الفنان «هنري دي تولوز لوترك- Henri de Toulouse-Lautrec» فنان تشكيلي عالمي ولد 24 نوفمبر 1864 في أسرة أرستقراطية، ومات في باريس يوم 9/9/1901 قبل أن يتمم 37 عاما. كان رساما نابغا، ولعله أول مصمم، ونفذ الملصقات الدعائية، قبل الفنان «آندي وارهول» الذي سبق أن تناولناه مع حلقات الفنانين العالميين.
كان «تولوز لوترك» من أسرة فرنسية أرستقراطية، أبعده اعتلال صحته وتشوّه جسده، وقصر قامته والعرج الواضح في مشيته عن الحياة المخملية، والصالونات الأرستقراطية، وقاده باكراً إلى الكباريهات فانغمس في أجوائها المنحلة، فأدمن الكحول، إذ يبدو أنه اعتقد أن الكباريهات بأضوائها، وتوهجها وموسيقاها وعطور غوانيها، وضحكاتهن الماجنة، وغنجهن، وأولئك المأخوذين بهذه الأجواء، من المترفين والنبلاء والأفاقين، ورجال المال، والنجوم والخدم، واللصوص، والكُتّاب وأبناء العائلات المدللين، المجتمعين في مكان واحد، تحركهم الشهوات، وتخلق لهم أماكن اللهو حياة افتراضية، يحاول صناعها أن يجعلوها تبدو أصدق من الحياة الحقيقية، هو ما حببه في تلك الملاهي، وبدا له ذلك هو ما يتعين تصويره، وهذا ما عبر عنه في عشرات اللوحات، خصوصا لوحات كباريه «مولان روج».
سنة 2005 بيعت في بيت للمزادات لوحاته «الغسالة الشابة» بمبلغ 22.4 مليون دولار أميركي!
تلك الحياة الصاخبة، ناهيك بإدمانه الكحول، هي التي قضت عليه في النهاية، وبسبب حياته التي أنفقها متنقلا ما بين مسارح ومواخير باريس، استاءت منه أسرته النبيلة، وما إن مات حتى أحرقوا عددا كبيرا من لوحاته، التي رأوا أنها تسيء إلى سمعته، وبالتالي سمعتهم، تلك اللوحات، وما لم يطله الحرق يعتبرها النقاد أفضل اللوحات في مرحلة ما بعد الانطباعية، تماما مثل أعمال «فان جوخ» و«جوجان». والمثير أنه سنة 2005 بيعت في بيت للمزادات إحدى لوحاته المسماة «La blanchisseuse» وتعني «الغسالة الشابة» بمبلغ 22.4 مليون دولار أميركي! والحقيقة أن اللوحة باهرة بتفاصيلها.
لوحته «في المولان روج» هي المعلقة الآن في «معهد الفن» في شيكاغو الأميركية،
سنة 1892، كان حينها يقترب من الثلاثين عاما عندما رسم لوحة اسمها «في المولان روج» وهي المعلقة الآن في «معهد الفن» في شيكاغو الأميركية، يزيد عرضها قليلاً على 140 سم كما يبلغ ارتفاعها 123سم. وكانت الأيام والأمراض وعاهاته سحقته وجعلت منه شيخاً عجوزاً، ولكنه دائم المرح. وتميزت لوحاته، وملصقاته، بالحيوية وزهو الحياة . لقد عاش حياة صعبة ومريرة، ومع ذلك لم يفقد إيمانه بها ولا بالفن، ولا بالإنسان، وذلك واضح جلي في لوحاته، ولا سيما في هذه اللوحة التي لا تحتاج إلى أية شروحات؛ وفي هذه اللوحة حرص على تقديم المشهد متكامل بتلقائية وشفافية مباشرة أضفت طابعا تجريبيا، انطباعيا، لقد أشهرت هذه اللوحة وملصق الطاحونة الحمراء، هذا الكباريه، الذي أصبح من أهم المسارح الراقصة، ليس في باريس وحدها، وإنما في العالم كله، ويقول المؤرخون إن شعور الناس بالحرية والراحة في الكباريه، بعيدا عن قيود القيافة حيث لم يكن عليهم خلع قبعاتهم، كما أمسى بإمكانهم الحديث وتناول الطعام، والتدخين وقتما شاؤوا وما إلى ذلك، أي أنه لم يكن عليهم التمسك بالقواعد المتبعة في التجمعات الأرستقراطية.
تعليقات