Atwasat

واحة زرزورة حقيقة أم أسطورة!

عبدالقادر البرعصي الأربعاء 18 ديسمبر 2019, 01:31 مساء
عبدالقادر البرعصي

العاصفة الهوجاء
«وصل سائق الجمال إلى بنغازي منهكا، ولكنه طار إلى الأمير ليخبره أنه جاءه من الصحراء بخبر يقين عن واحة غناء وكنز ثمين»، هكذا تبدأ إحدى الروايات الشعبية الشائعة بين سكان الصحراء الشرقية.

قال الرجل إنه كان في قافلة كبيرة في عمق الصحراء فهبت عاصفة رملية شديدة لم ير مثلها في حياته قط. هلك الجميع ونجا هو بأعجوبة بعد أن تحصن ببطن جمل. وعندما هدأت العاصفة هام على وجهه وقد ردمت الكثبان الزاحفة معالم المنطقة. شارف على الهلاك من الجوع والعطش والإعياء وسقط مغشيا عليه. ظن أنه في حلم عندما سمع أصواتا وفتح عينيه ليرى رجالا طوال القامة بملامح إفرنجية يحيطون به. قاموا بإنقاذه وحمله إلى واحة زاخرة بالماء والثروات.

علم فيما بعد أن اسمها زرزورة ووصفها بأنها محصنة ومحظورة. يقع مدخلها بين كثيبين كأنهما جبلان ولها بوابة ذات نقش في صورة طائر، كثيرة النخيل والينابيع وبيوتها فخمة وبها حمامات سباحة تستحم فيها النساء ويلعب فيها الأطفال.
قال إن أهلها أحسنوا معاملته رغم صعوبة فهم لغتهم وكان أميرهم رجلا كبيرا تبدو عليه سمات الحكمة والوقار، ولا يتخذ أي قرار إلا بعد استشارة مجلس حكماء في ديوان أبوابه مشرعة، وتدار الجلسات في العلن فيشهدها الناس. يعيشون في رغد وسلام وللنساء حلي بألوان زاهية خضراء إلى صفراء ذات بريق ولمعان تصنع من أحجار كريمة تأتي من بحر الرمال العظيم.

ارتاب الأمير في أمر الرجل، خصوصا بعد أن قال إنه هرب من قوم أحسنوا إليه فأمر بتفتيشه فعثر معه على خاتم به جوهرة ثمينة. خمن الأمير أن الرجل سرق وذلك ما دفعه إلى الهروب خلسة فقام بمعاقبته والاحتفاظ بالخاتم.

تساؤلات مثيرة
تثير هذه الحكاية ومثيلاتها عديدا من الأسئلة التي يكتنفها الغموض، ولكنها مليئة بالعبر والدروس. فهل يا ترى أن للحكاية أي أساس من الصحة؟ وإن كانت الإجابة بنعم، هل ما حكاه الرجل عن واحة زرزورة تحديدا حقيقة أم مجرد هلوسة نتيجة التجربة القاسية التي مر بها؟ أين ذهب سكان الواحة ولمَ لم يتواصلوا مع العالم الخارجي؟ هل ردمت الواحة واندثرت بعاصفة هوجاء أو بعد حرب شعواء؟ هل مات حكماؤهما وعقلاؤها وتركوا جيلا نسي مبدأ تقديم المصالح المشتركة فوق كل اعتبار فتخاصموا واقتتلوا فهلكوا جميعا؟

نادي زرزورة (The Zerzura Club)
لا تقتصر دائرة المتحمسين للبحث عن واحة زرزورة على الوسط الشعبي المحلي بل تتعداه إلى أوروبا، وتشمل نخبة من المستكشفين الغربيين المهتمين بشأن الصحراء الليبية. فمنذ قرابة تسعين عاما وتحديدا في 5 نوفمبر 1930 قام المستكشف والجيولوجي الإنجليزي رالف باقنولد بتأسيس «نادي زرزورة»، حيث كانت العضوية مفتوحة لكل من أسهم في البحث عن الواحة المفقودة. يعتبر باقنولد أول من قطع الصحراء الليبية من الشرق إلى الغرب وانضم إليه في عضوية النادي مجموعة من ذوي الخبرة والاهتمام بذات الشأن أمثال دوغلاس نيوبولد، ودي دواير، وفي سي هولاند، وجي إل برندرغاست، ودبليو بي شاو.

يعد دوغلاس نيوبولد أشهر هؤلاء، حيث كان أحد الإداريين البريطانيين الذين عملوا بحكومة السودان خلال الأعوام 1920-1945. وسبق أن قام في شتاء 1927 برحلة في جنوب الصحراء الليبية بحثا عن واحة زرزورة بناء على معلومات من السكان المحليين جنوب غرب مصر، ومن مصادر سودانية عنها وعن منابع للمياه مجهولة في عمق الصحراء. رغم أنه لم يتمكن من العثور على الواحة فإنه لم ينف احتمال وجودها. وكان مما كتبه «إن المشكلة هي هل واحة زرزورة حقيقة أم هي مجرد خيال كسراب الصحراء؟ ولكن على أية حال فقد تقلصت رقعة البحث نتيجة الرحلات الاستكشافية المتعاقبة».

كنوز الصحراء الليبية
صحت حكاية زرزورة أم لم تصح، فإن الصحراء الليبية غنية بكنوزها، ومن الأمثلة ذات القيمة الرمزية ما يعرف عالميا بالزجاج الصحراوي الليبي (Libyan Desert Glass) الذي يعتقد أنه ناتج عن ارتطام جسم فضائي بالرمال وصهر مادة السيليكا منذ 26 مليون سنة. وقد أصبح اليوم من السهل شراء «حلي الزجاج الليبي» في أسواق التجارة الإلكترونية مثل شركة أمازون العملاقة وغيرها وذلك لجماله وندرته.

أما الذهب الأسود فهو أهم هذه الثروات الاقتصادية وتحوي ليبيا في برها وبحرها مخزونا هائلا منه. فطبقا لنشرة إحصاءات أوبك السنوية للعام 2018 تمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفط في القارة الأفريقية يقدر بنحو 50 مليار برميل، إضافة إلى 1500 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. زد على ذلك أن ليبيا تأتي بعد الدول الثلاث الكبرى (أمريكيا وروسيا والصين) في حجم مخزون النفط الصخري تتقدمها الأرجنتين بفارق بسيط! علما بأن ليبيا ليست في حاجة إلى استخراج النفط الصخري بأساليب مكلفة ومستنزفة للموارد المائية. العجيب أن الولايات المتحدة أصبحت اليوم المنتج الأول للنفط بعد لجوئها إلى إنتاج النفط الصخري.

نعمة أم نقمة؟
قالت الكاتبة الفرنسية مارلين دوماس في معرض تحليلها للصراع الدائر في ليبيا والتدخلات الأجنبية أن مخاوف الملك إدريس قد تحققت، عندما قال حيال اكتشاف النفط في ليبيا أواخر الخمسينات: «أتمنى لو أنكم عثرتم على ماء، فالماء يشجع الناس على العمل. أما النفط فيجعلهم يحلمون ثم يختصمون ويتقاتلون!».