Atwasat

«الوسط» تنشرها على حلقات.. ماذا قدمت الموسوعة الليبية الميسرة للبوصيري عبدالله؟

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 09 يوليو 2023, 08:28 مساء
WTV_Frequency

على عدة حلقات متتابعة تنشر «الوسط» أجزاء من الموسوعة الليبية الميسرة التي أنجزها الكاتب الليبي البوصيري عبدالله.

البوصيري المولود في مدينة مصراتة في العام 1946، درس المسرح والإخراج التلفزيوني في فرنسا، وكتب العديد من النصوص المسرحية والأدبية، كما كتب في النقد، ونشر العديد من المقالات المتخصصة في أكثر من مطبوعة محلية وعربية.

وإلى جانب الكتابة عمل البوصيري بالإخراج المسرحي وتصميم الديكور، كما قدم للإذاعة مجموعة من البرامج.

وحصل على الجائزة الثانية في التأليف المسرحي للعام 2016 في مسابقة الهيئة العربية للمسرح في الشارقة وذلك على مسرحية «آلهة العرب».

آريوس Arius:
مفكر لاهوتي عظيم وواعظ زاهد، وهو في الوقت ذاته مناضل جلد شغل بأفكاره وآرائه العالم المسيحي كله بدءاً من القرن الثالث الميلادي ولعدة قرون أخرى لما له من قدرة على الإقناع كانت باعثاً على الاجتذاب حول شخصيته الفريدة والمتميزة.

ولئن أجمعت جُلُّ المصادر المسيحية على أصله الليبي، فإن بعضها الآخر يخفي هذه الحقيقة، فمعجم المنجد في الأعلام -مثلاً- يشير إليه بوصفه كاهناً مصرياً، وقمين به أن يقول: «كاهن ليبي مارس الكهانة في مصر» كغيره من اللاهوتيين الليبيين. والدكتور لؤي محمود سعيد بالرغم من اعترافه بليبية آريوس فإنه غالباً ما يشير إليه على أنه ليبي- مصري.

ومع كل الاهتمام بشخص آريوس وبنظريته اللاهوتية لم تحدد البحوث والدارسات المعنية مكان مولده تحديداً دقيقاً يساعد الباحثين على الإلمام بالمعطيات والظروف العامة للمدينة التي شهدت مسقط رأسه، وهي في الغالب إحدى المدن الليبية المعروفة وقتئذ بـالمدن الخمس (بنتابوليس) التي انتشرت فيها الديانة المسيحية منذ العام 63 ميلادية، وذلك بفضل الحملات التبشيرية التي نهض بها القديس مرقس الليبي الأصل أيضاً. أما دائرة معارف البستاني فتقول: إنه ولد «بليبية القيروان في أفريقية» وواضح أنه يقصد قورينا وهي عاصمة البنتابوليس، وهذا ما نميل إليه نظراً لانتعاش هذه المدينة ثقافياً وعلمياً.

ثم يقع الاختلاف بين المصادر حول تاريخ ميلاد آريوس، فبعضها يرى أنه ولد في العام 256 ميلادياً، وبعضها يعتقد أنه ولد سنة 260 ميلادية، بينما دائرة المعارف تؤخر مولده عشرة أعوام أخر، إذ تراه من مواليد 270 ميلادية.

والغريب أن الاختلاف لم يقتصر على مكان وتاريخ مولد آريوس فحسب، بل اختلف القوم في وصفه أيضاً، فمنهم من قال إنه كان ذا جمال وهيبة، ومنهم من قال إنه طويل القامة نحيف الجسم شنيع الصورة. وكيفما كانت هيئة الكاهن آريوس فقد اتفق الجميع على فصاحته ولطف معاشرته واجتهاده في أحداث أمور جديدة.

تلقى آريوس مرحلته التعليمية الأولى في قورينا حيث ولد، ولما كانت ولايتا برقة وطرابلس تابعتين للكنيسة الإسكندرية من حيث الإشراف الديني، فقد انتقل آريوس إلى مصر ليتعلّم بمدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي أسسها مواطنه القديس مرقس حسب أصدق المصادر. وفي هذه المدرسة الشهيرة واصل آريوس تعليمه حتى أدرك درجة النبوغ في علم اللاهوت متأثراً بأفكار عماد مدرسة الإسكندرية الشهير اورجين.

في عصر الأسقف آريوس كانت توجد مدرستان شرقيتان تتنافسان في مجال علم اللاهوت، هما مدرسة الإسكندرية التي تأخذ بالمنهج النقلي، ومدرسة إنطاكية بسورية التي تأخذ بالمنهج العقلي، وقد التحق بها آريوس بعدما ارتوى من نبع مدرسة الإسكندرية، وهناك تتلمذ على يد أستاذها (لوقيانوس) وهكذا جمع بين الاتجاهين السائدين، أي المنهج النقلي والمنهج العقلي، وكدليل على تشبع آريوس بأفكار المدرستين ناشته سهام النقد حيث اتهمه الإنطاكيون بأنه إسكندري النزعة، في حين اتهمه السكندريون بأنه ذو نزعة إنطاكية. ومع ذلك يقول البستاني: «كان له إلمام بعلوم كثيرة إلا أنه كان غير متضلع فيها».

قفل آريوس راجعاً إلى الإسكندرية في خواتيم العقد الأول من القرن الرابع الميلادي، حيث تشير إليه المصادر كأحد المساندين الأقوياء للقس مليتوس أسقف أسيوط الذي كان من أشد خصوم بطرس الأول بطرك الإسكندرية الذي توفي العام 311 ميلادياً.

دخل آريوس في السلك الكهنوتي بالإسكندرية في عهد البابا اخيلاس الذي خلف بطرس (العام 312 م) ثم رقي في عهد البطرك إسكندر (312-328 م) حتى أصبح كاهناً لكنيسة صغيرة في الإسكندرية، ولكنه في الوقت نفسه كان مسؤولاً عن منطقة (بوكليس) وهي منطقة قريبة من ميناء الإسكندرية ذات كثافة سكانية عالية. وقد ظل في هذا الوظيفة الدينية حتى العام 318 ميلادياً وهو العام الذي وقع فيه الصدام الفكري العقائدي بينه وبين البطرك إسكندر. وهو صدام فسّره كرم البستاني على أنه صدام أخلاقي لا فكري، متهماً آريوس برذيلة الحسد لأنه - حسب زعمه - كان يطمع بالخلافة.

اتسعت دائرة الخلاف بين البطرك إسكندر والكاهن آريوس الأمر الذي أدى إلى انقسام كنيسة الإسكندرية بين مؤيد ومناهض، ولحسم هذا الخلاف انعقد في سنة 320 مجمع شهده نحو مئة أسقف من مصر وليبية وجمهور من القساوسة. أسفر عن اتخاذ قرار بحرمان آريوس وعزله، كما أمر بعزل جماعة من القسس والشماسة الذين تمسكوا بآرائهم الآريوسية –انظر المادة-. إثر ذلك غادر آريوس مصر قاصداً فلسطين وسورية، فتحزب له أساقفة كثيرون في تلك الجهات ولا سيما أوسابيوس أسقف قيصرية وغيره من أساقفة بيروت وصور واللاذقية وغيرها. فلما بلغ ذلك إسكندر ساءه الأمر جداً و أوعز إليهم بتركه فتركوه فعلاً ، فلجأ آريوس إلى أسقف نيقوميدية فساعده كثيراً وقبل به في الشركة ورده إلى القسيسة.

ولما خيف سرعة امتداد آراء آريوس التي سببت بلابل وقلاقل عظيمة في الديار الشرقية وكنائسها، وأثر ذلك على الأوضاع السياسية وجه الإمبراطور قسطنطين العام 325 ميلادياً دعوة أساقفة كنائس الإمبراطورية كافة لعقد اجتماع يحسم الاختلاف العقائدي الذي اندلع بسبب آراء اللاهوتي العنيد آريوس. وقد استجاب لهذه الدعوة أكثر من 300 أسقف لحضور مجمع ديني في مدينة نيقية (Nicaea) تواصلت فعالياته زهاء أربعة أشهر أسفرت أخيراً على توقيع جميع الأساقفة على ما سُميّ فيما بعد بـ(قانون الإيمان الأرثوذوكسي) بينما امتنع آريوس وأنصاره عن التوقيع، ومن ضمنهم أسقفان ليبيان. فقام المجمع بحرمانهم كنسياً وقرر نفي آريوس. وتحريم اقتناء كتبه، بل جرى حرقها في شبه موكب احتفالي، ومن بين هذه الكتب كتابه الموسوم (Thalia) الذي يتضمن آراءه جميعها. وثني الإمبراطور فسجن آريوس.

بيد أن المسألة لم تنته عند هذا الحد فقد اضطر الإمبراطور قسطنطين فيما بعد أن يفرج عن آريوس بل بدأ يميل إليه بتأثير من أخته (قسطنا) بل إن قسطنطين قبِل التدخل في الأمور الدينية فبدل جهداً كبيراً في أن يبين للأسقف إسكندر أن المسألة الواقع عليها الخلاف قليلة الاعتبار ولا تتصل بجوهر الإيمان. غير أن هذا الأخير رفض. فانبعث النزاع الديني من جديد وكان محوره هذه المرة مسألة «كيف يجتمع في شخص المسيح الطبيعيتان الإلهية والبشرية». فاهتبل آريوس هذه المناسبة فعقد العزم على العودة إلى مصر، حيث يدور الصراع الديني على أشدّه، ولكنه توفي على الطريق في سنة 336 ميلادية عن عمر ناهز الثمانين عاماً.

المصادر:
البستاني: دائرة المعارف – مادة : آريوس / سعيد، لؤي محمود: الأصول المصرية الليبية للأرثوذوكسية وأثرها على العالم المسيحي (بحث) نشر ضمن كتاب: الجذور المشتركة للحضارات العروبية القديمة. ص 313- 331 / البرغوثي: التاريخ الليبي القديم . ص 456-457/ جود تشايلدر: دراسات ليبية. تر: الدكتور عبد الحفيظ فضيل الميّار. ص 420/ توتل: المنجد في الأعلام- مادة: آريوس.

«الوسط» تنشرها على حلقات.. ماذا قدمت الموسوعة الليبية الميسرة للبوصيري عبدالله؟

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
ليبيا تشارك في المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات
ليبيا تشارك في المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات
أربع صحفيات مخضرمات يقاضين «بي بي سي» بتهمة التمييز
أربع صحفيات مخضرمات يقاضين «بي بي سي» بتهمة التمييز
انطلاق الدورة الأولى لمهرجان «بردية» لسينما الومضة وفلسطين ضيف الشرف
انطلاق الدورة الأولى لمهرجان «بردية» لسينما الومضة وفلسطين ضيف ...
المخرجة نادين لبكي: علاقتي بمهرجان كان «عائلية تقريبا»
المخرجة نادين لبكي: علاقتي بمهرجان كان «عائلية تقريبا»
المدّعون يسعون إلى صدور إدانة جديدة لهارفي واينستين
المدّعون يسعون إلى صدور إدانة جديدة لهارفي واينستين
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم