Atwasat

فتيل الحرب الكبرى!

سالم الهنداوي الخميس 19 أكتوبر 2023, 04:40 مساء
سالم الهنداوي

.. قد تتّسع الحرب وتتجاوز غزة، وقد تنتهي عند غزة محمّلة بالآثام العربية قبل الإسرائيلية والأمريكية، فحجم القوة النارية الغاشمة الحاقدة التي انهالت تحرق غزة، يمكنها حرق كُل العواصم العربية التي تنادت خانعة للتطبيع مع إسرائيل في التوقيت السيء، وكانت السبب في الانفراد بالفلسطينيين قطاعاً وضفّة وبلدات ونحرهم وعيون العرب مغمضة!

لا أحد باستطاعته معرفة إلى أين يتّجه التصعيد في ظِل تغوُّل إسرائيل بدعم أمريكي وأوروبي وآلة إعلامية غربية ضخمة تضخ الأكاذيب لتأليب الرأي العام العالمي ضد الفلسطينيين باختلاق الأحداث وتزييف الصُّور، تغالط الوقائع والحقائق لصالح الكيان الغاصب.

المؤسف عربياً أن لا قرار بيد "العرب" لمنع حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة، والتي لن تنتهي عند حدودها الشمالية والجنوبية بتدميرها وتهجير أهلها إلى شتات في نكبة جديدة لا تعيدنا فقط إلى نكبة 48 ولا خسارة حرب 67 التي رسمت حدود الذل وإنما إلى فكرة الاحتلال من الأساس بظرفيه الديني والسياسي، وحينها سيكون من الصعب بل ومن المستحيل إحلال سلام في المنطقة، لا باتفاق حل الدولتين ولا بعودة لاجئي النكبتين، الأولى والثانية.

في تقدير الأحداث والمواجهات التاريخية الفلسطينية- الإسرائيلية يتناسى العالم جرائم الكيان الصهيوني منذ عام النكبة الأولى بتوسيع المستوطنات بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وبيوتهم وحرق محاصيلهم وجرف أشجارهم وحماية المستوطنين في اعتداءاتهم المتكرِّرة على أحياء القدس وآخرها نباح كلابهم في حي "الشيخ جرّاح" واجتياح بيت المقدس ومنع الجيش للفلسطينيين من الصلاة في باحات الأقصى، والعالم صامت ينتظر ردّة الفعل التي طالت بالغياب الطويل للأسرى وباغتيال الفلسطينيين الآمنين في بيوتهم وفي شوارع القدس العتيقة.. فمن الذي كان يعتدي على ما تبقّى من حقوق الشعب الفلسطيني غير "سُلطة الاحتلال" القمعية التي تمادت في جرائمها ضد الفلسطينيين فأشعلت فتيل الأزمة وكانت السبب في المواجهة واندلاع حرب الإبادة ضد الأبرياء في غزة.

يَعتقد الإسرائيليون أن العرب بعد اتفاق "أوسلو" قد تخلّوا عن قضية فلسطين وتركوها للفلسطينيين، واعتبروا مبادرات الاعتراف بها والتطبيع الأحادي معها استسلاماً وضعفاً لأنظمة صارت رخوة بعد ثورات ما سُمّي بالربيع العربي، وأن القضية الفلسطينية لم تعُد مركزية عند العرب بل أصبحت في حدود ثنائية حُكم الظالم على المظلوم بالبقاء على دويلة فلسطينية منقسمة ومقسّمة داخل سُلطة احتلال عبرية تتحكّم في كُل حدود "فلسطين التاريخية" ولا مكان لفكرة حل الدولتين التي يتلفّظ بها العرب في مناسباتهم وأحاديثهم عن السلام، ويتناسى الكيان الصهيوني حقيقة أن العرب ليسوا هُم حُكّام التطبيع معه، ولا هُم المنبطحون من أصدقاء أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ولكنّهم "الشعوب" الممتدّة من الخليج إلى المحيط، الرافضة للاحتلال من الأساس والمؤيدة لفكرة زوال إسرائيل، وهي الحقيقة الضمنية التي تهدِّد بقاء إسرائيل على أرض فلسطين مهما طغت وتجبّرت.

يكفينا من كُل هذا التاريخ الطويل من الصراع أن تعرف إسرائيل أنها حتماً إلى زوال، وأن لا قاعدة استثناء يمكن الاعتماد عليها في البقاء، لا اتفاقات سلام، ولا عيشا مشتركا، ولا بيانات اعتراف وتطبيع مع الخانعين، ولا قوّة أمريكا الهجينة التي تعيش على استعباد الشعوب وهي في حقيقة الأمر لا شعبا لها أصيلا يحميها من الموت.. وأن المجازفة بالحقيقة التاريخية لا تجلب سوى التعاسة لكُل اليهود المعتقدين بأرض الميعاد، ويكفي أن قوة بقائهم تكمن دائماً في حقيقة زوالهم.

ما بجعلهم موتى باستمرار على شفير بقائهم المزيّف هو اعتمادهم على أسطورة "أرض الميعاد" تلك الحجّة التي استخدمتها الصهيونية لدفع يهود العالم للهجرة إلى فلسطين واستعمارها بالحوافز الدينية المستوحاة من التوراة لتحقيق الأهداف الصهيونية، لكن الحجّة الباطلة كانت دائماً كابوساً على مُراد الصهيونية التي اعتمدت الدهاء والمكر والنفاق والكذب حيلاً لتعزيز وجودها وكسب رهاناتها بنكث العهود وخرق المواثيق، وهي الخروقات التاريخية التي تطيح كُل يوم بهيكل وجودهم وتجعل حقيقة زوالهم ماثلة في عقول عددٍ من مفكِّريهم وحُكمائهم الدينيين وقادتهم السياسيين، فثمة تصريح غير متداول لرئيس الكيان الصهيوني الأسبق "بن غوريون" قال فيه: "أنا سأموت وأُدفن في إسرائيل، وابني كذلك سيموت ويُدفَن في إسرائيل، أما حفيدي فلا أعرف"!