Atwasat

مستشفى مصراتة يختصر معاناة ليبيا بأسرها

القاهرة - بوابة الوسط الجمعة 19 أغسطس 2016, 02:01 مساء
WTV_Frequency

الواقف قبالة مستشفى مصراتة المركزي يخال نفسه أمام أحد مستشفيات أوروبا؛ مبان حديثة وسيارات مركونة بترتيب في مواقف تباعد بينها مساحات خضراء، وحدها نقطة تفتيش أمنية وشاحنة يعلوها سلاح مضاد للطيران عند مدخل المستشفى تذكران من يدخله بأنه ما زال في ليبيا الغارقة في الحرب.

لكن صورة المباني الزاهية سرعان ما تضمحل حال الدخول إلى قسم الطوارئ والحوادث، فالبوابة الرئيسية مغلقة والمدخل الجانبي مكتظ بأطباء وممرضين ومقاتلين ومدنيين من كل الأعمار. هنا عجوز تسأل أين يرقد ابنها وهناك كهل يريد الاطمئنان على أخيه، وبينهما مقاتل بزيه العسكري يستأذن طبيبًا لإيصال ملابس لرفيق له. لكأن ليبيا بأسرها اجتمعت في هذه الأمتار المربعة القليلة، وفق ما نقلت المشهد وكالة «فرانس برس».بضع خطوات إلى الأمام ويتضح سبب إغلاق المدخل الرئيسي ويظهر حجم المعاناة. «الجرحى كثر والمساحة محدودة ولم نجد حلاً سوى بتحويل قاعة الاستقبال إلى صالة لعلاج الجرحى»، يقول المتحدث باسم المستشفى أكرم قليوان وهو يشير بسبابته إلى الأسرة المتراصة أمام المدخل المغلق.

ويتابع الجراح الشاب «في أحد الأيام استقبلنا 160 جريحًا (...) وبالأمس تحديدًا استقبلنا 97 جريحًا، أين نضعهم؟ ماذا نفعل؟ علينا أن نتدبر أمورنا بما لدينا من إمكانات محدودة سواء لناحية المساحة أو لناحية الكادر الطبي والطبي المساعد».

ومنذ بدأت معارك سرت قبل ثلاثة أشهر سقط في صفوف القوات الموالية للحكومة أكثر من 350 قتيلاً و1900 جريح، وبين هؤلاء «هناك حالات بتر كبيرة جدًا، حالات إعاقة وشلل نصفي (...) وغالبية المصابين هم شباب في مقتبل العمر وسيحتاجون إلى تأهيل جسدي ونفسي أيضًا»، كما يضيف.

وينقل جرحى المعارك في سرت إلى مستشفى ميداني أول يقع على مقربة من الجبهة ثم ينقلون إلى المستشفى الميداني الأساسي الذي يبعد حوالي 50 كلم من خط الجبهة والمجهز لإجراء عمليات طارئة وفيه إسعاف طائر يتولى نقل الجرحى بالمروحيات إلى مستشفى مصراتة.

«إصابة وابتسامة»
ومن هؤلاء الشبان محمود بن عائشة (22 عامًا) الذي لم تستطع الرصاصة التي اخترقت ساعده أن تسرق منه ابتسامة لا تبارح وجهه. يقول الشاب الملتحي بينما هو يرقد في سريره ويده اليمنى مضمدة من أعلاها إلى أسفلها «أنا جندي وكنت في الجبهة في الحي رقم اثنين حين أصابتني رصاصة القناص. لقد رأيته. كانت بيني وإياه عمارة واحدة. الحمد لله أني أصبت في يدي فقط».وليس محمود الوحيد الذي أصيب برصاص قناصي تنظيم «داعش» في ذاك اليوم، فعبد الفتاح الفرجاني (45 عامًا) وهو أب لأربعة أبناء أصيب برصاصة في ذقنه كادت تكون قاتلة.

ويقول عبد الفتاح بينما هو جالس على سريره بسرواله العسكري المرقط وذقنه المتورمة «مهمتي على الجبهة كانت إيصال التموين إلى عناصر الكتيبة التي اتبع لها. كنت أقود السيارة متجهًا إليهم في الحي رقم اثنين، التفتت للحظة فسمعت صوت طلق ناري. نظرت إلى زجاج النافذة فإذا به ثغرة. أيقنت أن رصاصة قناص دخلت منه ولكني لم أشعر بها. تلمست نفسي فلم أجد شيئا. استغربت، فكل ما وجدته هو بضع قطرات من الدماء على ذقني».

ويضيف «لم أع أن الرصاصة اخترقت ذقني وخرجت من أعلى ظهري إلا بعد دقائق، عندها نقلني رفيق لي إلى المستشفى الميداني حيث جرى إسعافي ومن ثم نقلت إلى هنا».

وإذا كانت المستشفيات تعمل في العادة وفق نظام المناوبة فإن الحال في مستشفى مصراتة ليس كذلك، فالعاملون هنا لا يفرقون بين ليل ونهار إذ غالبًا ما يضطرون للوصل بينهما، في حين أن عاملات النظافة يتحيّن متى تهدأ الحركة كي يمسحن أرضيات الأروقة والغرف.

في إحدى هذه الغرف يرقد محمد قليوان (44 عامًا) وهو أب لستة أبناء أصيب قبل شهر في ساقه بجروح خطرة ناجمة عن تفجير انتحاري استهدف المستشفى الميداني في سرت.

«نطقت الشهادتين»
خلافًا لرفيقيه الراقدين عن يمناه ويسراه لا يستطيع قليوان الحراك في سريره، فجروحه ملتهبة وآلامه بادية على وجهه رغم الأدوية المهدئة. إذ قال لـ «فرانس برس» بصوت بالكاد يسمع «كانت مهمتي نقل المواد التموينية. يومها أنهينا نوبتنا أنا وصديقي حسني وغادرنا في السيارة. كان حسني يقود حين قال لي اتشاهد، اتشاهد فنطقت الشهادتين وإذا بالسيارة المفخخة تنفجر وتنفجر معها عبوات الأوكسيجين التي كانت داخل المستشفى».وباتت السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريو تنظيم «داعش» شبحًا يطارد المقاتلين في سرت أينما حلوا لدرجة أنهم أطلقوا عليها اسمًا هو «دقمة». ومع أن لا أحد تقريبًا من مقاتلي سرت يعرف لماذا أسميت كذلك، فإن مجرد النطق بهذه الكلمة كاف لكي يعلم الواحد منهم أن ساعة أجله دنت.

عبد الله الصادق (36 عامًا) الذي أصيب بشظية إحدى هذه «الدقمات» يقول إن هذه السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريو «داعش» لا يمكن أن يوقفها أي سلاح، إلا سلاح الطيران، فـ «الدواعش يصفحونها بشكل لا تنفع معه حتى القذائف المضادة للدروع».

وإذا كانت السيارات المفخخة تحصد نسبة كبيرة من ضحايا قوات «البنيان المرصوص» فإن النسبة الأكبر تحصدها الألغام الأرضية والمفخخات التي يتفنن الجهاديون في زرعها وإخفائها، إذ يكاد لا يوجد منزل أو مبنى في سرت إلا وجرى تفخيخه، كما يؤكد المقاتلون.

«سلك مربوط بلغم»
محمد أبو قرين (28 عامًا) دفع ضريبة مضاعفة نتيجة هذا التفخيخ، فهو خسر شقيقه إمحمد (43 عامًا) في انفجار لغم أصيب فيه هو أيضًا بشظايا في ساقيه ويده.

ويقول الشاب الذي لم يستفق بعد من صدمة خسارته شقيقه «دخلنا المنزل وكان أخي يتقدم المجموعة فشاهد سلكًا رقيقًا مربوطًا بلغم أرضي فعلم أن المنزل مفخخ، ولكن ما أن استدار للخروج حتى داس على لغم أرضي لم يره فانفجر به واستشهد على الفور وأصبنا نحن».

وكان مصور «فرانس برس» شاهدًا على هذه الواقعة، فقد صور في شريط فيديو المجموعة وهي تفتح كوة في جدار المنزل ثم دخولها إليه ووقوع الانفجار فانتشال جثة إمحمد وإخلاء الجرحى. على كل سرير من أسرة مستشفى مصراتة يرقد جريح، ومعه ترقد آلام ومعاناة شاب وعائلة ومدينة وبلد بأكمله. هي معاناة ليبيا بأسرها وقد اختزلت خلف مبنى براق وزجاج لماع.

مستشفى مصراتة يختصر معاناة ليبيا بأسرها
مستشفى مصراتة يختصر معاناة ليبيا بأسرها
مستشفى مصراتة يختصر معاناة ليبيا بأسرها
مستشفى مصراتة يختصر معاناة ليبيا بأسرها

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
إرجاع الكهرباء إلى منطقة المرقب
إرجاع الكهرباء إلى منطقة المرقب
حالة الطقس في ليبيا (السبت 11 مايو 2024)
حالة الطقس في ليبيا (السبت 11 مايو 2024)
حماس تثمن قرار ليبيا الانضمام للدعوى ضد الاحتلال أمام «العدل الدولية»
حماس تثمن قرار ليبيا الانضمام للدعوى ضد الاحتلال أمام «العدل ...
«الأرصاد»: الرؤية جيدة إلى متوسطة على طول الساحل
«الأرصاد»: الرؤية جيدة إلى متوسطة على طول الساحل
عودة الكهرباء إلى غريان
عودة الكهرباء إلى غريان
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم