كرس وقته وجهده لمنع وصول رذاذات الموت غدرا إلى الشعب الليبي، من خلال تفكيك العبوات الناسفة والألغام المعدة للتفجير، لكن نار الغدر أبت إلا أن تصعد بروحه إلى عنان السماء مساء السبت الماضي، في محور الصابري بمدينة بنغازي شرق البلاد، ولفظ خبير المتفجرات الملازم طارق السعيطي أنفاسه الأخيرة قبل وصوله إلى مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث، جراء انفجار لغم أرضي في محور الصابري، حيث فشلت محاولات زملائه إسعافه؛ بعدما دخل غرفة العناية الفائقة في محاولة لإسعافه، والسعيطي الذي تعرض لإصابة في 16 مايو الماضي جراء انفجار لغم أرضي في سيارة خبراء قسم إبطال المتفجرات بمنطقة سيدي فرج في مدينة بنغازي، كان هدفا على ما يبدو للجماعات الإرهابية بعدما بذل دورا بارزا في عمليات التمشيط وتفكيك المتفجرات التي كانت تستهدف ليبيين، فكتب اسمه كأحد أبطال المواجهة بين الجيش الليبي والجماعات المسلحة.
في ديسمبر من العام الماضي رقي خبير المتفجرات طارق السعيطي إلى رتبة ملازم أول بقرار من وزير الداخلية المكلف في الحكومة الموقتة، اللواء محمد المدني الفاخري، الذي كلفه برئاسة قسم إبطال متفجرات بنغازي، تقديرا لجهوده في تفكيك المفخخات والألغام في مختلف محاور القتال ببنغازي؛ منذ بدء المواجهات مع التشكيلات المسلحة في المدينة، وبينما لم يكن الملازم السعيطي أول من يفقد حياته في قسم إبطال المتفجرات، حيث سبقه زملاء آخرون فقدوا حياتهم أثناء عمليات تفكيك العبوات والألغام، يعاني القسم فقرا في الأدوات الحديثة واعتماده على الأدوات البدائية في عمليات التفكيك، وهو ما يعرضهم للخطر، وهو ما عبر عنه «السعيطي» في إحدى تدويناته قائلا: «رغم قلة الإمكانات الموجودة ما زلنا مصرين على تحرير ليبيا من الدواعش وكلاب النار».
وكأنه يدرك اللحظة الفارقة عن الحياة، كأن شبح الموت كان يحوم حول أسد ليبيا، جسدت آخر وصية لـ«السعيطي» هذا المعنى
كره وعداء واضح تجاه الجماعات الإرهابية دفعت السعيطي لتكريس وقته وجهده لمواجهة تلك الجماعات، ظهر ذلك جليا من خلال تعليقاته عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك»، التي امتلأت بفكر نضالي ضد الإرهابيين، بحيث أظهرت تدويناته روحا مليئة بالعزيمة حين كتب ذات مرة «جايكم يا خوارج يا كلاب النار نهاركم أسود إن شاء الله»، وحرص السعيطي على توثيق بطولاته وجهوده في تفكيك المتفجرات عبر صفحته الشخصية، فيما حرص على تدريب بعض الأفراد والأشبال على تفكيك الألغام والمتفجرات في الداخل والخارج، كما شارك في بعض الدورات التدريبية في دولة الإمارات العربية، حرص أيضًا على توثيقها.
وكأنه يدرك اللحظة الفارقة عن الحياة، كأن شبح الموت كان يحوم حول أسد ليبيا كما يطلق عليه، جسدت آخر وصية لـ«السعيطي» هذا المعنى عندما أظهر مقطع فيديو تم بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خبير المتفجرات الملازم طارق السعيطي يخاطب الليبيين قبيل استشهاده، وبعد تمكنه من إزالة لغم في منطقة بوعطني قائلاً: «يا ليبيين، الأهم، ابتعدوا عن الفتنة، ابتعدوا عن النميمة، واهتموا بأموركم، فالموت قريب».
فجيعة رحيل السعيطي ألحقت برسائل نعي وتخليد لذكريات خبير المتفجرات، فيما جسدت شهادة زملائه فضائل الراحل الجمة، حيث كتب المراسل الفرنسي لـiTele يقول: «هذا الرجل أنقذ حياة أعداد لا تحصى. أتذكر لقاءنا في بنغازي....سقط طارق السعيطي في ميدان الشرف...فهذا الرجل شهد له العدو قبل الصديق رحم الله شهداء جيشنا البطل وأدخلهم فسيح جناته».
للاطلاع على العدد 34 من «جريدة الوسط» اضغط هنا (ملف بصيغة PDF)
تعليقات