Atwasat

إعاقات التطور

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 21 مايو 2023, 08:13 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

أتيحت لي، بدايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي، قراءة كتاب مترجم لكاتب أمريكي (نسيت اسمه) عنوانه "فجر الحياة على الأرض" يتناول فيه واضعه بداية تحول المادة اللاعضوية إلى مادة عضوية، أي المادة اللاحية إلى مادة حية. معروف، طبعا، أن هذا التحول بدأ في الماء، ويشرح المؤلف ذلك أنه من خلال تراكم الغبار على سطح الماء خلال أزمان طويلة تكونت تشكيلات ما تسمى "الغرويات". هذه الغرويات انبثقت عنها (عبر فترة تاريخية طويلة، طبعا، وعمليات تفاعل معقدة) الخلايا الحية التي تطورت وتشعبت في ما بعد (ودائما عبر فترات تاريخية مديدة وعمليات تفاعل وتحول معقدة) إلى ما نعرفه اليوم من الكائنات النباتية والحيوانية المتعددة والمتنوعة.

ثم يطرح السؤال التالي: لماذا لم نعد نعاين حاليا تحول الغرويات إلى خلايا حية؟. وكانت إجابته أنه في بداية هذا التحول من اللاعضوي إلى العضوي لم تكن هناك كائنات حية أعلى تتغذى على هذه الغرويات، ما أتاح لهذه الأخيرة فرصة التفاعل والتطور الحر. وهذا لم يعد متاحا حاليا لأن كثيرا من الكائنات الحية يقوم غذاؤها على هذه الغرويات.

هذا "القانون"، أو الوضع، يمكن تطبيقه على الحضارات أيضا. فعند وجود حضارة، أو أكثر، متطورة قوية قرب شعب لم يكتسب حضارة متطورة، بل هو واقع تحت هيمنة تلك الحضارة المجاورة، أو تتجاذبه أكثر من حضارة مجاورة، فإنه يحرم من تشكيل حضارة خاصة به وفق تفاعل واستغلال إمكانياته وقدراته الذاتية، وحتى الاستفادة من التراثات الثقافية والعلمية والمنجزات المادية لحضارات بعيدة، أو حضارات مجاورة لم تعد مهيمنة.

وهذا الوضع ينطبق، تماما، على محاولة النهضة العربية التي جرت بين نهايات القرن التاسع عشر وحتى نهايات النصف الأول من القرن العشرين. فلقد كانت البلدان العربية جميعها، باستثناء السعودية، واقعة تحت احتلال دول تنتمي إلى حضارة متقدمة ومتطورة جدا فكريا وثقافيا وماديا تتحكم تحكما تاما في مصير هذه البلدان، الأمر الذي مكن من إعاقتها وإجهاضها. وعندما نالت البلدان العربية استقلالها وأصبحت،رسميا، دولا مستقلة وقعت تحت وطأة التبعية للدول المستعمِرة السابقة وللغرب إجمالا. وهي الحال التي مازلت شعوبنا خاضعة لها حتى الآن.