصة أن باشاغا اجتمع السبت الماضي مع قائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر.

وحظى باشاغا بدعم غير معلن من المشير خليفة حفتر في المناطق التي يؤمنها، إذ أراد الأخير إخفاء اصطفافه هذا بتوجيه انتقادات متكررة إلى السلطات الحاكمة في ليبيا طالت الحكومة المكلفة من مجلس النواب وخصمه الدبيبة بهدف تقديم نفسه كبديل سياسي للسلطة، خاصة أن حفتر يرغب في السلطة، وسبق أن ترشح لانتخابات الرئاسة التي لم تجر من الأساس.

مكافحة الإرهاب وحماية الحدود
واستقبل قائد قوات القيادة العامة في بمكتبه بمنطقة الرجمة في بنغازي باشاغا في لقاء حضره أيضا عدد من أعضاء السلطة التنفيذية، وناقش القضايا الرئيسية في ليبيا، مثل الوضع السياسي الحالي والوجود العسكري الأجنبي ومكافحة الإرهاب وحماية الحدود. وكان آخر اجتماع معلن بين الطرفين في 21 ديسمبر 2021، وقتها كان الطرفان مرشحين لانتخابات الرئاسة التي جرى تأجيلها رفقة عدد من المرشحين الآخرين.

لكن اللقاء الأول من نوعه كرئيس للحكومة بين القائدين يحمل على المستوى السياسي أكثر من رسالة استراتيجية تستهدف إعادة تشكيل تحالفات قبل الاستحقاق الانتخابي المنتظر هذا العام، فداخليا يأتي بعد التقارب الحاصل الصيف الماضي بين حفتر والدبيبة، والذي انتهى إلى تنصيب فرحات بن قدارة، والمحسوب على دولة الإمارات العربية المتحدة كرئيس للمؤسسة الوطنية للنفط خلفا لمصطفى صنع الله، وهو ما قوّض مساعي باشاغا لتوظيف ورقة غلق الآبار النفطية في نزاعه مع الدبيبة. وتجنب حفتر المغامرة بالدخول لحسم النزاع العسكري بين رئيسي الحكومتين، لا سيما ما بين مايو وأغسطس 2022 حين حاول باشاغا دخول العاصمة طرابلس بالقوة العسكرية لتمكين حكومته من مزاولة نشاطها منها غير أنه أخفق.

دور واشنطن
أما خارجيا، فإن الاجتماع بين الجانبين جاء بعد تكثيف الولايات المتحدة عبر كل من قياداتها العسكرية في أفريقيا «أفريكوم» و«سي آي إيه» مشاوراتها مع حفتر في سياق الضغوط لطرد مجموعة «فاغنر» الروسية وتيسير إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل انقضاء 2023.

- حفتر يجتمع مع باشاغا في بنغازي 
- مجلة فرنسية: 5 شخصيات تهيمن على المشهد السياسي وهذه كيفية بناء التحالفات وتفكيكها في ليبيا

فقد نقل مدير المخابرات الأميركية وليامز بيرنز دعوة واشنطن الملحة إلى طرد المقاتلين الروس في أسرع وقت، وذلك خلال زيارة خاطفة إلى طرابلس وبنغازي منتصف يناير الماضي. ووسط خشية الولايات المتحدة والأوروبيين من إمكانية استغلال المجموعة الروسية لموارد ليبيا النفطية، يسوق باشاغا عبر الإعلان عن بحثه مع حفتر ملف الوجود الأجنبي في ليبيا لدور حكومته، ولفت الانتباه إلى قدرتها على إحداث اختراق في قضية المفاوضات الجارية لإخراج المرتزقة الأجانب وتوحيد المؤسسة العسكرية، وهو الذي لم يبد تفاعلا كبيرا مع الدعم السياسي الروسي له.

باشاغا الذي لم يحصل على أي ميزانية من المصرف المركزي لتنفيذ برنامج الحكومة التقى أيضا الإثنين الماضي رئيس مجلس النواب في مدينة بنغازي، وبحثا عددا من الملفات السياسية والاقتصادية والخدمية، في مقدمتها سير عمل الحكومة وفق تصريح المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، عبدالله بليحق.

وفي إطار اتفاق مطلع يناير بين عقيلة صالح وخالد المشري في القاهرة على وضع خريطة طريق جديدة لاستكمال إجراءات إتمام العملية الانتخابية وتوحيد المؤسسات، أثيرت مسألة إزاحة الحكومتين وتنصيب حكومة ثالثة، غير أن اللقاءات اللافتة لباشاغا تعكس التخلي عن هذا السيناريو في الوقت الراهن بسبب الخلافات الأخيرة بين مجلسي النواب والدولة حول القاعدة الدستورية وشروط الترشح للانتخابات.

هل فقد باشاغا دعم النواب؟
ومع ذلك لا تحظى حكومة باشاغا بإجماع برلماني في شرق ليبيا بعد سنة من منحها الثقة، فقد اعتبر عضو مجلس النواب علي التكبالي، في مداخلة متلفزة أن باشاغا فقد دعم مجلس النواب منذ فشله في تنفيذ وعده بدخول طرابلس.

وأضاف التكبالي إن هناك دولا فاعلة في المنطقة والعالم تخطط لحكومة أخرى قادمة في ليبيا. متابعا «كل المتحكمين في المشهد موافقون على ذهاب حكومة باشاغا، وهي محاولة من مجلس النواب وغيره للبقاء في المشهد بحكومة أخرى لأن صبر العالم قد نفد، ومل من الليبيين ومن عدم توافقهم». وفي أول انتقاد علني له، طالب أيضاً 65 نائباً بعقد جلسة استماع علنية لفتحي باشاغا لتوضيح أسباب تعطل استلام حكومته لمهامها في العاصمة طرابلس. وطالبوا في بيان مشترك بإعلان تعديل وزاري كامل لحكومة باشاغا لا يتعدى 15 وزارة، حتى لا ترهق كاهل الدولة بالمصروفات الإضافية، وأن تكون فرصة لإعادة جمع التوافق الوطني بحكومة واحدة في عموم البلاد.

وتلقف المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي الحراك في مجلس النواب ليلتقي بمجموعة من البرلمانيين، وعبر عما أبدوه خلال لقائه معهم من التزام إزاء ليبيا وبإيجاد طريق للمضي قدماً نحو الحل، معرباً عن أمله في أن يستمروا في التصريح بقناعاتهم لما فيه صالح البلاد والشعب الليبي. كما أعربوا عن رغبتهم في توحيد المؤسسات الليبية كشرط مسبق للخروج من حالة الجمود السياسي.

في المقابل، لا يبدو أن باشاغا سيتخلى عن السلطة ودوره في الترتيب للانتخابات المقررة والتي عبر عنها وزير داخليته عصام أبوزريبة، بإبداء تعجبه من إعلان البعثة الأممية جاهزية وزارة الداخلية بحكومة الدبيبة التي وصفها بـ«منتهية الولاية» لإجراء الانتخابات، على الرغم من دراية الجميع بأن نفوذها لا يتجاوز طرابلس وبعض المناطق المجاورة لها، على حد قوله.