يؤدّي مئات آلاف الحجّاج، اليوم الأحد، «طواف القدوم» حول الكعبة المشرفة في مدينة مكّة المكرّمة، في مستهلّ مناسك حجّ ينطلق بأعداد مماثلة لما قبل جائحة «كوفيد».

وقد فاضت شوارع المدينة المقدّسة بآلاف الحجّاج من الجنسيّات كافّة، بعدما سمحت السعوديّة بأداء فريضة الحجّ هذا العام دون أيّ قيود على عدد الحجّاج وأعمارهم، وفق وكالة «فرانس برس».

وطاف حول الكعبة حجّاج بملابس الإحرام البيضاء، بينهم نساء ارتدى بعضهنّ عباءات ملوّنة. وقد حمل كثير منهم مظلات، للوقاية من الشمس الحارقة، بينما كان آخرون يصلّون ويدعون على الأرضيّات الرخاميّة البيضاء التي تفوح منها رائحة المسك. وقال الموظّف المصري المتقاعد السيد عبد العظيم (65 عاما): «أعيش أجمل أيّام حياتي». وتابع الرجل بينما كان يهّم بالطواف: «الحلم أصبح حقيقة»، مشيرا إلى أنه دفع 175 ألف جنيه (5.600 دولار) في الرحلة الدينيّة التي يدّخر لها منذ 20 عاما.

1.6 مليون حاجّ من خارج المملكة
وصل أكثر من 1.6 مليون حاجّ من خارج المملكة بالفعل، على ما أعلنت مساء الجمعة السلطات السعوديّة، وهو الرقم الذي يتجاوز بالفعل عدد الحجيج العام الماضي بفارق كبير، بينما لم تُعلن بعد أعداد الحجّاج من داخل السعودية.

وتتوقّع السلطات السعوديّة مشاركة أكثر من مليوني حاج من 160 بلدا في الحج هذا العام، بعدما اقتصر الحج العام الماضي على 926 ألف حاج، بينهم 781 ألفا من الخارج، بعد عامين من اقتصاره على بضع آلاف من سكّان المملكة وحدها. وفي العام 2019، شارك نحو 2.5 مليون مسلم من جميع أنحاء العالم في مناسك الحج السنويّة، وهو واحد من أركان الإسلام الخمسة، وفريضة لا بُدّ للمسلمين القادرين من تأديتها مرّةً واحدة على الأقلّ في حياتهم.

وبعد ثلاثة أعوام من حجّ محدود، عادت المرافق السعوديّة والمواقع الدينيّة تغصّ بالحجّاج، فلا يوجد موضع قدم في الأسواق والمطاعم التي كانت شبه خاوية في أثناء الجائحة، وتفيض الشوارع المحيطة بالمسجد الحرام بآلاف الحجّاج الذين يصلّون على سجاجيد ملوّنة أمام الفنادق والمتاجر.

وبينما كانت تسير وسط أمواج المصلّين الخارجين من المسجد الحرام بعد صلاة العشاء السبت، قالت ربّة المنزل الهنديّة شيما مقصود (52 عاما): «أعيش سعادة غامرة، لأنّ حلمي قد تحقّق بزيارة مكّة المكرّمة، وأداء فريضة الحج».

«نعمة من الله»
بدءا من مساء اليوم الأحد، ينتقل الحجّاج بأعداد كبيرة إلى منى، على بُعد نحو خمسة كيلو مترات من المسجد الحرام، قبل أهم المناسك الرئيسيّة، وهو صعود جبل عرفة بعد غد الثلاثاء. وقد أقامت السلطات الكثير من المرافق الصحّية والعيادات المتنقّلة، وجهّزت سيّارات إسعاف، ونشرت 32 ألف مسعف، لتلبية احتياجات الحجّاج.

بينما تنتشر سيّارات المطافئ بألوانها الصفراء المميّزة في أرجاء المكان، إذ سبق أن تسبّبت حرائق في حوادث دامية بمنى. وقال الطالب الإندونيسي يوسف برهان (25 عاما): «هذه نعمة عظيمة. لم نتخيّل من قبل أنّنا سنؤدي الحج هذا العام». وتابع: «لا أستطيع وصف مشاعري. أشكر الله».

وأعرب صديقه مهدي الحامدي (27 عاما) عن فخره بأداء الحج، قائلا: «الحجّاج قوم مختارون من الله». بينما قال الشاب الذي ارتدى زيّ الباتيك الإندونيسي التقليدي، وقد غمرته مشاعر السعادة: «هناك ملايين من الناس، والله اختار عددا قليلا لأداء الحجّ. هذا شرف عظيم لنا».

وأقام رجال الشرطة في المدينة الجبليّة نقاط تفتيش، وقاموا بدوريّات راجلة، حاملين مظلات بيضاء، للحماية من الشمس، حيث تجاوزت الحرارة 44 درجة مئويّة. بينما وقف رجال أمن يرشّون رذاذ المياه على الحجّاج المنهكين من الحرّ الشديد، وقد افترش بعضهم الساحات المحاذية لأبواب الحرم.

مسعفون على أهبة الاستعداد بالمسجد الحرام
داخل المسجد الحرام، وقف مسعفون على أهبّة الاستعداد في مواقع مختلفة، بينما كان شبّان متطوّعون يدفعون كراسي متحرّكة ينتظرون في طابور طويل، لمساعدة كبار السن والمرضى ممّن لا يستطيعون المشي مسافات طويلة.

وفي أرجاء المكان، انتشر عمّال بملابس خضراء يوزّعون زجاجات المياه الباردة، وآخرون يرشّون رذاذا منعشا من أسطوانات مربوطة حول ظهورهم. ووضع الكثير من الحجّاج أسماء دولهم وأعلامها على ملابسهم، وارتدت مشاركات آسيويات وأفريقيات عباءات ملوّنة مميزة.

عادة ما يشكّل الحج مصدر دخل رئيسيا للمملكة، حيث تُقدّر إيرادات المناسك والعمرة والزيارات الدينيّة الأخرى على مدى العام بنحو 12 مليار دولار سنويًا. ويأمل أصحاب الأعمال في مكّة أن تُعوّضهم عودة الحجّ إلى طبيعته عن الخسائر الفادحة التي تكبّدونها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

وأكّد سمير الزافني، الذي يدير مجموعة فنادق في مكة والمدينة، أنّ فنادقه كاملة العدد حتى الأسبوع الأول من يوليو المقبل على الأقلّ. وتابع في مكتبه: «بعد ثلاث سنوات عجاف، هذا العام لا يوجد سرير واحد شاغر في مجموعتنا التي تضمّ 67 فندقا».