تكشفت المواجهات العنيفة بين التشكيلات المسلحة التي شهدتها العاصمة طرابلس على مدى ستة أسابيع عن ظواهر صادمة في السلوك الاجتماعي الليبي، منها بوجه خاص الفرز الاجتماعي الذي تمثل في عمليات القتل والاعتقال والخطف على الهوية، وإن كانت بصورة محدودة حتى الآن، واقتحام الممتلكات الخاصة من بيوت ومشاريع اقتصادية ونهبها وحرقها على خلفية هوية أصحابها، والتحكم في توفير الخدمات الحيوية في أحياء طرابلس الكبرى ومن بينها الوقود وغاز الطهي على أساس تصنيف الأحياء مع أو ضد هذا التيار أو ذاك.

جرائم ضد الإنسانية
ويرى مسعود الرابطي أحد المهتمين بالمسار الحقوقي في ليبيا خاصة بعد 17 فبراير 2011 أن هذه الظواهر التي قد ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية ستكون آثارها مستقبلاً أكثر ضررًا على النسيج الاجتماعي الليبي من الخسائر المادية الفادحة كالتي لحقت بمطار طرابلس الدولي وشركات الطيران الليبية ومستودعات الوقود والغاز والبنية التحتية وتدمير الجسور والمدارس والبيوت والشقق السكنية وغيرها.

تنقل حذر
ولاحظ مراسل «بوابة الوسط» في طرابلس أن المواطنين باتوا يرسمون خطوط سير للتنقل بين بعض الأحياء داخل طرابلس وبين العاصمة ومختلف المدن وتحديدًا تلك الواقعة في غرب البلاد في ظل انتشار مسلحين في نقاط غير ثابتة يطالبون السائقين بإثبات الهوية ليس لدواعي الحفاظ عن الأمن بل لتحديد الانتماء القبلي أو الجهوي أو المناطقي.

وفي هذا السياق، سُجل انخفاض كبير في حركة تنقل المواطنين والبضائع بين العاصمة ومختلف مدن البلاد خاصة تلك الواقعة في الغرب. وبحسب شهود عيان اضطر مواطنون من مدينة زوارة في أوج الاشتباكات بين الجماعات المسلحة، إلى السفر بحرًا على متن جرافات للصيد من طرابلس إلى مدينتهم تجنبًا لاحتمال الاعتقال على الهوية كما تردد في الشارع الليبي وقتذاك.

نقص الوقود
وأبلغ الكاتب الصحفي الليبي محمد الرحيبي «بوابة الوسط» أن محطات توزيع الوقود وغاز الطهي في أحياء المنصورة وقرجي وغوط الشعال وحي الأندلس وقرقارش والفلاح والدريبي (غرب وجنوب غرب العاصمة) لم تتلق أي لتر من الوقود ولا اسطوانة غاز واحدة منذ اشتعال الحرب بين الجماعات المسلحة وحتى اليوم السبت.

وأضاف أن الأمر يتعلق بأكثر الأحياء كثافة سكانية في طرابلس أي حوالي 500 ألف نسمة ظلوا دون وقود أو غاز طهي منذ حوالي 45 يومًا.

وبسؤاله عن سبب عدم تزويد هذه الأحياء تحديدًا بهذه الخدمات قال الرحيبي: «أولا يجب توجيه السؤال إلى القائمين عن هذه الخدمات، ولكن لو رجعنا إلى ما تداول من أخبار مع بداية أزمة الوقود ووصول أول شحنة إلى ميناء طرابلس على متن الناقلة (أنوار) لوجدنا أن مسلحين معروفين اختطفوا المسؤول عن ملف أزمة الوقود لأنه رفض بحسب بعض المصادر تعليمات بتزويد محطات في أحياء معينة ومنع الوقود عن أحياء أخرى».

عقاب جماعي
وصرح الأستاذ الجامعي أبو القاسم عمر أنه ليس لديه أي تفسير لهذا الوضع سوى أنها عملية عقاب جماعي لطيف معين من سكان العاصمة الليبية.

وأضاف: «صحيح توجد أزمة وقود خانقة وطوابير طويلة أمام المحطات في طرابلس تحديدًا ولكن السؤال لماذا يتم تزويد محطات دون أخرى؟ فمثلاً يتم تزويد المحطات الواقعة في زاوية الدهماني، وأبو ستة وسوق الجمعة وتاجوراء (وسط وشرق العاصمة) وجنزور(غرب العاصمة) علاوة على نشر شاحنات في أماكن محددة في سوق الجمعة وتاجوراء توزع الوقود مقابل 15 دينار للسيارة الواحدة في حين لم يتم تزويد أي محطة في مناطق قرجي وغوط الشعال وحي الأندلس والفلاح والحي الصناعي».

تهميش أحياء
من جهته يعتقد عبدالناصر الكوني سعيد (34 عامًا وموظف بأحد المصارف التجارية) بوجود مخطط لتهميش بعض أحياء العاصمة التي يُصنف سكانها بأنهم يدعمون مجلس النواب الذي انتخبه الليبيون وقيام الدولة وبناء الجيش والشرطة. وأكد أنه في الوقت الذي ظهرت فيه بعض سيارات المرور في شوارع العاصمة أمس الجمعة للدعاية الإعلامية فيما يبدو، فإن مراكز الشرطة في مناطق قرجي وحي الأندلس والفلاح وغوط الشعال والحي الصناعي لا تزال مغلقة رغم أن عشرات المساكن تضررت في هذه الأحياء تحديدًا بسبب سقوط الصواريخ والقذائف الصاروخية العشوائية عليها وبالتالي فإن السكان بحاجة إلى تفعيل مراكز الشرطة في هذه الأحياء لفتح محاضر رسمية لإثبات الأضرار التي لحقت بهم وبممتلكاتهم ورفع قضايا تعويض أمام العدالة.

ويحذّر الطاهر المرغني (طالب بالدراسات العليا) من أن العبث بالنسيج الاجتماعي وتصنيف المواطنين على أساس الهوية والمعتقد السياسي وتسييس تقديم الخدمات ستكون له آثار خطيرة قد تغرق البلاد في حرب أهلية أو عمليات إبادة جماعية على غرار ما حدث في مناطق أخرى من العالم.