Atwasat

أدباء ومثقفون: فوز النعاس بـ«البوكر» نجاح لليبيا ويعيد الحياة للمشهد الإبداعي

طرابلس - بوابة الوسط: عبد السلام الفقهي الإثنين 23 مايو 2022, 02:40 مساء
WTV_Frequency

فازت رواية «خبز على طاولة الخال ميلاد» للكاتب الليبي الشاب محمد النعاس بالمركز الأول ضمن اختيارات القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية في نسختها العربية للعام 2022، التي أعلنت، الأحد، في العاصمة الإماراتية أبوظبي.

وإلى جانب «خبز» النعاس، تضمنت القائمة القصيرة للجائزة ست روايات هي «أسير البرتغاليين» لمحسن الوكيلي من المغرب، «دلشاد» لبشرى خلفان من عمان، و«ماكيت القاهرة» لطارق إمام من مصر و«يوميات روز» لريم الكمالي من الإمارات و«الخط الأبيض من الليل» لخالد النصر الله من الكويت.

تنتقد رواية النعاس الأنماط السائدة في المجتمعات الشرقية والعربية تحديداً، خصوصاً في ما يتعلق بمفاهيم الرجولة والأنوثة، وتعري جانباً من تناقضاتها بل وتكشف حدة الإشكال القائم على الممايزة الشكلية دون أن ندرك أن تلك الفواصل تطيح أو تشوه جوهر العلاقة الإنسانية بين البشر عموماً وكذا بين الرجل والمرأة.

فالرواية تجر التساؤلات المسكوت عنها في واقعنا وتحاول الإجابة عنها بإعادة رسم حياة نماذجها على مسار نفسي دون مكياج أو رتوش، أو مبالغة في الوصف، إذ يأتي الإيقاع هادئاً رغم وعورة ممراته ومسالكه، فهو يحفر عميقاً في كينونة الذات الممزقة بين أن تكون على نحو لا يوافق طبيعتها وتفكيرها أو تمارس طقوسها التي تعنيها ويرفضها المجتمع.

فوز مستحق
الشاعر والكاتب رامز النويصري عبر عن توقعه المبكر للفوز، وأشار إلى تدوينة سابقة بالخصوص بتاريخ 6 مايو يقول نصها «زيارة خاطفة لمصر تمكنت فيها من اقتناء رواية الجميل محمد النعاس وهنا أصرح أن الرواية هي رواية بوكر عالمية بامتياز، ومن هنا أهنئ صديقي النعاس بالجائزة».

وعلقت فتحية الجديدي مدير تحرير جريدة «الصباح» بأن فوز النعاس يجسد مستوى المنافسة التي وصلت لها الرواية الليبية، وهو إضافة للمشهد الأدبي والثقافي، كما يعطي حافزاً للكتاب الليبيين الشباب لمواصلة الكتابة، كذلك فتح آفاق التناول للقضايا المتعلقة بالتاريخ والهوية المكونة لهذ البلد.

ويرى الروائي إبراهيم الإمام أن فوز النعاس بجائزة البوكر هو نجاح للسرد الليبي بشكل عام ويرمي الكرة أمام المسؤولين والجهات المعنية بالشأن الثقافي، بضرورة دعم المواهب وكل منجز أدبي باعتباره القفاز الناعم الذي نواجه به تحديات العصر، والأدب باعتباره ترمومتر المجتمع فهو القادر على فهم وإدراك تحولاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كذلك.

- بالفيديو .. فوز «خبز على طاولة الخال ميلاد» لليبي محمد النعاس بالجائزة العالمية للرواية العربية
محمد النعاس: «ميلاد» هو الجلاد والضحية.. وكتبت الرواية لأنقذه من غربته

وأضاف «رأينا الجمهور الليبي يحتفل بفوز الميلان في المقاهي والشوارع، لماذا لم يجتمع المثقفون أيضاً في مقهى انتظاراً لنتيجة الجائزة للاحتفاء بها، حتى القنوات الليبية كانت غائبة عن الحدث، للأسف الاحتفاء كان فيسبوكيا وهذا لا يكفي».

ووصف الصحفي والشاعر مهند سليمان الحدث بالقول «كان ضرورياً للأدب الليبي في هذه الظروف ذات الانعطافات المتضاربة أن يفوز كاتب كمحمد النعاس بجائزة رفيعة مثل البوكر، فإن المشهد الإبداعي في بلادنا بحاجة ماسة لرافد يعيد إليه الحياة مجدداً هو فوز للأدباء والقراء فوز لنا جميعاً... وأعتقد أن من الأسباب الوجيهة التي تجعل محمد النعاس جديراً بهذا الاستحقاق الرفيع هو أنه أحد القلائل في رأيي الذين تمكنوا من إيجاد ملامح انتمائهم للجيل الحالي وهذا سبب رئيس لفوز النعاس بالجائزة.... فالقارئ لما يكتبه محمد النعاس سواء في المقالة الأدبية أو القصة القصيرة أوالرواية سيلمس مدى صدقه ووفائه لأبناء جيله وبساطته المطعمة بالسخرية وبحقيقة ما يرى وما هذا الفوز إلا انطلاقة أولى».

الشخصية والنص
ربما يقودنا السرد إلى فهم شخصية الخال ميلاد وكذا بيئته الأسرية، وكيف تشكلت علاقته مع المحيط داخل الرؤية النمطية المحجبة بالتقاليد المحتفظة بالتعريفات الجاهزة للخطأ والصواب أو الحلال والحرام .. هنا نرى جانباً من ذاكرته التي تستدعي الماضي من طفولته، يقول النص:

«أسرعتُ قافزاً في المياه على الشاطئ أشاهدُ أبي الذي نزع قميصه، بدا شعر صدره كغابة كثيفة تحمي بشرته الحنيّة، دخل البحر بعد أن اطمأن على وضع أسماء وبقية الفتيات، دخل إلى الغريق يسبحُ دون توقف حتى لم يعد بإمكاننا رؤيته بسهولة. تشوّش حلمي قليلاً، كنتُ مليئاً بالتراب أمني النفس لو أمكنني العوم مثل أبي حتى تلك المسافة البعيدة، لكن خائفاً من البحر في الوقت ذاته، الصادق يضحكُ من جُبني وهو يسبح حتى يصل مستوى الماء إلى رقبته (تعال لا تكن مثل البنات)».

تكشف لغة الخطاب السردي في هذا المقطع معنى الرجولة في مجتمعاتنا الشرقية وهي ميراث طويل من الأنساق الثقافية، مزيج الأعراف والتقاليد والأمثال والحكايات وأنماط التربية الحاكمة في وضع خط عام لأدبياتها الصارمة اذ يكفي أن يتردد ميلاد في السباحة لينعته الصادق بصفة من قاموس الأنساق «لا تكن مثل البنات»، قالب يغلف البنية الأخلاقية ويلقي بها في وجه أجيال كاملة لها أفكارها وتصوراتها ورؤيتها للحياة بعيداً عن تلك الأسوار، والتي لا تجد بداً من الاصطدام معها بل ومساءلتها في جوهر العقيدة الذكورية التي تحاجج بها.

ميلاد وزينب
لا ينظر ميلاد إلى نفسه فقط وهو يستمع إلى عبارة الصادق بل إلى زينب الفتاة التي ستصبح زوجته في المستقبل، ترسم العبارة ظلاً ثقيلاً من التساؤلات، تتفجر داخله كإعصار ينتفض للخروج في صورة عبارة «أنا لست إلا نفسي» لن يفرض الواقع شيئاً مغايراً ما دامت الأنماط تستبد بشخوصها وتدفعهم إلى سردابها القاتل. يقول النص:

«كان الصادق يضحك بينما يقف على كتفي أبي، أردت ذلك، (ميلاد، إذا لم تأتِ سأغرقك) قال أبي، قفز الصادق ومن ثم سبح أبي اتجاهي، أردت الخروج من البحر لكن جعلني وجود زينب الجالسة على الشاطئ بجانبي في موقف حرجٍ، لم أرد لفتاة غريبة عني أن تضحك عليّ».

لاحقاً سيختار البطل حياته التي يريد منتمياً إلى نفسه كما حاورها ذات لحظة على الشاطئ، يرسمها بألوانه وفرشاته ويهديها أيضاً إلى ذاته التي دافعت عنه بشغف، يتزوج زينب ويتعايشان في فضاء متحرر من رسم الأنساق المذكورة، ضارباً عرض الحائط بكل شروطها وقيودها، لا يود مغادرة العالم الذي عرفه بل يحاول إيجاد مساحة يرى بها ذلك الفضاء دون أن يعني ذلك العيش في احتراب معه. يقول النص

«ركنتُ البيجوعلى الرصيف، ثم انتقلت سارة تقود سيارة والدها المركونة في القاراج وخرجت مع زينب - كانت زينب متلهفة وتريد الفستان بعجالة-، حملتُ الحقائب إلى الداخل صحبة ما اشتريتُ من السوق جبناً، كان صعباً أن أجد جبناً بجودةٍ جيدة لكن فعلتُ ذلك في النهاية، كما قمتُ بشراء الخضار التي سأستخدمها للصلصة، أستخدم نوعاً معيناً من الصلصلة للبيتسا المنزلية، هي مزيج من الطماطم، الثوم، الحبق والزعتر وزيت الزيتون بنسبٍ متفاوتة. تركتُ زينب مع سارة صديقتها الجديدة لتشتري فستاناً شبيهاً، قمتُ بطبخ الصلصة وعجنِ البيتسا حتى تكون شبه جاهزة للسهرة».

«خبز الخال ميلاد» يفجر الكثير من التساؤلات المسكوت عنها في مجتمعاتنا العربية ويرفع سقف النقد إلى وجوب النظر إلى هذه السلوكيات كنمط حياتي ينبغي التعامل معه وفق الشرط الإنساني لا الخيارات اليتيمة التي شكلت تيمة الثقافة المجتمعية «أبيض أو أسود».

محمد النعاس (الإنترنت)
محمد النعاس (الإنترنت)
رواية «خبز على طاولة الخال ميلاد» للكاتب الليبي محمد النعّاس (الإنترنت)
رواية «خبز على طاولة الخال ميلاد» للكاتب الليبي محمد النعّاس (الإنترنت)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
إلغاء حكم يدين هارفي واينستين في قضايا اغتصاب
إلغاء حكم يدين هارفي واينستين في قضايا اغتصاب
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
وفاة المخرج الفرنسي لوران كانتيه عن 63 سنة
وفاة المخرج الفرنسي لوران كانتيه عن 63 سنة
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم