رسمت مجلة فرنسية معالم المشهد السياسي في ليبيا في ظل غياب أي اقتراح لأي خريطة طريق تعيد برمجة العملية الانتخابية التي من المفترض أن تمهد لفترة انتقالية، في حين باتت تهيمن على المشهد السياسي اليوم خمس شخصيات وسط صمت المجتمع الدولي.
ونقلت مجلة «لوريان 21» الفرنسية في تقرير لها نشر يناير الماضي حول الوضع السياسي بعد تأجيل انتخابات ديسمبر 2021 ما قاله الخبير في الملف الليبي بشير الجويني، بأن «الانتخابات ليست مجرد ورقة توضع في صندوق اقتراع، إذ إن ليبيا ليست مستعدة لانتخابات رئاسية وكل القادة مسؤولون.. فلا أحد يريد المجازفة بخسارة مكانه وما يرتبط به من مزايا عديدة».
للاطلاع على العدد 376 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
ومن بين مئة أو نحو ذلك من المرشحين الرئاسيين السابقين، لا يزال أربعة مرشحين محط اهتمام، وهم: رئيس حكومة الوحدة الموقتة بطرابلس، عبدالحميد الدبيبة، والمشير خليفة حفتر القائد العسكري الذي يسيطر على جزء من برقة، ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح. إضافة إلى سيف الإسلام نجل الزعيم المخلوع معمر القذافي، كما تقول المجلة.
احتمالات هجوم عسكري جديد
وترى المجلة الفرنسية «أن هناك احتمالا لهجوم عسكري جديد، لذلك استقر رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا في مدينة سرت الساحلية في وسط البلاد، وهي المنطقة الأصلية لمعمر القذافي، فقد اقترب من المشير حفتر الذي يحميه، حتى لو ظلت علاقاتهما غامضة، ففي تقديرات المحللين، يرى حفتر أن باشاغا حصان طروادة المحتمل لإرضاء مصراتة المدينة العسكرية والصناعية القوية، المعادية له بشكل خاص». والحال أن المشير لا يزال يسيطر على شرق ليبيا بقبضة من حديد، ففي 31 أكتوبر الماضي ألقى خطابا أشار فيه إلى أنه سيتخذ قريبا قرارات «استعادة هيبة الدولة»، مشيرا إلى «المعركة النهائية» لتحرير البلاد، وهو الخطاب الذي طُعم بصور دعاية عسكرية.
وتقلل المجلة من احتمالات أن يقود حفتر هجوما على المدى القصير، فمنذ هزيمته في طرابلس في العام 2020، التي تُعزى إلى حد كبير إلى الأتراك فقد الكثير من المؤيدين، المحليين والأجانب، وهو ما ينبئ بعدم تمكنه من القيام بعمل عسكري كبير جديد. وأشارت إلى شائعات ترددت بشأن «إعلان المشير خليفة حفتر عن انقسام بين فزان جنوبا وبرقة شرقا من جهة وطرابلس غربا من جهة أخرى». متسائلة إن كانت انتكاسة واعترافا بالضعف، أو ضغطا خارجيا. لكن في 24 ديسمبر 2022 يوم الاحتفال بذكرى الاستقلال أعلن أنه يمنح «فرصة أخيرة» لرسم المسار السياسي وتنظيم الانتخابات.
دور الطوارق والتبو
وتلفت المجلة إلى قول أحد كبار شخصيات «التبو» الذي لم تذكره بالاسم «يجب أن نتوقف عن الاعتقاد بأن حفتر يسيطر على كل من برقة وفزان. إنه يسيطر على مواقع النفط، وهو أمر استراتيجي، غير أن مجموعات التبو والطوارق هي التي ستسيطر، حتى في سبها».
وأضافت أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح لم يتردد في تقديم نفسه على أنه مرشح للرئاسة رسميا، حيث يعمل مع حفتر جنبا إلى جنب من أجل «تخليص طرابلس من الإسلاميين» حسب تعبير المجلة الفرنشية، لكن بشكل غير رسمي «لا يطيق الرجلان بعضهما بعضا».
ولتعقيد المشهد السياسي أعلن سيف الإسلام، نجل القذافي، الذي توعد الثوار في 2011 بـ«أنهار من الدماء» نفسه مرشحا للانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2021. وقد انتشرت الصور التي تظهر ترشيحه في كل مكان ثم تصف المجلة ما حدث على أنه «ثقب أسود»، وباستثناء ثلاثة بيانات صحفية مكتوبة لم يظهر سيف مجددا. ولم يُدل بأي تصريح أو خطاب، في حين أن عديد الليبيين، المحبطين من هذا العقد من الفوضى، على استعداد لدعم عودته.
«الخضر» يتسللون إلى البلديات الثانوية
وقالت الدكتورة في الجغرافيا السياسية ثريا رهيم، وتعمل على ملف الشتات الليبي في مصر وتونس إنه «عندما نطرح السؤال في دوائر القذافي لا يحتاج الأمر إلى توضيح، لأن 70 % من البلاد ستكون مستعدة للتصويت له».
وحسب الباحث جلال حرشاوي، فإن «الخضر» يتسللون إلى الأجهزة والسلطة في البلديات الثانوية. والدليل على أن سيف أصبح يثير قلق رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، أن الأخير دعاه إلى «الامتثال للمحكمة الجنائية الدولية» خلال خطاب له في 30 ديسمبر 2022، علما بأن نجل القذافي مطلوب رسميا من المحكمة منذ يونيو 2011، بتهم ارتكاب جرائم حرب لدوره في قمع الثورة.
وتنقل المجلة الفرنسية عن أحد المراقبين قوله: في ليبيا يجرى بناء التحالفات وتفكيكها، سرا أو رسميا، حسب تطور الأحداث مستدلا بأن الدبيبة وحفتر ليسا متضادين تماما، فهما يتصالحان في سرية، ففي الخريف الماضي التقى الدبيبة بصدام حفتر، كما أنه في المعتاد يتعاون حفتر مع عقيلة صالح، ويتعاون الدبيبة مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، غير أن هذا ليس هو الحال دائما.
وضربت المجلة مثالا على ذلك بقيام أنصار الدبيبة منع المجلس الأعلى للدولة من الاجتماع في نوفمبر الماضي، حين كان من المقرر أن يدرس المجلس توحيد السلطة التنفيذية، وبالتالي مصير حكومة الدبيبة والإطار الدستوري المؤدي إلى الانتخابات المقبلة.
كما يجرى تداول حديث عن تشكيل حكومة ثالثة من أجل توحيد السلطات، وتتساءل المجلة: لكن هل هذا حل مقبول في بلد عارضت فيه كل حكومة جديدة تقريبا، منذ 2014 الحكومة السابقة. وفي الوقت نفسه أطلق المجلس الأعلى للدولة دعوة للمرشحين لاستبدال قادة المؤسسات الرئيسية، مثل ديوان مكافحة الفساد. وفي هذا السياق قال أحد الدبلوماسيين إن «الجميع يريد حصته من الكعكة» وهنا تلعب الميليشيات دورا سياسيا.
وحسب قول مراقب آخر فقد «أصبحت هذه الميليشيات عصابات تتعاون في ما بينها أو تحارب للحفاظ على أراضيها، وبالتالي على مواردها، ففي ليبيا يقال إنها قادرة على أن تبيع فيما بينها مفترقات طرق سير، حيث يمكنها تثبيت حواجز لابتزاز سائقي السيارات، لكن هذا ليس الجزء الأسوأ، فبعض الميليشيات متخصصة في المخدرات والتهريب وتهريب المهاجرين، على أي حال لقد فهم الجميع أنه يتعين التكيف مع هذه الأحوال» حسبما نقلت المجلة.
المجتمع الدولي يتفرج
وعادت المجلة إلى 17 نوفمبر 2022، حين خطف الضابط السابق محمد أبوعجيلة مسعود من منزله على يد مجموعة مسلحة معروفة. وهو الرجل المتهم بالمشاركة في هجوم لوكربي، وكان موضوع مذكرة توقيف من قبل الإنتربول. ليعود إلى الظهور في 12 ديسمبر 2022 أمام محكمة أميركية في واشنطن.
وعلق دبلوماسي أوروبي «إن مثل هذا العمل الذي يجرى ارتكابه من قبل ميليشيا معروفة بجرائمها سوف يُفسد جهود تحويل ليبيا إلى دولة القانون». فيما يعتقد عديد المحللين أن الدبيبة ربما أعطى ترخيصا بنقل أبوعجيلة مسعود من أجل تعزيز موقفه لدى المجتمع الدولي، بعد أن سئم من المراوغات السياسية ووصول العملية الانتخابية إلى طريق مسدود.
للاطلاع على العدد 376 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
وفي نهاية شهر ديسمبر راجت شائعات عن اتفاق مماثل بشأن عبدالله السنوسي، صهر معمر القذافي والرئيس السابق للأمن الداخلي، والمطلوب أيضا من قبل العدالة الدولية لتورطه المزدوج في هجوم لوكربي وفي انفجار طائرة أخرى في صحراء تينيري في العام 1989. غير أن الدبيبة رفض أي احتمال للتسليم، بعدما هددت قبيلة السنوسي بالانتقام، والتي يقع خزان مياه كبير على أراضيها، بدورها فرنسا لم ترد على شائعات تسليم هؤلاء للولايات المتحدة.
وانتقدت المجلة الفرنسية صمت المجتمع الدولي خلال الأشهر الأخيرة مع وجود مصالح خفية، إذ لا ترى روسيا أي مانع في الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. فهي مثل تركيا ترغب في إعادة تفعيل العقود الموقعة قبل ثورة 2011 كما يعلق أستاذ العلوم السياسية في جامعة سانت لويس في مدريد باراح ميكائيل.
تعليقات