Atwasat

محمد النعاس: «ميلاد» هو الجلاد والضحية.. وكتبت الرواية لأنقذه من غربته

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 22 مايو 2022, 07:56 مساء
WTV_Frequency

أجرى موقع الجائزة العالمية للرواية العربية، قبل أيام، حوارًا مع الكاتب الليبي، محمد النعاس، بصفته أحد المرشحين الخمسة للقائمة القصيرة للجائزة، وقبل أن تحصدها فعليًا روايته «خبز على طاولة الخال ميلاد»، الأحد.

وفي هذا الحوار، قال النعاس: «كتبتُ الرواية (خبز على طاولة الخال ميلاد) كي أنقذ ميلاد من غربته، فعلى الرغم من كثرة الأمثال الشعبيّة في ليبيا لا نجد إلا مثلًا واحدًا يتيمًا يرسم صورة الرجل الضد (عيلة وخالها ميلاد)، وما عدا ذلك فإن الموروث اللساني في البلاد لا يحتفي في أمثلتها إلا بالرجل المثالي، فتارة هو الذي مات في المعارك التاريخية كالهاني وتشاد، وتارة هو الذي يربّي زوجته على يده، وتارة هو الديك المسيطر على دجاجاته وهو الفارس الذي يكبح جماح فرسه/زوجته، وهكذا تتوالى حتى يمكنك رسم صورة واضحة لذلك الرجل».

- فوز «خبز على طاولة الخال ميلاد» لليبي محمد النعاس بالجائزة العالمية للرواية العربية

وتابع الفائز بالجائزة في دورتها الخامسة عشرة: «أما مثل (عيلة وخالها ميلاد) فهو مثل وحيد كميلاد نفسه، لا يرسم صورة حقيقية لهذه الشخصية لمن هم خارج السياق الليبي، ما الذي يفهمه قارئ تونسي أو مصري أو إماراتي من هذا المثل إذا لم أقصّ له الحكاية كلها؟ لا شيء. ولهذا ظهرت قصة الرجل الواحد (ميلاد) بمساءلة لهذا المثل واستنطاقه قدر ما أمكن».

 شخصية ميلاد
أوضح النعاس بقوله: «فمثلًا، كان على شخصية ميلاد أن تكون خالًا، هذا يعني أنه يجب ألا يكون له أخ، لأن العم في العرف الليبي هو الذي يقوم مقام الأب لا الخال. يأتي الخال في المرتبة الثانية. وكان من المحتم أن تكون له أخوات لا أخت واحدة فقط، فالأخت الواحدة قد لا تؤثر في حياته كما تفعل أربع، وكان عليه أن يكون الرجل الوحيد في هذه العائلة (المتكونة من أمه وأخواته وزوجته)، وكان على والده أن يموت مبكّرًا في حياته».

واستكمل الكاتب الليبي: «ولأنني أعرف سياق المثل، كان على ميلاد أن يخرج بشخصيّة الرجل «الضعيف» وهذا يعني أنه كان على أهله من النساء أن يحملن نزعات تحررية حتى لو لم يُصرّحن بالأمر، وذلك بتأثيره نفي شخصيته وحياته واختياراته، وهكذا يمكن تشريح المثل وبناء الشخصية والقصة منه».

وقال: «كانت هذه المسألة تبدو لي صعبةً معقّدةً في البداية، ولكن حالما بدأت أقتفي مسار الشخصية، صارت مسليّة فجأة. احتجت إلى نماذج عن (المثالية) بالطبع كوالد ميلاد وعبدالسلام والمادونّا، وهي كلها صور متعددة لميلاد يبحث فيها عن رجولة جديدة، ولكن الرواية بأكملها هي رواية الرجل الواحد (ميلاد)، الرجل الذي جرى طمس ملامحه في المدوّنة الأدبية الليبية وفي الموروث الشفوي وتعمل هذه الرواية على إعادة الملامح إلى وجهه».

نهاية الرواية
فيما شهدت نهاية الرواية تحوّلًا كبيرًا في شخصية ميلاد أدهشت الكثير من القراء، وعن ذلك علق النعاس: «في تقديري لا أرى في النهاية تحوّلًا كبيرًا، لأن الرواية مبنية بتقاطع الأزمان، فمثلًا النهاية الحقيقية للرواية هي بدايتها، لأن أحداثها تدور في الزمن الذي تلا ما فعله بزينب في آخر الكتاب».

وأوضح: «لم أخطط لشيء مُعيّن وأنا أكتب، كنت أعرف فقط بأنّه كان على الرواية أن تنتهي بنهايتيْن لا ثالثة لهما، الأولى أن يضحّي ميلاد بنفسه والثانية أن يضحي بزينب، وقد وضعت الإشارات عن هاتيْن النهايتيْن في الرواية بأكملها، كان عليّ فقط تتبع خيط القصة كما يفعل القرّاء، وكان على زينب إما أن تكون نائمةً فعلًا كما ادعى ميلاد في بداية الرواية أو أن تكون كما عرف القارئ بعد ذلك؛ ولهذا اندهشتُ من النهاية حتى إنني نسيت ما وضعته من إشارات عنها».

وكشف الروائي الليبي أن «ميلاد هو الجلّاد والضحيّة في آنٍ واحدٍ، وهو ركام عقودٍ من الصمتِ، وللصمت جغرافيا وطبقات وهدير لا نستمع إليه للأسف إلا حين يثور البركان، لذلك فإن الغريب حسب رأيي هو ألا تشهد الشخصيّة تحوّلًا جارفًا في نهاية الرواية».

يقول ميلاد إن علاقته بزينب أنقذته وهدّأت روحه. والخبز في الرواية أيضًا شخصية رئيسية ويتضح ارتباطه به في النهاية حتى أكثر من ارتباطه بزوجته وحبيبته زينب. حدثنا عن دور الحب والخبز في الرواية.

الحب هو الخبز
وعن «الحُب»، يقول الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية: «هو الخُبز في هذه الرواية. بالأحرى، علاقة ميلاد مع الناس ومع زينب بالخصوص هي انعكاس لعلاقته مع الخُبز، ميلاد يظن أن زينب هي من أنقذته وهدأت روحه، لكنه لم يكن يعرف أن الخبز هو من فعل ذلك قبلها وفعله بعدها. إذن، فميلاد لا يحبّ زينب قدر حبّه للخبز، ففي محاولته الأخيرة للانتحار كان رغيف الخبز الذي نسيه في البيت هو الذي أنقذه، وكانت علاقته مع زينب هي التي جعلته يحاول الانتحار غرقًا في البحر. إذن دور الخبز محوري ولهذا جاء الفصل الأخير عبارة عن وصفتين: وصفة للخبز، ووصفة للتخلص من زينب. الوصفة الأولى هي وصفة عودة ميلاد إلى حياته الطبيعية، أي العودة لما يُحب فعله وقد كاد يكره العالم من أجله. وبهذا يكون الخبز هو السيّد في الرواية، الخبز هو البطل الحقيقي الذي يمسك بروح البطل المزيّف (ميلاد) وأفعاله، كما كان الخبز دومًا، سيّد الإنسان. يخادعه بهشاشته ومذاقه الفريد ليسيطر عليه».

وحسب النعاس، فإن عنوان الرواية «خبز على طاولة الخال ميلاد»، وهو عنوان واضح يعطي أهميّة للخبز أكثر من بقية الشخصيات، ولا أحد من شخصيات الرواية كان يملك العلاقة التي يملكها ميلاد مع الخبز نفسه. وإن كتبتُ عن وجهة نظر أي شخصية أخرى حول الخبز، كانت الرواية ستتشوه.

و«متعة الرواية جاءت من كونها محكيّة على لسان ميلاد، ولم أفكّر في كتابتها على لسان زينب مثلًا لأسباب عديدة، أهمها أن زينب هي صوت المرأة الليبية المكبوتة، وفي انعدام جانبها من القصة قصة أخرى وتأويل آخر لها. ما يترك مساحة للقارئ لكي يؤوّل قصتها كما يشاء. فأنا لا أعرف إلى اليوم ما إذا كانت زينب قد خانت ميلاد أم لا، ولا يجدر بي حقيقةً أن أعرف»، حسب ما قال النعاس لموقع الجائزة على الإنترنت.

أعمال الكوني وصوت ليبا
وعن الكتاب الذين تأثر بهم، قال النعاس: «يمكنني أن أسمّي كتّابًا كانوا محطة مهمة في حياتي. فعند قراءتي لـ(موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح، أردتُ بشدّةٍ أن أكتب رواية. كان ذلك قبل أحد عشر عامًا. وعندما قرأتُ روايات إبراهيم الكوني، عرفتُ أن ليبيا تحمل صوتًا مختلفًا وعشقتُ الأدب الليبي وبحثتُ عنه في كل كاتب ليبيّ، في كامل المقهور وقصصه القصيرة، خليفة الفاخري، الصادق النيهوم وغيرهم».

وتابع: «وعندما قرأتُ نجيب محفوظ، انفتحت أمامي قصص مدينتي وأدركتُ كيف يمكنني الاستفادة من تجربتي الشخصية ومحيطي للكتابة عنها. تعلّمت من نيكوس كازانتزاكيس فن الدهشة، ومن جورج أورويل الحسّ السياسي الساخر، ومن أورهان باموق عشق التفاصيل الصغيرة حولي. ومازلتُ أتعلّم إلى اليوم، وإذا سألتِني السؤال نفسه بعد سنوات، قد أجيب إجابة مختلفة تمامًا».

وقال: «يعجبني تشبيه الأدب بـ(قوس قزح) لأنه يرمز إلى التعدّد والاختلاف والثراء شأنه شأن التجارب الإنسانيّة، وعندما نحصر أثره في لونٍ واحد فإننا نحكم على الأدب والإنسان معًا بالنمطيّة والجمود، لذلك أحاول الإفادة من كل التجارب في مستوى القراءة، أما حين أكتب فإنني لا أنظر إلا إلى (قوس قزح) المنتشر تحت سماء ليبيا وفوق ترابها».

النعاس وغلاف روايته (الإنترنت)
النعاس وغلاف روايته (الإنترنت)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم