Atwasat

ليبيا والمصير المجهول!!

فرج أبوخروبة الأحد 11 أغسطس 2024, 01:10 مساء
فرج أبوخروبة

الوطن.. كيان يعيش فيه الإنسان منذ نشأته، مقيماً صحبة مجاميع بشرية، تربطه بهم علاقات وثيقة، ومصالح مشتركة، وشعور بالانتماء المكاني، معززا ذلك الارتباط بالتاريخ، والحدود الجغرافية التي تدعم وجوده كفرد تحت مظلة اجتماعية يطمئن إليها بشعور الحماية. الوطن هو الملجأ لمن لا مأوى له، وهو الحضن الدافئ لمن لا حضن له.. وطن لا يضاهيه وطن!

إن العزة كلمة وإرادة، وإن الخونة وأشباه الرجال لا يكتبون التاريخ.. التاريخ يسطره الأقوياء، العاشقون لأوطانهم بشوق ووله، وهم القادة الذين ينحازون للحق، ويدافعون عنه بكل ما يملكون من قوة وشجاعة وعزيمة، مدافعين بدمائهم الزكية عن ترابه المقدس تضحية وفداء.. لا شيء أعذب من أرض الوطن، وقيل في الأثر: «خبز وطنك أفضل من بسكويت الأجنبي»! نحبه مكانا، وإن غادرناه غصبا، فستظل قلوبنا تهوي إليه.

وفي ظل تفاقم المشكلة بين غرب البلاد وشرقها على خلفية الأزمة السياسية، والمناكفات بين القوى النافذة عنوة على مستوى السلطات التشريعية والتنفيذية المختلفة، والقائمة على فرضية الحق الدستوري التي تدعي كل سلطة من السلطات ملكيتها له، وبمقتضاه تحكم البلاد!!

وعندما نتحدث عن التقسيم الجهوي، غربًا وشرقًا وجنوبًا، نعني من بيدهم عصمة الجهوية، وتطويعها لإرادتهم، في الوقت الذي نرى فيه الصورة جليًا مختلفة كل الاختلاف عن ما هم عليه من تقييم خاطئ، مما يدل على وجود خلل على المستوى البنيوي في الواقع السياسي لا الاجتماعي، فالشعب الليبي شعب متجانس ومنسجم تماما مع طبيعة الحياة الاجتماعية العامة، في علاقات ذات بُعد اجتماعي وثقافي على مستوى رقعة جغرافية مترامية الأطراف، تجسدها تقاليد وعادات وموروث، وعمق ثقافي تاريخي منذ القدم وحتى الساعة، لذا فهو يعيش في وئام مع ماضيه وحاضره، الذي يجعله متصالحا مع نفسه في مواجهة التحديات والأزمات التي يعيشها، فالتعايش السلمي والمصير المشترك سمتان من سمات المجتمع الليبي منذ القدم.

ويبقي السؤال المحير الذي يطرح نفسه، وتساؤلات أخرى!! إلى أين تجري بنا رياح الصراع السياسي؟!! وحياة المواطن تعتريها الأزمات التي تحيي فيه الشعور بالأسى والخوف، والقلق من مصيره شبه المحتوم! فالكرة اليوم يتقاذفها الهواة والمراهقون سياسيا!! في لعبة غير مألوفة، ولا خاضعة لقواعد القانون العام.

الكل متشبث بالكرسي مستخدمًا كل السبل التي تمكنه من الاستمرار، فلا الإعلان الدستوري الصادر عنهم ألزمهم، ولا القوانين الوضعية المتعارف عليها دوليا كانت الرادع لتصرفاتهم الرعناء، ولا قوانين الدنيا كلها كان لها بالغ الأثر لجعلهم يذعنون لها.

مصيبة وقعت على الشعب الليبي المغلوب على أمره! عدل الإعلان الدستور ثلاث عشرة مرة ويزيد حتى يتوافق وأهواءهم، للمضي قدماً في الحكم دون ذرة من حياء! انتهت المدد لكل الأجسام، وحكمت المحاكم غربًا وشرقًا بعدم شرعيتهم، ولكن تعدد الظروف الخادمة لهم في كل مرة كان المبرر لوجودهم الأبدي!

حجج ضعيفة ومبررات واهية، منها على سبيل المثال: الفراغ السياسي، والقوة القاهرة، والوجود الأجنبي، الذي هم سبب مجيئه! وكيف ولمن يتركون الدولة؟، وهكذا دواليك، فيبقى الانتظار حتى تُنتخب أجسام جديدة يتم اختيارها من قِبل الشعب الذي طال انتظاره لهذه الحقوق المؤجلة.

تعددت محاولات الإصلاح عبر رؤى وأفكار جديدة دون أن تصل إلى نتيجة ملموسة بحكم العرقلة المتكررة من كل الأجسام السياسية الهشة!

لم يلتزموا بالعهود والاتفاقيات، ولا المؤتمرات التي جرت عبر محاولات خجولة من هنا وهناك، تبنتها بعض الدول، من الصخيرات إلى روما فباليرمو وجنيف، وحدث ولا حرج عن التدخلات العربية دون نتيجة تذكر.

يتماهون معها حتى تنضج ثم تعود الحجج والمبررات، وتظل المحاولات حجة لهم لا عليهم، مستغلين إياها لمصلحة بقائهم حتى إشعار آخر!!

ونحن ننتظر إلى نهاية النفق، لعل ضوءا خافتا يقودنا إلى فجر صادق يخرجنا إلى ما نسمو إليه ونتطلع من سلام وأمان ومستقبل واعد، ومكانة مرموقة بين الأمم والشعوب الأخرى.. نحتاج لإزالة الغطاء الكاتم للصوت، والحاجب للصورة.. نحتاج للوضوح، نحتاج للصراحة، نحتاج للتفكير خارج الصندوق. نعلم أن ذلك شبه مستحيل، إن لم يكن المستحيل نفسه، ولكنها الحقيقة التي يختفي وراءها كل متصدر وتابع وموارب، ومعها وبها لم يستقم الأمر، وإن طال الأمد بهكذا تفكير، وبهكذا تلاعب بالعقول والمشاعر، وجر الشعب إلى متاهات الشعارات، والزيف وتزوير الواقع وحقيقة الأشياء على ما هي عليه.

نحن في مرحلة مصيرية، تحتاج منا وقفة جادة ومجابهة، وتقديم الحلول، والتفاعل معها، إعلاءً للمصلحة العامة دون سواها، حتى وإن كانت مؤلمة! أما ترك الحبل على الجرار فمآله الذهاب إلى مجهول لا نعلم له معالم، يقودنا له عديمو البصيرة بعقلية المكاسب الفردية والجماعية، وبروح ومذاق الشللية، الراغبة في التحكم في مفاصل الدولة، ولو تحت نعال المستعمر.

 

مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي «بوابة الوسط»