Atwasat

صراع حول «غاز المتوسط».. و«تفاهمات الدبيبة» مع تركيا تفاقم التوتر

الجزائر - بوابة الوسط: عبدالرحمن أميني السبت 08 أكتوبر 2022, 12:15 مساء
WTV_Frequency

تحركات غربية يمكن وصفها بـ«المريبة»، ومناورات عسكرية ومراوغات سياسية لا تتوقف، بات تتسيطر على المياه الإقليمية الليبية في الأيام الأخيرة. ويتصارع الجميع على موارد الطاقة في البحر المتوسط، بين من يبحث عن توسيع مناطق نفوذه ومن يستخدم ورقة الغاز ليضغط بها على منافسيه، في ظل تضارب المصالح الأوروبية، مع استغلال غياب الدولة الليبية وسعي الأطراف المحلية لنيل الشرعية الدولية، بأي طريقة. 

واحتدم الصراع في البحر المتوسط، مستفيداً من الحرب الروسية - الأوكرانية، فيما جاء إعلان حكومة الوحدة الوطنية الموقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة توقيع مذكرة تفاهم في مجال الطاقة مع تركيا ليزيد الأوضاع تعقيداً.

هذه المذكرة قد تلغي كل الجهود المبذولة في الأشهر الأخيرة للتقارب بين تركيا وكل من مصر والسعودية، وكذلك بين أنقرة والجناح الشرقي في ليبيا. كما أدى توقيع المذكرة إلى إحداث انقسامات جديدة حتى داخل الجناح الغربي.

الخلاف التركي-اليوناني
ويراقب دبلوماسيون ما ستؤول إليه الأوضاع المقابلة بناء على مضمون مذكرة التفاهم، ويبقى السؤال المرتقب للإجابة عنه: «هل سترسل تركيا بالفعل سفن استكشاف للتنقيب عن موارد طاقة من المياه الإقليمية الليبية إلى جنوب جزيرة كريت»؟، حيث قد يبدأ الحفر في الأراضي المتنازع عليها بين تركيا واليونان، لذلك عبرت أثينا ولاحقاً قبرص عن قلقهما، ودعتا إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد أنقرة. ويعد أصل مذكرة التفاهم استكمالاً لترجمة عملية لما تم الاتفاق عليه خلال حقبة رئيس حكومة الوفاق السابقة فايز السراج، في نوفمبر 2019، حين وقع مع أنقرة مذكرة بشأن السيادة على المناطق البحرية في البحر المتوسط، فيما يشهد شرق المتوسط خلافات بين دوله على ترسيم الحدود البحرية، وذلك على خلفية إثبات الدراسات الجيولوجية وجود مخزون كبير من النفط والغاز القابل للاستخراج.

ولا غرابة أن تقحم ليبيا وسط نزاع عسكري وسياسي، وثالث حول الطاقة يختمر تحت المياه الإقليمية، فيما يقول المتابعون إن ليبيا لن تجني من وراء هذا الصراع الربح الاقتصادي الكبير. ويرون أن الأتراك يستغلون هشاشة النظام السياسي الليبي، مع إبعاد وزير النفط والغاز في حكومة الدبيبة محمد عون عن توقيع المذكرة ووجود وزير الاقتصاد محمد الحويج نيابة عنه، خاصة أن عون كان متردداً بشأن توقيع الاتفاق.

بدوره، عبر المجلس الرئاسي صراحة بأن توقيع الاتفاقات يقتضي إجراء مناقشات مسبقة معه، وإلا فلن يتم تطبيقها.

مصالح أنقرة
وتعمل أنقرة على تحويل ليبيا إلى موقع رابط للطاقة بين أفريقيا وأوروبا لتحسين حضورها الاستراتيجي، إذ أن توقيع هذه المذكرة جاء مع تلقي حكومة الدبيبة دراسة لإقامة خط أنابيب للغاز يأتي من نيجيريا ويمر عبر ليبيا.

وتشجع أنقرة المضي في المشروع الذي تبلغ قيمته 13 مليار يورو، ويمكن أن يزود أوروبا بنحو 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وفقاً للتقديرات الأولية. ويقدر الخبراء أن هذه الكمية تشكل ما يقارب ضعف كمية الغاز التي استوردها أعضاء الاتحاد الأوروبي من روسيا في العام 2021. كما سيوفر تنفيذه بديلاً قوياً للغاز الروسي، الذي قوض الاعتماد عليه قدرة الحلفاء في القارة العجوز على التصرف في أعقاب حرب أوكرانيا. وبحسب الوزير محمد عون، فإن المسافة بين آبار الغاز النيجيرية والأسواق الأوروبية أقصر بألف كيلومتر على الأقل من مشروعي خطي أنابيب الغاز المارين عبر الجزائر والمغرب، ما يقلل من تكلفة النقل، وبالتالي أسعار الغاز.

- جريدة «الوسط»: «مذكرة التفاهم» تعزز حالة «اللاتفاهم» بين الليبيين 
- ارتياح يوناني للمواقف المعارضة لمذكرة التفاهم الجديدة بين حكومة الوحدة وتركيا
- فرنسا وإيطاليا تؤيدان موقف الاتحاد الأوروبي بشأن مذكرة التفاهم الليبية التركية

وقد تقنع أنقرة ليبيا بمعالجة التحديات الأمنية لتنفيذ هذا المشروع، مستفيدة من وجود قوات وقواعد عسكرية لها في البلاد، وهو الذي تنظر إليه موسكو بعيون الشك، كونه يقلص من أوراق ضغطها على الغرب المتعطش لمعالجة أزمة ضعف إمدادات الطاقة في أقرب وقت، فيما قد يكون وجود قوات «فاغنر» الروسية في حقول وآبار نفطية ليبية مصدر تهديد.

وكانت البحرية التركية أعلنت، الخميس الماضي، إجراء مناورات عسكرية، مع القوات البحرية الليبية قبالة سواحل ليبيا، وذلك بعد ساعات فقط من رسو سفينة حربية بريطانية في قاعدة أبوستة البحرية بالعاصمة طرابلس.

البحرية التركية قالت، في بيان مقتضب، إن المناورات عرفت مشاركة سفينة «تي سي جي غازي عنتاب» التركية وسفينة «ابن عوف» الليبية، دون تقديم توضيحات حول طبيعة وسياق تلك المناورات. وأوضحت جريدة «دايلي صباح» التركية، أن التدريبات شملت المناورة في البحر المتوسط واستخدام التواصل المرئي بين السفينتين، وأن هذه التدريبات تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين.

تواجد إيطالي.. وتوصيات فرنسية
قبل ذلك، أثار رسو سفينة الإنزال البريطانية «إتش إم إس ألبيون» بميناء طرابلس في أول زيارة تقوم بها للبلاد منذ 8 سنوات، جدلاً واسعاً في ليبيا ووصفت بـ«الاستثنائية»؛ علماً بأن السفينة تعد أشهر القطع الحربية الهجومية التي تتوفر عليها بريطانيا، ويمكنها حمل طاقم يزيد على 400 محارب وعشرات الآلات والمدرعات الحربية كما يمكنها المشاركة في عمليات الإغاثة في حالات الكوارث.

وفي قلب التحركات الغربية خرج مجلس الشيوخ الفرنسي ممتعضاً مما يجري في مياه المتوسط، داعياً القوات الفرنسية إلى الرفع من وجودها في منطقة شرق البحر المتوسط. كما طالب المجلس بالرد على عسكرة العلاقات الدولية في المنطقة، دون تحديد موقع معين، لكنه خصص جزءاً من تقريره إلى ليبيا، موضحاً أنه بعد نهاية تدخل حلف الناتو في البلاد العام 2011، تشهد ليبيا حالة من عدم الاستقرار الأمني العميق مضيفاً أن تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقرراً إجراؤها في ديسمبر الماضي، وهشاشة وقف إطلاق النار يعززان احتمالية استمرار عدم الاستقرار، «إذ أصبحت ليبيا مركزاً للجهاد، وأصبح عدد الأسلحة المتداولة ثلاثة أضعاف عدد السكان»، وفق المجلس الفرنسي.

ويقدم التقرير الفرنسي لمحة عن تضاعف الحوادث العسكرية في شرق البحر المتوسط، ويتجلى ذلك بشكل خاص في اعتراض السفن العسكرية التركية في 2018 لسفينة استغلال المحروقات قبالة سواحل قبرص، وحوادث أخرى وقعت في صيف العام 2020 مع الفرقاطة الفرنسية «كوربيه». واعتبر أن هذه الحوادث البحرية تضاف إلى الحلقات الأخيرة لانتهاك المجال الجوي اليوناني من قبل تركيا.

وأشار إلى التهديد العلني الصادر في تصريحات الرئيس التركي ضد اليونان خلال صيف العام الجاري، وهو ما يسهم في استمرار حالة عدم الاستقرار في شرق المتوسط وتغذية خطر التصعيد العسكري.

كما يشعر البرلمانيون الفرنسيون بالقلق من المخاطر التي يسببها تراجع النفوذ الغربي، لا سيما لدول الاتحاد الأوروبي وفرنسا، في وقت تواصل فيه الصين وروسيا مضاعفة الاستثمارات في منطقة البحر المتوسط. وأوصوا بالاعتماد على قانون البرمجة العسكرية المقبل، الخاص بالعام 2023 من أجل متابعة سياسة إعادة تسليح القوات الفرنسية مع مراعاة السياق المتدهور في البحر، وإعادة تحديد الدور الوظيفي لحلف الناتو، لا سيما في منطقة «سيكون للاتحاد الأوروبي أهمية متزايدة فيها، بسبب إعادة توجيه الأولويات الاستراتيجية الأميركية تجاه آسيا».

ويرتقب أن تتضاعف حدة التنافس العسكري الأوروبي في منطقة المتوسط، مع إغلاق روسيا خطوط الأنابيب الرئيسية التي تمد أوروبا بالغاز وتخريب خطَي أنابيب «نورد ستريم»، ما يؤكد فرضية تعويل دول الشمال على ليبيا مستقبلاً لتنويع مصادرها الطاقوية.

اهتمام إيطالي
أما روما، فقد لجأت منذ السبت الماضي، إلى رفع مستوى الاهتمام بحماية مختلف المنشآت التي تجلب الغاز إلى إيطاليا. ووضعت ثلاثة خطوط أنابيب غاز طبيعي تحت المراقبة من قبل البحرية الإيطالية، وهي خط أنابيب «غرين ستريم» بليبيا الذي يضمن تزويد البلد الأوروبي بالغاز، وخط أنابيب الغاز الطبيعي «ترانسميد» من الجزائر عبر تونس إلى جزيرة صقلية، ومن ثم إلى البر الرئيسي لإيطاليا. أما الخط الثالث، فهو خط «تاب» الذي يؤمن تدفق الغاز من أوروبا الشرقية، ويمر تحت البحر الأدرياتيكي، بالقرب من قناة أوترانتو، بين سواحل منطقة بوليا بإيطاليا وألبانيا.

وتتحرك البحرية الإيطالية على مستوى عدة جبهات لحماية هذه البنية التحتية، إذ سيتم استخدام كاسحات ألغام من سرب كاسحة الألغام الساحلي رقم 54 في مدينة لا سبيتسيا لحماية قاع البحر، حيث تمر خطوط الأنابيب. وتدعيماً للمراقبة الموسعة، من المقرر استخدام عدد من الفرقاطات وطائرات «بي 72» الموجودة في القاعدة الجوية الإيطالية (سيغونيلا) في جزيرة صقلية.

وبينما يترقب الإيطاليون توجهات الحكومة المقبلة بعد فوز اليمينية جورجيا ميلوني، أوصت «وثيقة الدفاع 2022 - 2024» بإيطاليا، بتعزيز القدرة على منع المفاجآت الاستراتيجية، ونصحت بـ«التواجد في الحوض الأوسط والشرقي، وعلى وجه الخصوص بالنسبة لليبيا»، حيث يتعين توطيد التعاون المنظم لدعم طرابلس التي تعتبر دولة رئيسية للمصالح الإيطالية.

كلمات مفتاحية

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
حكم بالإعدام في جريمة قتل ببني وليد
حكم بالإعدام في جريمة قتل ببني وليد
«اقتصاد بلس» يناقش: ماذا بعد رفع الوقف الاحتياطي عن عون؟
«اقتصاد بلس» يناقش: ماذا بعد رفع الوقف الاحتياطي عن عون؟
موسكو تكشف «نوايا» تأسيس قاعدة عسكرية دائمة في ليبيا
موسكو تكشف «نوايا» تأسيس قاعدة عسكرية دائمة في ليبيا
شاهد في «وسط الخبر»: «عملية الكرامة».. البدايات والمسارات والمآلات
شاهد في «وسط الخبر»: «عملية الكرامة».. البدايات والمسارات ...
غانيون: الأمم المتحدة ملتزمة بتعزيز التنمية المستدامة في ليبيا
غانيون: الأمم المتحدة ملتزمة بتعزيز التنمية المستدامة في ليبيا
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم