دخلت البلاد جدلا سياسيا واسعا، وصفه محللون بأنه «منعطف حرج»، في أعقاب إعلان مجلس النواب سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية الموقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، واعتبارها حكومة «تصريف أعمال»، وفي مقابل توضيح المجلس الدوافع والتفاصيل الإجرائية لقرار سحب الثقة واصفا إياه بـ«الداعم» لإجراء الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل، جاء احتكام الدبيبة إلى الميدان عبر الدعوة لتظاهرة الجمعة المقبلة في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، بينما عبرت البعثة الأممية عن رفض ضمني لسحب الثقة، مشيرة إلى أن حكومة الدبيبة ستظل «الحكومة الشرعية» حتى إجراء الانتخابات.

عقيلة صالح يشرح تفاصيل القرار
رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، في سياق شرحه تفاصيل ما حدث حتى سحب البرلمان الثقة من الحكومة، قال إن «ردود الحكومة على المساءلة لم تكن مقنعة لأعضاء المجلس»، وبناءً على ذلك «طلب ربع النواب سحب الثقة من الحكومة طبقا للقانون». وأشار صالح، في مداخلة مع قناة «ليبيا الحدث»، إلى أن المجلس «حدد جلسة لمناقشة الردود وجلسة أخرى لاتخاذ قرار لسحب الثقة من عدمه»، لافتا إلى أنه في «جلسة الإثنين 20 سبتمبر لم يحضر النصاب المقرر لسحب الثقة وهو 86 نائبًا (50%+1)».

وأضاف صالح أن «النواب الذين حضروا في جلسة الإثنين وعددهم 72 نائبًا رأوا أن تُشكَّل لجان برلمانية للتحقيق مع الحكومة وجرى تعليق الجلسة لليوم التالي (الثلاثاء)». وتابع: «لكن تبين أن عدد النواب الذين طالبوا بسحب الثقة من الحكومة جددوا طلبهم بمناقشة الأمر، وكان عدد الحاضرين في جلسة الثلاثاء 110 نواب، وجرى التصويت بموافقة 89 نائبًا على سحب الثقة». وأوضح أن المجلس تلقى «مكاتبات من نواب خارج مدينة طبرق عددهم 11 نائبا يطالبون بسحب الثقة، ولكن لم يجر احتسابهم».

39 نائبا يشككون في إجراءات سحب الثقة
لكن 39 عضوا بمجلس النواب المعترضين شككوا في التصويت، وقالوا إن «عملية العد تمت بطريقة غير صحيحة وإن العدد الحقيقي لا يتجاوز في أفضل الأحوال 73 صوتا، وبالتالي غير كافٍ لسحب الثقة من الحكومة، وفقا لنص المادة 194 من النظام الداخلي، التي تؤكد أن الأغلبية المطلوبة لسحب الثقة من الحكومة هي الأغلبية المطلقة لأعضائه والبالغة 87 عضوًا يصوتون بنعم لسحب الثقة وهو ما لم يحدث»، واصفين - في بيان - ما حدث بأنه «تضليل داخل قاعة مجلس النواب في حساب عدد الأصوات التي صوتت على سحب الثقة من الحكومة».

الدبيبة يرد ويدعو إلى «مظاهرة الجمعة»
وفي أول تعليق عقب قرار حجب الثقة عن حكومته، أكد الدبيبة في كلمة في ختام بطولة الجامعات لكرة القدم الخماسية بمدينة الزاوية (40 كيلومترا غرب طرابلس) عزم حكومته مواصلة مسيرة «الحفاظ على الوطن»، وطرد «شبح الحرب» دون رجعة.

وعقب عودته من مدينة الزاوية، شارك رئيس الحكومة في تظاهرة مؤيدة لحكومته في طرابلس، حيث تجمع المئات من المتظاهرين الرافضين لقرار البرلمان بحجب الثقة. ودعا إلى تظاهرة حاشدة في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس الجمعة المقبلة. وقال الدبيبة، أمام المتظاهرين: «ميعادنا الجمعة المقبل للتعبير عن الليبيين.. من كل المدن، طرابلس، طبرق، الكفرة، سبها وكل مدن ليبيا في هذا الميدان».

- عقيلة صالح: ردود الحكومة على المساءلة لم تقنع مجلس النواب 
- النواب المعترضون على سحب الثقة من الحكومة: عدد الموافقين لم يتجاوز 73 صوتا

رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، من جانبه أكد أن الحكومة مستمرة في مهامها تحضيرا للانتخابات. وقال في تصريح للصحفيين، عقب لقائه وزير الخارجية المغربي في الرباط: «أي عمل يشوش على الانتخابات لا نريد منحه أكبر من حجمه)،هذه الحكومة يجب أن تحضر للانتخابات في 24 ديسمبر المقبل». وأضاف أنها « مستمرة في عملها حتى ذلك التاريخ، ويجب توفير المناخ لها لإجراء الانتخابات».

66 بلدية ترفض قرار «النواب» وتعتبره «عبثا دستوريا»
وتزايدت وتيرة الانتقادات لقرار مجلس النواب على صفحات التواصل الاجتماعي لقرار سحب الثقة، ويقول محللون إن الخطوات الأخيرة التي اتخذها الدبيبة بشأن صندوق الزواج رفعت أسهم شعبيته بين فئات شبابية، وشهدت مدينة سبها، مساء الثلاثاء، وقفتين لإعلان دعم حكومة الدبيبة، ورفض سحب الثقة منها، في حين وصف عمداء 66 بلدية، القرار بـ«الخطوة العبثية»، التي تفتقد «أي سند دستوري أو قانوني».

ودعا بيان البلديات رئيس حكومة الوحدة الوطنية والوزراء إلى «الاستمرار في ممارسة مهامهم وتنفيذ خارطة الطريق»، كذلك حذر حزب «العدالة والبناء»، من أن هذه «خطوة تنحو للتصعيد والتوتير الذي يصب في صالح تأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر، وينذر بقسمة البلد ويهدد وحدتها».ويقول الباحث في موقع «ليبيا آوت لوك» محمد الجارح في تغريدة عبر حسابه الشحصي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إن تصويت البرلمان «تصعيد كبير» من شأنه زيادة «الارتباك» وحالة «عدم اليقين»، معتبرا أن ليبيا في «منعطف حرج».

بليحق: سحب الثقة لن يؤثر على موعد الانتخابات
لكن وفي محاولة للتهدئة قال مجلس النواب على لسان الناطق باسمه إن «الحكومة مستمرة في أعمالها، حكومة تسيير أعمال، ولا علاقة للقرار بخدمات المواطن وأي قرارات تخدمه»، ورأى أن سحب الثقة من الحكومة لن يؤثر على موعد الانتخابات، مشيرًا إلى أن البرلمان يراه «دعمًا لإجرائها». وأضاف أن «القرار متعلق بوقف الاتفاقات طويلة الأمد أو أي إجراءات من شأنها الخروج عن مهام الحكومة، التي تتمثل في توحيد مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة بين الليبيين، وتوفير احتياجات المواطن اليومية، والتجهيز للانتخابات في موعدها 24 ديسمبر 2021».

ويقول محللون ومتابعون للشأن الليبي إن هذا التصويت «ضربة جديدة لجهود السلام التي تدعمها الأمم المتحدة» التي أخرجت البلاد من دوامة العنف، وبرزت هذه المخاوف من خلال دعوة وزير الخارجية والتعاون الدولي لويجي الايطالي دي مايو إلى ضرورة «العمل على أن تتوصل الأطراف الليبية إلى اتفاق بشأن الانتخابات لاسيما على ضوء التطورات الأخيرة»مشيرا إلى أن «الانتخابات تزداد أهميتها خاصة في ظل خطر وقوع عنف وعدم استقرار».

وفق هذا التقدير كان موقف البعثة الأممية في بيان أكد أن «حكومة الوحدة الوطنية الحالية تظل الحكومة الشرعية حتى يتم استبدالها بحكومة أخرى من خلال عملية منتظمة تعقب الانتخابات».ووجه المبعوث الأممي يان كوبيش رسالة إلى البرلمان، بالقول «البعثة كانت تتوقع أن تتركز جهود مجلس النواب على وضع اللمسات الأخيرة على قانون الانتخابات البرلمانية، وأن تعمل قيادة المجلس على تعزيز جهودها نحو بناء توافق واسع النطاق بشأن الإطار التشريعي للانتخابات، الذي يجري العمل عليه». وطالبت البعثة مجلس النواب بـ«استكمال العمل على قانون الانتخابات النيابية خلال الأسبوع المقبل في أقصى تقدير».