Atwasat

روبرت فيسك: الإسبان لا يريدون "أندلس" متعدد الثقافات

القاهرة - بوابة الوسط الثلاثاء 06 مايو 2014, 12:39 مساء
WTV_Frequency

"إن الأوطان الضائعة ملأى ببيوت مَن عاشوا فيها؛ فهذه منازل الأرمن في الجنوب الشرقي من تركيا، وتلك منازل الفلسطينيين في إسرائيل، وغير ذلك أمثلة كثيرة من منازل الألمان في إقليم السوديت وبروسيا، ومنازل اليونانيين حول سميرنا (إزمير الآن)، وهذا الساحل الغربي لأيرلندا يحتضن أكواخًا بلا أسقف مات مَن كانوا يسكنونها أو هاجروا إبان المجاعة الكبرى التي ضربت البلاد".

هكذا أستهل الكاتب البريطاني روبرت فيسك مقالاته التي نشرها بصحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية يوم الأحد الماضي ردًا على إعلان كل من إسبانيا والبرتغال أخيرًا اعتزامهما تصحيح "خطأ تاريخي" - بحسب وصف وزير العدل الإسباني- بمنح الجنسية للمنحدرين من عائلات يهودية تم طردها من الدولتين قبل نحو ستة قرون.

وأضاف فيسك: "كان العام 1492 عام الظلام، عندما سقطت غرناطة مملكة المور في أيدي الملكين فرديناند وإيزابيلا. عادت الهيمنة المسيحية على الأراضي التي تعايش عليها المسلمون واليهود جنبًا إلى جنب مئات السنين. وتم الحكم بالطرد على كل مَن لم يتنصر إلى خارج إسبانيا والبرتغال بقدوم القرن السابع عشر".

وتابع: "لقد حطت الرحال بهؤلاء المطاريد في بلاد المغرب والجزائر والبوسنة واليونان وتركيا. وتدل آثار العمارة الأندلسية في شمال أفريقيا على ذلك. كما أن لغة اليهود السفرديم (لادينو) القريبة من الإسبانية كانت لم تزل مفهومة في سراييفو أثناء الحرب البوسنية في حقبة التسعينات من القرن الماضي".

ونوه بأنه في غضون مئة عام فقط، طردت الملكية المسيحية في إسبانيا نصف مليون مسلم ونحو 200-300 ألف يهودي، اليوم يوجد نحو ثلاثة ملايين من اليهود السفرديم حول العالم ممن لا تزال أطلال بيوتهم موجودة في إسبانيا.

وانتقل الكاتب البريطاني إلى الحديث عن العصر الحاضر، راصدًا قرار حكومتي إسبانيا والبرتغال الأخير بمنح الجنسية لذراري اليهود الذين تم طردها من الدولتين، ويرى فيسك أن ما حدث للمطاريد قبل نحو ستة قرون كان بمثابة تطهير عرقي وجريمة ضد الإنسانية، لكننا كنا ننتظر أكثر من ذلك من جانب أصدقائنا في إسبانيا والبرتغال، ذلك أنه لسوء الحظ ثمة ضحايا آخرون (مسلمون) ينبغي أن يسري عليهم القرار.

القرار لم يكن لأسباب تتعلق بالضمير وإنما جاء لأن اليهود أغنياء سيساعدون اقتصاد الدولتين المفلستين. إنه قرار يستند إلى الحاجة الاقتصادية؛ هذا بالضبط وراء استثناء المسلمين من العرض

ولفت فيسك إلى أن أحفاد اليهود المطرودين من شبه الجزيرة الأيبيرية (الأندلس) في القرنين الخامس عشر والسادس عشر سيحق لهم بموجب هذا القرار حيازة جواز سفر يؤهلهم للتنقل بحرية بين 28 دولة أوروبية. معظم هؤلاء يعيشون في إسرائيل. لقد تم منحهم (حق العودة) وهو حقٌ لم ولن تمنحه إسرائيل للفلسطينيين الذين أُخرجوا من ديارهم حتى تقوم دولة إسرائيل.

وأشار إلى أن المسؤولين الإسبان والبرتغاليين لم يشرحوا أسباب لجوئهم إلى التمييز العنصري بين أحفاد ضحاياهم من المطاريد (اليهود والمسلمين) قبل نحو 600 عام. وتساءل عن الأساس الذي تم عليه منح أحفاد المطاريد اليهود حقوقًا أكثر من رفقاء دربهم من المسلمين!

ولفت الكاتب إلى إمكانية رفض المجتمعات اليهودية المحلية اعتماد طلبات منح المواطنة كثيرًا من اليهود، وأشار أيضًا إلى استهجان المقترح برمته من قبل بعض كتَّاب الرأي اليهود.

فالحكومتان الإسبانية والبرتغالية ليستا بصدد تقديم اعتذار لليهود -كما يتعين عليهما بالتأكيد- إنما هما فقط بصدد عرض لمنح اليهود جوازات سفر. وليس هناك حديث حول دفع تعويضات. أما المسلمون الذين طردوا من إسبانيا العام 1609 فلا حديث عنهم مطلقًا.

ورصد فيسك رؤية المحللين اليهود للعرض "السخي" من جانب إسبانيا والبرتغال بأنه "لم يكن لأسباب تتعلق بالضمير وإنما جاء لأن اليهود أغنياء سيساعدون اقتصاد الدولتين المفلستين. إنه قرار يستند إلى الحاجة الاقتصادية؛ هذا بالضبط وراء استثناء المسلمين من العرض. إن عودة المسلمين إلى إسبانيا والبرتغال تعني مطالبة عشرات الملايين بالحصول على حقوق المواطنة من دون أن يجلب هؤلاء معهم المال".

وأبدى الكاتب عدم اقتناعه بوجهة النظر هذه، مشيرًا إلى أن عشرات الآلاف من المسلمين أثرياء ويمكنهم جلب مبالغ كبيرة إلى إسبانيا والبرتغال. ويرى فيسك أن الأسباب الحقيقية وراء هذه التفرقة العنصرية تعود إلى أن أبناء عمومتنا في مدريد ولشبونة لا يريدون عودة المسلمين إلى أوروبا، فضلاً عن منحهم حقوق المواطنة. إن إسبانيا والبرتغال تريدان ضمان نهائية طرد المسلمين.

واختتم فيسك مقاله بالقول: "إن الأندلس كانت ذات يوم مثالاً رائعًا من أمثلة (التعددية الثقافية) لا يريد الإسبان عودته لكل شيء إذا ما تم نقصان، كما قال الشاعر صالح بن شريف الرندي 1248 حينما كان يرثي سقوط إشبيلية كبرى الحواضر الأندلسية".

روبرت فيسك: الإسبان لا يريدون "أندلس" متعدد الثقافات
روبرت فيسك: الإسبان لا يريدون "أندلس" متعدد الثقافات

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
جيراك يكرر إفادته والمدعي العام يعتبرها «ملتبسة»
جيراك يكرر إفادته والمدعي العام يعتبرها «ملتبسة»
إلغاء حكم يدين هارفي واينستين في قضايا اغتصاب
إلغاء حكم يدين هارفي واينستين في قضايا اغتصاب
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم