Atwasat

فاطمة الفرجاني.. «إسكتشات» عصارة الكوفيد والبارود

طرابلس - بوابة الوسط: عبد السلام الفقهي السبت 18 يوليو 2020, 12:08 مساء
WTV_Frequency

تقود التشكيلية فاطمة الفرجاني حروف الفرشاة إلى خيالات تفر من الدمار والعزلة، وتغرف من انعكاساتها ما يساعد على خلق فضاء يتقاذفه عالمان واقعي وميتافيزيقي، يوثق لخليط هائل من الأوجاع عبر 35 لوحة مستلهمة، هي عصارة رؤيتها الفنية للحرب والعزلة و«كورونا».

في كامل مدارات المجرة اللونية للوحات تضعنا الفنانة في صورة فظاعة رائحة البارود، وهي تنفث غبارها الجنائزي كشبح زاحف يطل بوجهه الكريه من الأبواب والنوافذ، محاصرا جسد أم السرايا وأنفاسها، وقد نلمح بعض الوجوه الواجمة تحاول الإطلالة من «الإسكتشات» لتتأكد أن ما يجري مجرد كابوس، وسيتكفل نور الفجر بطرد زيارته الثقيلة، لكن ذلك لم يحدث وظلت تلك السحنات «الزومبية»، والخطوط المتماوجة والرؤوس المقرونة والأجساد المتصادمة تنتظر في لهفة وميض الأضواء الفقيدة.

عوالم فاطمة تعاين كذلك حاجة الإنسان إلى الأحلام للتماهي مع رغبته في دفع ألسنة الجحيم، لا لحياة يوتيبية، بل لإعادة إرسال الشحنات السالبة إلى منصات الترجمة البصرية، وتحويلها إلى نماذج يتم استنطاقها بمرموزية من النحت اللوني بغية هضم السواد، إلا أن كثافته ترسو عند نقاط متقدمة أحيانا، ويتفجر الصراع هنا لمنع تمادي مده الجامح.

طالع: روح الوقت في أعمال التشكيلي الليبي علي المنتصر

يكتنف اللوحات ضباب يأبى المغادرة وهو يضع بصمته على التفاصيل ليشير بإبهامه نحونا، إذ علينا تخيل حياتنا قبل التحول إلى زومبيات تعكس فارق القفزة من عالم الضوء إلى عالم الضباب.

تنحت الفنانة في قدسية المشاعر وهي تجوب فضاء مرسمها الصغير، محاولة إيجاد ممر لرؤية عروس البحر «طرابلس» تصطدم باليأس فتلجأ إلى خيالها وفرشاتها المسورة بجدران «كورونا»، لتسلك خيار مسارب أخرى من الأحلام تحاكي عبر زرقة الألوان أنفاس البحر، وتتكئ على ذاكرتها لرؤية ملامح بعيدة لقارب صيد، أو شباب يشاغلون الوقت بالسنارة عند الشاطئ، وآخرون يحتسون القهوة أمام المقهى، أو أطفال يسرعون الخطى إلى مدارسهم، أو سيارات تنفخ في بوقها عند إحدى جزر الدوران، تتداعى الصور وتتقافز مشبعة بالحنين إلى ذلك العالم الذي فقدته فاطمة وتحاكيه ضمنيا خلف إسكتشاتها الغارقة في الحزن.

إحدى اللوحات لوجه يغزوه السواد من الشعر في اتجاه العين والأنف والفم، ولا مكان للبياض فيه إلا في دائرة صغيرة، حيث العزلة والمدافع تكاد تطبق تماما على فاعلية الحواس لولا بواقي البياض الذي يترك نوافذ لأمل قد يلوح في الأفق.

مشهد آخر تتلاحم فيها الأجساد وتتدافع لأعلى، في حالة هروب إلى فضاء آخر، مجاميع لخيالات مرعوبة ومشوشة يسيطر عليها القلق والارتباك، مسكونة بهاجس الرحيل والفرار إلى المجهول، وقد عمدت الفنانة إلى جعل الأجساد هزيلة يتلبسها الضياع، وأخرى متحيرة بنظرة مرتعشة في حسم قرارها بالرحيل من عدمه.

ذات الفضاء تتملاه عيون فتيات في «إسكتش» تتباين فيه أحزمة السواد والبياض، تشخص فيه نظراتهن وقد التحمن مع بعضهن للحصول على لحظة ثبات أو طمأنينة، غير أن الخطر يستبيح البياض ويستفز الأرواح المشدودة إلى الوراء، حيث تتقابل الثنائية الأزلية البقاء والفناء، في معركة يهتز فيها رصيد الأولى لكنه يبقى موجودا.

تنحني أجسام الفتيات وتتماوج في زفة لمجاميع رؤوس متجاورة وسابحة في الصمت، ربما أرادت البوح بمكنونها لكنها تكتفي بالسكوت، إذ لا معنى للكلام في زمن العزلة والبارود، مع إدراجة إضافية تعود الرؤوس مجمعة في «إسكتش» واحد يضم العشرين وجها، تتقاطع في الملامح المنكسرة وتتشابه التقاسيم وكأنما تتناسل من بعضها البعض، ولا تريد الوجوه البروز أكثر، فالوضوح تبنى عليه ضريبة الكلام الذي سيخترق قانون العزلة، بعد أن تحولت إلى ناموس، وبدت مستحكمة في ذوات الشخوص وأضحت مكونا أصيلا في بنيتها النفسية، كما أن هالاتها لا تستأنس إلا بخطوة خارج أسوار السجن، حيث تغدو الحركة خطوة أولى نحو حياة أرعبتها القذائف وجمدتها العزلة.

تدون فاطمة الفرجاني في صورة بانورامية تداخلات النخيل والحمام وأغصان الأشجار، تتوسطها حسناء مائلة بجسدها وتشكل مظلة بكفيها فوق مبنى السرايا، تنصهر العناصر وتتكسر ملامحها وسط أجواء قاتمة لعروس البحر «طرابلس»، الحسناء والمدينة يهفوان للهدوء والسلام، فيما تنبئ الأجواء عن اتجاه معاكس، يحاكي العمل الذي أسميه «غرنيكا عروس البحر» لوحة غرنيكا لبيكاسو، التي صور فيها مرارة الحرب الأهلية بإسبانيا 1937، غير أن الأخير شبع لوحته بمشاهد القتل والصراخ والأجساد الممزقة، بينما لوحة الفرجاني تجسد حالة الكآبة والحزن من الحرب والعزلة، أيضا لها تقارب في لوحة للفنان الهولندي بيتر بولرونز تصف الدمار، حيث تمت الاستعانة بفينوس إلهة الجمال لإبعاد الحرب، كما استدعت فاطمة حسناء العاصمة لتبعد بكفيها شبح الكوفيد والبارود.

من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)
من أعمال الفنانة التشكيلية فاطمة الفرجاني (بوابة الوسط)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
مصر «ضيف شرف» ومحفوظ «الشخصية المحورية» في معرض أبوظبي للكتاب «33»
مصر «ضيف شرف» ومحفوظ «الشخصية المحورية» في معرض أبوظبي للكتاب ...
سيلين ديون تتحدث لأول مرة منذ إعلان إصابتها بمرض نادر
سيلين ديون تتحدث لأول مرة منذ إعلان إصابتها بمرض نادر
لوحة غامضة المصدر لغوستاف كليمت تُطرح للبيع ضمن مزاد في فيينا
لوحة غامضة المصدر لغوستاف كليمت تُطرح للبيع ضمن مزاد في فيينا
جيراك يكرر إفادته والمدعي العام يعتبرها «ملتبسة»
جيراك يكرر إفادته والمدعي العام يعتبرها «ملتبسة»
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم