Atwasat

شهادات لـ«فرانس برس».. ليبيون يكابدون مرارة انتظار مصير أحبتهم المفقودين في درنة

القاهرة - بوابة الوسط الأربعاء 20 سبتمبر 2023, 12:50 مساء
WTV_Frequency

نقلت وكالة «فرانس برس» شهادات جديدة لمواطنين ليبيين فقدوا أسرهم وأقاربهم ومعارفهم في كارثة العاصفة «دانيال» التي اجتاحت مدينة درنة والشرق الليبي مخلفة آلاف الوفيات والمفقودين.

وحسب واحدة من هذه الشهادات، كان محمد بدر ينهمك بتنظيف منزله الغارق في الوحول والتربة، ويتوقف ليعدّد أسماء عائلات من جيرانه وأقاربه لا يعرف شيئًا عن مصيرهم منذ الفيضانات المدمرة، وجاء إلى المنزل مع فريق من ستة عمال محاولًا إنقاذ ما تبقى من أثاث المنزل وأغراضه الشخصية، بعد أن نجا من الموت بأعجوبة.

ويقول الشاب (23 عامًا) الذي تلطخت يداه وملابسه بالوحل لوكالة فرانس برس «آل بوزيد، آل فشياني، آل الخالدي، عائلات بالكامل، ليس هناك أحد منهم».

مواطن ليبي: «أكثر من كابوس»
على السطح حيث نقل بضع قطع من أثاث منزله وأغراض عائلته، يعود بتأثر إلى الساعات التي كان محاصرًا خلالها بالمياه ليلة العاشر من سبتمبر، «سمعتُ الكثير من الصراخ، هناك جيران لي صرخوا حتى الموت. كانت الدنيا ظلامًا وليس هناك أحد» لمساعدتهم. يؤكد أنه عاش في تلك الليلة «أكثر من كابوس». «تُوفي شقيقي بعدما نزف لساعات بسبب إصابة في ذراعه التي سقط عليها شيء ما»، من دون أن يتمكن أحد من إسعافه. عندما اجتاحت المياه منزل العائلة، تشبَّث محمد بدر بمكيِّف الهواء، وظلت المياه تصعد، فلم يبق لديه سوى مسافة نصف متر تقريبًا أبقى رأسه فيها خارج المياه. لكن المكيّف ما لبث أن اقتُلع من مكانه، وكاد يغرق قبل أن تتحول كنبة كانت تطفو بجانبه، إلى قارب نجاته. بقي متمسكًا بها ساعات قبل أن ينكسر زجاج نافذة الغرفة ويبدأ مستوى المياه بالانخفاض.

على جدران المنزل، لا يزال أثر المستوى الذي وصلت إليه المياه واضحًا في أعلى الغرف. ونجا أيضًا والداه وزوجة أخيه وأبناؤهما الثلاثة، لكنه لم يسمع شيئًا عن العديد من أقربائه. ويروي أن لا أثر لـ32 شخصًا من أعمامه وعائلاتهم الذين «لم يُعثر على جثثهم بعد لأن المبنى (الذي كانوا يقطنون فيه) لا يزال مطبقًا على بعضه»، مضيفًا «قد يكون عُثر على جثثهم لكن لم يتعرّف أحد عليها، فالجثة لا تعود محددة الملامح بعد مرور الوقت».

وفاة 406 مهاجرين جراء العاصفة «دانيال» شرق ليبيا
«النهر الصناعي»: الانتهاء من جسر درنة الموقت خلال يومين 
فرحة إنقاذ الناجين في درنة (صور)
العثور على 51 جثة لضحايا «دانيال» في 6 أودية
بدء فتح مسارات في سوسة المتضررة جراء «دانيال»

وضربت العاصفة «دانيال» شرق ليبيا ليل العاشر من سبتمبر مصحوبة بأمطار غزيرة تسبّبت بانهيار سدين في أعلى درنة، ما أدى إلى تدفق مياه أشبه بتسونامي في مجرى نهر جاف اجتاحت مناطق واسعة، جارفة في طريقها أبنية وجسورًا وموقعة 3351 قتيلًا على الأقل، في أحدث حصيلة رسمية موقتة لسلطات شرق ليبيا، بينما لا يزال هناك آلاف المفقودين.

في الأيام الأولى بعد الكارثة، عملت فرق إغاثة ومتطوعون عثروا على جثث من ضحايا الفيضانات، أحيانًا على وضعها في أكياس ودفنها في مقابر جماعية من دون التعرُّف عليها، وفق بعض التقارير.

في درنة.. الجثث في كل مكان
يحاول بدر إنقاذ ما قد يكون لا يزال صالحًا للاستخدام من منزله. على السطح، كنبات وأوسدة، وملابس وآلة ركض، بالإضافة إلى مصابيح وطاولات خشبية وكراس بلاستيكية وسجاد وستائر وأدوات كهربائية. ويقول «الله أعلم إن كانت تشتغل»، مضيفًا أنه يسعى للعثور على «أغراض ومستندات يجب إخراجها» من المكان.

وليس محمد بدر وحده من ينتظر معرفة مصير معارفه وأقاربه. في مكان آخر من درنة، وفي «استراحة» متواضعة أقامها لتقديم مياه للشرب ومرطبات لعناصر الإغاثة في المدينة، لم تجفّ دموع محمود ارقيق (50 عامًا) وهو يتحدث عن فقدان جيرانه الذين يعرفهم منذ 50 سنة. ويعدد بدوره عائلات لم يسمع عنها أي خبر «عائلة الكراز وعائلة بوشتيلة وعائلة غرياني وآل سنيدل وعائلة الطشاني...». ويقول إنه انتشل من حيّه «في اليوم الأول (بعد الفيضانات) 20 جثة»، موضحًا أن جميع من نجا كان يسهم في عملية البحث، لكن الانتشال «من تحت الأنقاض يحتاج إلى متخصصين».

ويردّد كثيرون ممن التقتهم وكالة فرانس برس في درنة أن الجثث موجودة في كل مكان، تحت الأبنية المدمرة، أو ربما تحت التربة التي حولت أحياء بكاملها الى مساحات فارغة. في بعض الأحياء، تنبعث رائحة نتنة يقول مسعفون وسكان إنها صادرة على الأرجح من تلك الجثث. ولم يتأذ منزل محمود ارقيق الواقع في طابق مرتفع، لكنه يدلّ فريق «فرانس برس» على «مصدر رزقه»، ورشة خراطة دُمِّرت بالكامل.

متطوعون في درنة
في الاستراحة، يحتسي ميلود بوسرتيه (40 عامًا) الشاي بينما لا تزال الصدمة بادية على وجهه. يقول إنه فقد 25 شخصًا من عائلته. ويضيف «عمارتي انهارت وكان فيها 25 شخصًا توفوا جميعًا رحمة الله عليهم، هذا في عمارتي فقط، لكن لدي عمّي وأقارب آخرون يصل عددهم إلى 70 ماتوا». ويضيف الرجل الذي لم يكن موجودًا في المنزل لحظة الكارثة، «لا يزال لدينا مفقودون، دفنا الجثث التي عثرنا عليها». بحثًا عن هؤلاء المفقودين، يبقى إلى جانب فرق الإنقاذ، «وكلما عثروا على جثة، نأتي ونفتح الكيس، لكن الآن لم تعد هناك ملامح» يمكن التعرف عليها.

في أحد الأحياء الأكثر تضررًا في درنة، تُسهم مجموعة شبان ليبيين متطوّعين في جهود البحث عن المفقودين، من بينهم طارق ضيف الله الذي جاء من مدينة طبرق التي تبعد نحو مئتي كلم عن درنة. ويقول لـ«فرانس برس» «نساهم في هذه الحملة ونبحث عن إخوتنا المفقودين وأولئك الذين تحت الأنقاض، ونحاول انتشال الجثث... كي لا نبقى في الحيرة التي نعيشها الآن». ويطالب محمد بدر بتأمين مساكن للناس التي دُمّرت بيوتها، ويقول «هناك أشخاص لا يعرفون إلى أين يذهبون... لم يعد لديهم أقارب الآن، إلى أين يذهبون؟». ثم يتابع بأسى «درنة كلها راحت، وحتى لو رجعت درنة لكن مَن يردّ الناس؟».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
بدء صيانة خط نقل الكهرباء «أجدابيا- رأس - لانوف»
بدء صيانة خط نقل الكهرباء «أجدابيا- رأس - لانوف»
مكتب الإعلام الأمني في وزارة الداخلية بحكومة حماد ينفي مقتل إبراهيم الدرسي
مكتب الإعلام الأمني في وزارة الداخلية بحكومة حماد ينفي مقتل ...
النهر الصناعي: صيانة تسريب على خط آبار في غدامس
النهر الصناعي: صيانة تسريب على خط آبار في غدامس
حماد: نكثف الجهود للعثور على الدرسي ومعرفة ملابسات اختفائه
حماد: نكثف الجهود للعثور على الدرسي ومعرفة ملابسات اختفائه
وزير إيطالي سابق: لا يمكن اعتبار ليبيا ملاذا آمنا للمهاجرين
وزير إيطالي سابق: لا يمكن اعتبار ليبيا ملاذا آمنا للمهاجرين
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم