على أحد مسارح العاصمة الفرنسية (باريس)، يحرك روبوت عينيه، ويرتجل أغنيات، هو ليس مثالاً عن الأوبرا المستقبلية، بل يمثّل أحد أشكال التأليف الموسيقي التي يتحوّل فيها برنامج «تشات جي بي تي» إلى كاتب نصوص، ويتولى روبوت قائم على الذكاء الصناعي الغناء.

ويرافق الروبوت، المسمّى «ألتير 4»، فريق من نحو أربعين موسيقياً من أوركسترا «أباسيوناتو» الفرنسية، وجوقة بوذية يابانية آتية من جبل كويا، بينما يعزف على البيانو المؤلف الموسيقي كييتشيرو شيبويا، الذي ابتكر عرض «أندرويد أوبرا ميرور»، المُستمر حتى الجمعة على مسرح «شاتليه»، بحسب وكالة «فرانس برس».

ويُسمَع خلال العرض مزيج غريب يجمع الصوت الصناعي وترانيم يؤديها رهبان، يظهرون بأزياء تقليدية، ونغمات الكمان والموسيقى الإلكترونية.

ويقول الراهب ايزن فوجيوارا لـ«فرانس برس»: «أرى أن الروبوت على المسرح هو جزء من الفريق، ونحن نعمل معاً»، مضيفا: «صحيح أن أغنياتنا لم تتغير منذ 1200 عام، ويُعتقَد أن الأمور المتباينة لا يمكن أن تكون متوافقة، لكن عندما نؤدّي معاً نكون في تناغم تام».

يضم «ألتير 4»، الذي ابتكره المتخصص في الروبوتات هيروشي إشيغورو (تولى المهندس المعماري الشهير كازويو سيجيما تصميم المنصة الموجودة في الجزء السفلي من جسم الروبوت)، 53 مفصلاً، أي أكثر بعشرة مفاصل مما كان يحوي النموذج السابق، وهو ما يتيح له التعبير بطريقة ديناميكية أكبر.

أداء قد «يُفاجِئ» الحاضرين
الأهم هو أن هذا الروبوت قادر على ارتجال كلمات يغنّيها في العرض بالتزامن مع ما تؤديه جوقة الرهبان.

وينشد «ألتير 4» ثلاث أغنيات في أداء قد «يُفاجِئ» الحاضرين أحياناً أكثر مما يذهلهم الارتجال البشري، على قول شيبويا.

واستند المؤلف الموسيقي إلى برنامج «تشات جي بي تي» لكتابة ثلاثة أرباع العرض الذي يتمحور على السلام والوئام في العالم. ويوضح: «شرحت للبرنامج تفاصيل عن الحفلة وكلمات الأغنيات التي يؤديها الرهبان، فكان الرد سريعاً جداً».

ويرى أن ما ابتكره الذكاء الصناعي يمثل إبداعاً، مشيراً إلى أن الأهمية الكامنة وراء مقاربة مماثلة تتمثل في اكتشاف «تناغمات جديدة».

ينطوي على نوع من المرح

خلف الكواليس، يتولى تحريك الروبوت من خلال أحد البرامج مدرس الموسيقى شينتاري إيماي، الذي درس التأليف الموسيقي في إركام (مركز أبحاث للتقنيات الموسيقية والصوتية الحديثة في باريس).

ويقول إيماي: «الروبوت يخرج دائماً عن سيطرتي، ولا أدرك سلفاً كيف سيتحرك أو يرتجل الغناء».

أما أعضاء أوركسترا «أباسيوناتو» الفرنسية، التي أسسها ماتيو إرزوغ، والمُعتادة أكثر على العروض الكلاسيكية والرومانسية، فتنظر إلى الروبوت على أنّه ينطوي على نوع من المرح.

تساؤل عن دور الإنسان في الفن
يقول مدير الأوركسترا لِيو دومين: «عندما وصلنا ورأينا هذا الروبوت يتحرّك ويومض بعينيه انتابنا خوف كبير»، مضيفا: «هو كالوحوش في الثقافتين الصينية واليابانية. يندمج مع البيئة البشرية».

ويعد دومين أن «مواجهة الذكاء الصناعي والروبوت تطرح تساؤلاً عن دور الإنسان في الفن، وما يمكن للروبوتات أن تقدّمه».

ويتابع: «ألتير 4» ينتج أصواتاً تمتزج مع أصواتنا، مما يؤدي إلى ابتكار نسيج صوتي غير معروف»، معتبراً «هذا المزيج من النبرات الصوتية مثيراً للاهتمام من الناحية الموسيقية».

لكن على الرغم من الأداء المُتزامن بين الروبوت والرهبان «لا يحدث تفاعل فعلي بينهم»، بحسب الموسيقي.

هل سيستمر هذا النوع من الابتكار أم أنه تقنية عابرة؟ يجيب ليو دومين ضاحكاً: «هل ستحل الروبوتات محل الموسيقيين البشريين؟. هذا ليس مؤكداً».