منذ أن أعلنت البرازيل عن وفاة الأسطورة العالمية بيليه عن عمر يناهز 82 عاما بعد صراعه مع المرض، تناقلت وكالات الأنباء الرياضية وغير الرياضية الخبر المحزن في كافة قارات العالم، لأن بيليه لم يكن مجرد لاعب كرة قدم عادي فهو إنسان موهوب مكنته موهبته الفذة من الانضمام إلي صفوف منتخب بلاده وهو بسن السابعة عشر في الدورة السادسة لكأس العالم التي أقيمت في السويد العام 1958، وتحصل فيها المنتخب البرازيلي على أول بطولة لكأس العالم، كما أنه اللاعب الوحيد في العالم الذي تحصل مع منتخب بلاده على 3 بطولات لكأس العالم وكذلك علي بطولتين لأميركا الجنوبية.

بداية شهرته مع فريق سانتوس الذي كان يلعب له مقابل مبلغ وقدره 15 دولارا، وبعد عودته من بطولة كأس العالم التي أبدع وتألق فيها أصبح مرتبه 30 دولارا، كما كان بيليه اللاعب الوحيد الذي صدر قرار جمهوري العام 1961 بعدم السماح له باللعب لأي ناد خارج البرازيل، لأنه يعتبر ثروة قومية للبلاد يجب المحافظة عليها، واختير لاعب القرن العشرين وبعد اعتزاله اللعب في بلاده لعب لفريق كوزموس الأميركي لمدة موسمين كرويين وساهم في انتشار لعبة كرة القدم هناك.

تحصل علي شهرته الواسعة لعبقريته الكروية ولتجسيده للقيم والمبادئ التربوية للرياضة في الملاعب وخارجها، وكان على قدر كبير من المسؤولية ولم يدخل في صراعات جدلية أو يرد حتى على بعض معارضيه أو الذين يضعونه في مقارنات بينه وبين النجوم الآخرين، كان محبا للجميع ومتواضعا وبسيطا ويشجع كل نجم عالمي بعيدا عن الغيرة والحسد ولهذا نعاه الكثيرون من نجوم الكرة المعاصرين، شغل منصب وزير الرياضة في بلاده لمدة 3 أعوام، وكان قمة في الالتزام بالروح الرياضية العالية وأعطى فيها الكثير لوطنه في مجالات الشباب والرياضة ولهذا أصبح قدوة حسنة وسفيرا للأمم المتحدة وخبيرا عالميا للكرة.

رحل بعد أن نقش اسمه في تاريخ كرة القدم إلي ما لا نهاية، وأذكر زيارته إلي ليبيا في منتصف السبعينيات بدعوة من شركة كوثر، وقد كنت مع المرحوم الإعلامي المخضرم منصور صبرة ومجموعة من الشخصيات الرياضية في إاستقباله في مطار طرابلس الدولي، وعند وصوله مع المترجم تحدث بأسلوب مهذب وبسيط يؤكد معدن وتواضع وثقافة النجم العالمي، وصرح بأن كرة القدم أصبحت اليوم تشكل رقما مهما في ميزانية الكثير من الدول، وأضحت صنعة لمن يحسن الاستفادة منها عن طريق تقديم الدعم والرعاية للمواهب المميزة.

وقال أيضا سنلتقي غدا في الملعب مع الصغار في بعض الدروس العملية وبالفعل في اليوم التالي حضر بيليه بزيه الرياضي إلي ملعب المدينة الرياضية بطرابلس والتقى مع أشبال اللعبة الذين تواجدوا في الملعب وقدم لهم عدة نصائح، وبعدها قام بتطبيق عملي أمامهم عن كيفية التحكم في الكرة ودقة تمريرها واللعب بالرأس والتسديد المحكم علي المرمى وغيرها من فنون كرة القدم مع فرحة الصغار الذين شعروا بأنهم قريبون جدا من النجم العالمي لما غمرهم به من مودة واحترام، عقب ذلك حضر مباراة فريقي الأهلي والمدينة التي أقيمت يوم 1975/4/4 حيث صافح اللاعبين قبل بداية المباراة التي انتهت بالتعادل بـ3 أهداف لكل منهما، والتي أعطى فيها الحكم الذي لا يزال علي قيد الحياة 3 ركلات جزاء لفريق المدينة في شوط المباراة الثاني، واحدة صحيحة واثنتان مشكوك في صحتهما ولا علاقة لهما بضربات الجزاء.

بعد نهاية المباراة عند استلامي لبطاقات اللاعبين كما كان يحدث في ذلك الوقت قلت للحكم لأول مرة تعطى 3 ضربات جزاء في شوط واحد وهذا ظلم واضح قد نتحمله لكنه من المخجل أن ذلك حدث أمام نجم عالمي يعرف حقيقة ركلات الجزاء ومتى تمنح، فقال لي مبتسما: لا تحمل هما فقد خرج بيليه عقب نهاية الشوط الأول ولم يشاهد ركلات الجزاء وعندها تأسفت علي سلوكيات التحكيم وضياع حقوق الفرق لمجرد أهواء بعض حكام المباريات، أخيرا نعود إلي بيليه الذي رحل بعد مسيرة حافلة بالإنجازات العملاقة والأمجاد والشهرة تاركا إرثا من خلفه لكافة الأجيال القادمة ليكون مثالا يحتذى به في كرة القدم.