تُثير تحركات السفيرة الأميركية لدى ليبيا ديبورا جونز وجولاتها المتتالية في مناطق عدة من البلاد ردود فعل متعددة في أوساط النخب الليبية وفي الشارع الليبي بشكل أكبر.

والسؤال المشترك الذي يُطرح في هذه الأوساط هو هل تخضع تحرُّكات السفيرة للأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها في هذا الشأن، وتحديدًا إحاطة وزارة الخارجية الليبية علمًا بتلك التحرُّكات، لا سيما وأن حركة السفيرة تجاوزت في أكثر من حالة حدود العاصمة طرابلس لتشمل، على سبيل المثال، مدن مصراته والزنتان وجادو بجبل نفوسة، وتلتقي عديد الشخصيات بمن فيها المثيرة للجدل.

موافقة رسمية
يقول الناطق الرسمي باسم الخارجية الليبية سعيد الأسود: "إنّ السفيرة الأميركية تحصل على موافقة الوزارة في حال تتقدّم بطلب الموافقة على زيارة منطقة ما من البلاد شأنها شأن بقية السفراء، وقد حدث هذا في زيارة لها لإحدى المدن الليبية، لكن الناطق لا يجزم بأن زيارات السفيرة جميعها قد خضعت لمثل هذا الإجراء.

وتحوّلت السفيرة إلى مادة شبه يومية على صفحات التواصل الاجتماعي الليبية تتنوع فيها الآراء بين رافض لهذا السلوك، إذا كان خارج علم السلطات الرسمية، ومن يرى أن هذا أمرٌ طبيعي بالنظر إلى أنها تمثل دولة كبرى لها حضورها في المشهد الليبي، لكن آخرين يذهبون إلى حد التندر في وصفهم لتحرُّكات سفير لم تستثن شيئًا، من تجوّلها في سوق السمك وحديثها مع الباعة إلى وجودها في أحد مقاهي العاصمة تتابع مباراة في كرة القدم، حتى أن هناك من تساءل: "هل ديبورا ظاهرة في العمل الدبلوماسي؟ أم أنها سفير يمارس عمله كما ينبغي؟

تحرُّك طبيعي
يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور خليفه شاكرين أن تحرك السفيرة على هذا النحو هو أمر طبيعي في دولة هشة تغيب فيها المؤسّسات وتغيب بالتالي العوامل المانعة.

ويرى شاكرين أن الأخطر في لقاءات السفيرة مع الشخصيات البارزة في المشهد السياسي الليبي هو ما قد يحدث من لقاءات في الخفاء لا ينقلها الإعلام.
ويرى الدبلوماسي الليبي السابق عبدالقادر غوقة أنّ تصرفات السفيرة الأميركية إذا كانت تتم دون موافقة الخارجية الليبية فهي مخالفة لواجبات الدبلوماسي، وربما هي بعيدة عن اللياقة. مشيرًا إلى أن بعض الدول ومنها أميركا تحدّد حركة السفير بالعاصمة، وإذا تجاوزت هذه الحركة 40 كلم فعليه إخطار وزارة الخارجية قبلها.

زيارات السفيرة
وزارة السفيرة الأميركية مدن مصراته والزنتان وجادو ويفرن بجبل نفوسة، وتردّدت معلومات غير مؤكّدة رسميًا عن زيارة لمدينة لبيضاء عشية انعقاد اجتماع لجنة الستين، كما تردّد أنّ منطقة ورفلة رفضت زيارة السفيرة لها، والتقت مختلف الشخصيات السياسية والقادة الميدانيين ومفتي الديار الليبية.
ودافعت السفيرة ديبورا عن انتقادات وجِّهت إليها عبر بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي بسبب اجتماعها بشخصيات معينة، وأوضحت في أحاديث صحفية أنها حريصة على اللقاء بممثلي مختلف الأطياف حتى لا يكون تحليلها لطبيعة المشهد الليبي غير مكتمل، وتقول إنّها تعمل على أنْ تكون هناك علاقة كاملة تساعدها على فهم الليبيين؛ لأن الطريقة التقليدية للقيام بالمهام والتعامل مع الحكومات فقط أصبحت في الماضي.

تحرص على أداء مهامها
واعتبرت أستاذة العلوم السياسية والناشطة في منظمات المجتمع المدني الدكتورة أم العز الفارسي أنّ تحركات السفيرة الأميركية تعكس حرصًا على أداء مهمتها وتمثيلها لبلادها على الوجه الأمثل، على الرغم مما قد تثيره من شكوك لدى كثير من الليبيين، ووصفتها بأنها تعمل بواقعية على الأرض، وتختبر الأمور من حولها بنفسها.

وترى أم العز في الوقت نفسه أنّ حالة الانفلات وغياب معايير هيمنة الدولة تجعل من كل ليبيا مجالاً لحركة هذه السفيرة وقد تجعل من الليبيين أيضًا رعاياها.

ويرى بعض المتابعين أنّ السفيرة ديبورا تعمل في السياق نفسه الذي بدأ به سلفها السفير كريس ستيفنز عمله في ليبيا؛ حيث كان يُشَاهد وهو يتجول في عديد المناطق من العاصمة طرابلس وخارجها أيضًا قبل أن ينتهي قتيلاً في الهجوم الذي تعرّضت له القنصلية الأميركية في بنغازي في سبتمبر 2012، لكن السفيرة الأميركي لا ترى أن تلك الحادثة مبررٌ للحد من حركتها، وأوضحت في مقبلة لها مع قناة "ليبيا لكل الأحرار" التلفزيونية أنها تتّخذ في تحركها عديد الاحتياطات، وأن زياراتها منظمة ومخطط لها ولديها فريق أمني محترف يعمل معها في السفارة.