في مثل هذا اليوم منذ ثلاثين سنة رحل عنا، الرجل الرمز مصطفى عبدالله بن عامر، الذي قال عنه معاصروه إنه: «كان عزما لا يعرف المستحيل، وصوتا نظيفا، وقلما واضحا صريحا؛ رجل رأي وموقف، وشيخ الشرفاء».
هذه الشخصية المأخوذة بحب الوطن، ولد في بنغازي 1908. تعلم القرآن وفك الخط العربي في كتاتيبها، ثم سافر صبيا سنة 1920 إلى القاهرة ودرس في الأزهر، ونال شهادته، وبمجرد أن أصدر الدكتور طه حسين رئيس الجامعة قرار قبول خريجي الأزهر سنة 1933، انضم إلى جامعة الملك فؤاد، وتخرج في كلية الآداب سنة 1939، فكان أول ليبي ينال تلك الشهادة الجامعية. بقى في مصر مع والده، الذي كان من رفاق السيد أحمد الشريف، واشترك معه في عدد من معارك الجهاد. وفي سنة 1943 رجع مع والده إلى الوطن.
وجد أن جمعية عمر المختار قد تأسست في 15/4/1943، ويذكر أن هذه الجمعية قد أسسها سنة 1941 أسعد بن عمران رفقة عدد من أسرى الجيش البريطاني في منطقة عرفت بالكيلو 9 بالقرب من القاهرة. ولما أقعد المرض مؤسسها، وقبل رحيله أوصى بأن تسلم مهام الجمعية إلى مصطفى بن عامر، فكان عند حسن ظنه، وما إن عاد، وتولى مهام مفتش عام مدارس برقة، حتى ترأس قسما من أقسامها، وهو النشاط الثقافي، عمود الجمعية الفقري، فأسس وترأس صحيفة برقة الرياضية، والوطن، ومجلة عمر المختار، ومجلة ليبيا. كانت هذه المنشورات أصبحت كأبواق وطنية، تشجع وتنقد وتوجه الناس نحو ليبيا الواحدة الموحدة.
ويعد الشيخ مصطفى بن عامر من مؤسسي النادي الأهلي، وإليه يعود تأسيس الملعب الأهلي، الذي أصبح ملعب 24 ديسمبر من بعد حل الجمعية، وهو ملعب نادي النصر الحالي. ساهم في تأسيس مدرسة العمال الليلية، التي إلى الآن لم نعط هذا المشروع حقه وحجم ما قدمه لبلادنا من كفاءات قادت ليبيا في حقبتين مهمتين من حقب تاريخ ليبيا.
مواقفه السياسية، ورفضه التواجد الأجنبي، الذي كتب عنه ذات مرة: «لن يغفر لكم التاريخ إذا رحّبتم بأي جيش يجتاح ليبيا حتى ولو كان قائده صحابياً». وجراءته في مواجهة السلطة، جعلتهم يبعدونه عن أية انتخابات بالسبل كافة، حتى إنه سُجِن قبيل موعدها تفاديا لمشاركته وبالتأكيد نجاحه.
بعد أن سقطت الملكية وقيام دولة القذافي كُلِف في أول حكومة بوزارة التربية والإرشاد القومي، ولكنه لم يبق في منصبه أكثر من 33 يوما، ولم يتقاض مرتبه، تماما مثلما لم يتقاض أي مرتب من الدولة من قبل. فلقد كان يدير مطبعة متواضعة ويعيش من دخلها. وما زلت أذكر يوم حزن جليل عم شوارع بنغازي عندما تقرر هدم هذه المطبعة بحجة واهية، فلقد كانت رمزا، كصرح عال، لهذه الشخصية العاشقة لوطنها والتي تتنفس حبا وانتماء من خلاله.
يوم 10/1/1990 وسد ثرى بنغازي التي ودَّع رجالها الشيخ مصطفى عبدالله بن عامر في جنازة مهيبة، قلما تتفق البلاد كلها على حزن كالذي خلّفه فراقه.
*المعلومات بتلخيص من اراشيف العائلة، وأيضا الصور. والشكور موصول للإعلامية السيدة فدوى بن عامر على اهتمامها وتوفير هذا الملف.
تعليقات