تعتزم المحكمة العليا الأميركية، إلغاء حق النساء في الإجهاض، حسبما أظهرت مسودة مسربة لمشروع قرار وافق عليه أعضاء المحكمة بالغالبية، وهو ما من شأنه أن يطيح بالحماية الدستورية لهذا الحق الذي أقر قبل 50 عاما تقريبا.
وصاغ القاضي سامويل آليتو، نص المسودة التي لا تزال مدار نقاش داخل المحكمة، منذ فبراير، على ما ذكر موقع بوليتيكو، فيما يعد تسريب مسودة قرار لا يزال قيد النقاش، خرقا استثنائيا، بحسب وكالة «فرانس برس».
وتصف المسودة التي جاءت في 98 صفحة، القرار التاريخي العائد لعام 1973 بناء على قضية «رو ضد ويد»، والذي يكرس حق الإجهاض «خطأ فادحا منذ البداية».
ويقول آليتو «نرى أنه ينبغي إلغاء رو ضد ويد»، في النص الذي اعتُبر «رأي المحكمة» ونشرته بوليتيكو على موقعها الإلكتروني، ويضيف «حان الوقت للعودة إلى الدستور وإعادة مسألة الإجهاض إلى ممثلي الشعب المنتخبين».
وفي قضية «رو ضد ويد»، كرست أعلى محاكم البلاد، ويغلب عليها حيث يغلب عليها المحافظون، حق الإجهاض في الدستور.
«الإجهاض يطرح مسألة أخلاقية عميقة»
وفي قرار يعود للعام 1992 في ختام قضية «بلاند بيرنتهود ضد كيسي»، كفلت المحكمة حق المرأة في أن تنهي طوعا حملها ما دام جنينها غير قادر على البقاء على قيد الحياة خارج رحمها، أي لغاية حوالى 22 إلى 24 أسبوعا من بدء الحمل.
- فلوريدا تحظر الإجهاض بعد 15 أسبوعا من الحمل
- منظمة الصحة العالمية تدعو لرفع القيود عن الإجهاض
ويقول آليتو إن «الإجهاض يطرح مسألة أخلاقية عميقة» ويضيف «لا يحظر الدستور على مواطني كل ولاية تنظيم أو منع الإجهاض»، موضحا أن «الاستنتاج الذي لا مفر منه، هو أن الحق في الإجهاض ليس متجذرا بعمق في تاريخ الأمة وتقاليدها».
وتتعرض حقوق الإنجاب في الولايات المتحدة، للتهديد في الأشهر الأخيرة، في وقت تعمد ولايات يقودها جمهوريون، إلى تشديد القيود فيما يسعى بعضها إلى حظر جميع عمليات الإجهاض بعد ستة أسابيع أي قبل أن تدرك الكثير من النساء أنهن حوامل.
تنديد الديمقراطيين
وندد ديموقراطيون بارزون بمساعي المحكمة العليا لإبطال حق الإجهاض، إذ قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، في بيان مشترك «إذا صح التقرير ستكون المحكمة العليا بصدد فرض أكبر قيود على الحقوق في الخمسين عاما الماضية، ليس فقط على النساء ولكن على جميع الأميركيين».
وأضاف البيان «إن أصوات القضاة المعينين من جمهوريين لإلغاء قضية (رو ضد ويد) ستصبح أمرا مقيتا، إحدى أسوأ القرارات وأكثرها ضررا في التاريخ الحديث».
ويشن سياسيون يمينيون هجوما على حق الإجهاض، فيما يسعى ديموقراطيون يتقدمهم الرئيس جو بايدن، إلى حماية الوصول إلى هذا الحق.
وفي ديسمبر الماضي، وخلال مرافعات شفهية بشأن قانون في ميسيسيبي يحظر معظم عمليات الإجهاض بعد 15 أسبوعا، بدا أن الغالبية المحافظة في المحكمة العليا لا تميل فقط إلى دعم القانون، إنما إلى إلغاء قانون «رو ضد ويد».
ويتوقع أن تصدر المحكمة المؤلفة من تسعة قضاة، ويهيمن عليها المحافظون بواقع ستة، في مقابل ثلاثة بعد تعيين الرئيس السابق دونالد ترامب ثلاثة قضاة، قرارها بشأن قضية ميسيسيبي بحلول يونيو المقبل.
ونقلت بوليتيكو عن مصدر مطلع على مداولات المحكمة، أن أربعة قضاة آخرين هم كلارنس توماس ونيل غورستش وبريت كافانو وإيمي كوني باريت، صوتوا تأييدا لآليتو، معد أول مسودة للنص.
وقالت إن ثلاثة قضاة ليبراليين في المحكمة، يحضرون اعتراضا ولم يعرف بعد كيف سيصوت القاضي جون روبرتس في نهاية المطاف.
القضاء يغيرون أحيانا موقفهم قبل القرار الأخير
وشددت بوليتيكو، على أن الوثيقة التي حصلت عليها مسودة، وبأن القضاء يغيرون أحيانا موقفهم قبل القرار الأخير.
وتجمع مئات الأشخاص بينهم مؤيدون لحق الإجهاض ومتظاهرون من الرأي الآخر، ليل الإثنين أمام مقر المحكمة العليا، وهتف المؤيدون لخيار الإجهاض «جسمي، خياري».
وقالت آبي كورب (23 عاما)، طالبة دراسات العليا ومساعدة في الكونغرس «نحن بحاجة لوصول آمن للإجهاض لأن جعله غير قانوني لن يوقفه، بل سيجعله أكثر خطرا».
وأوضح مادلين هرن (25 عاما)، من نورث كارولاينا، إنها شعرت «باستياء شديد» لدى سماعها الأنباء، وأضافت «لم أبك.. بل إني غاضبة جدا».
تسريب غير مسبوق
وتسريب مسودة قرار فيما لا تزال القضية قيد النقاش، أمر نادر الحدوث، وقالت بوليتيكو إنها المرة الأولى في التاريخ الحديث، التي يتم فيها الكشف عن مسودة قرار علنا.
واعتبر نيل كاتيال، الذي شغل منصب المحامي العام خلال عهد الرئيس باراك أوباما، في تغريدة على تويتر، بأن تسريب الوثيقة «يعادل تسريب أوراق البنتاغون»، في إشارة إلى الوثائق المسربة حول تورط الولايات المتحدة في فيتنام.
وردا على سؤال بشأن المسودة، قالت ناطقة باسم المحكمة العليا «لا تعليق للمحكمة».
وقال معهد غوتماكر، مجموعة الأبحاث المؤيدة لخيار الإجهاض إن 26 ولاية «بالتأكيد أو من المرجح»، أن تحظر الإجهاض في حال إلغاء قانون «رو ضد ويد».
أما الولايات الليبرالية، التي تقرر القيام بذلك فإنها ستسمح قانونيا بالإجهاض، حتى وإن ألغت المحكمة العليا قانون «رو ضد ويد».
وسارعت منظمة «بلاند بارينتهود»، التي تدير عددا من عيادات الإجهاض إلى التنديد بهذه المسودة، وقالت في تغريدة على تويتر «لنكن واضحين: هذه مسودة أولية. إنها شائنة وغير مسبوقة لكنها ليست نهائية، الإجهاض لا يزال حقك ولا يزال قانونيا».
أما السناتور المحافظ عن ميزوري، جوش هولي، فرحب بتقرير بوليتيكو، وقال «إذا كان هذا رأي المحكمة، فيا له من رأي»، مضيفا «تم بحثه بشكل مكثف ونوقش بإحكام وهو قوي من الناحية الأخلاقية».
تعليقات